اراء و مقالات

الأردن وسط «ذئاب اليمين»… و«لغز» الحراك الدبلوماسي العاصف عشية رمضان: كيف «ننقذ نفتالي بينيت»؟

عمان – «القدس العربي»: بيني غانتس وزير الدفاع الإسرائيلي حضر فجأة إلى عمان أمس الثلاثاء، بعدما زار الاثنين العاهل الملك عبد الله الثاني رام الله في جملة اعتراضية أردنية تكتيكية أعقبت التغيب عن طاولة لقاء النقب الشهير ضمن حزمة «الإبراهيميات».
قبل ذلك، خاطب العاهل الأردني الرئيس محمود عباس في رام الله قصداً أمام الكاميرات بموقف يمكن اختصاره: «كنا وسنبقى معكم… ما الذي تريدونه من احتياجات منا ونحن جاهزون».
في الأثناء، تعلن صحيفة «جيروزليم بوست» الإسرائيلية عن استقبال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، وموضوع النقاش هو «تخفيف القيود على الفلسطينيين قبل شهر رمضان». ويمكن أيضاً وضع خطوط عدة تحت العبارة المحورية التي وردت على لسان ملك الأردن وهو يخاطب وزير الدفاع الإسرائيلي: «الحفاظ على التهدئة الشاملة يتطلب احترام حق المصلين المسلمين بتأدية شعائرهم الدينية بالمسجد الأقصى».

بعيداً عن حكومة اليمين

هنا حصرياً يتحدث الأردن بصفته الوصي الشرعي والسياسي على القدس والأوقاف، والطرف الآخر هو الشخص الاسرائيلي الوحيد في هرم سلطة تل أبيب، الذي تواصل معه الأردن عدة مرات، والأهم هو الشخص الذي يدل عما كان يقوله بالعادة وزير الإعلام الأردني الأسبق الدكتور محمد المومني، «عن ذلك التواصل مع الدولة العميقة في الكيان».
مجدداً، يريد الأردن الحفاظ على حزمة اتصالاته بعيداً عن حكومة اليمين الإسرائيلي وقريباً دوماً من مؤسسات العمق في الكيان. ففي عرف النخب الأردنية، المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا تعبث ولا تتلاعب عندما يتعلق الأمر دوماً بمصالح الأردن أو دوره في المعادلة، خلافاً لما تفعله بين الحين والآخر حكومات الذئاب اليمينة الإسرائيلية، كما توصف في مجالسات الاستشارات الأردنية.
قبل استقبال الجنرال غانتس في عمان، رفض رئيسه اليميني المتطرف نفتالي بينت، السماح له بحضور ثنائية الملك والرئيس محمود عباس في رام الله، والتصور على الأرجح أن عمان هي التي طلبت حضور الجنرال لكي تبلغه ضمنياً بأن وساطتها التي طالب بها قبله وزير الخارجية يائير لابيد، نجاحها مرهون تماماً بتلك الجزئية المتعلقة بصلاة المسلمين في المسجد الأقصى. وفي الذاكرة مضايقات بالجملة كان قد تعرض لها الأردن وسجل بعضها علناً العام الماضي وزير الخارجية عندما زار ولي العهد الأردني القدس.

سؤالان

في كل حال، غابة من الاجتماعات والمشاورات، وبحر من اتصالات دبلوماسية، وعمان وسط كل ذلك. فقد طالب الوزير يائير عندما زارها، بالتحرك من أجل منع تصعيد الأوضاع في الأراضي المحتلة، وطبعاً يقصد الوزير الإسرائيلي منع الانفلات الأمني في الضفة والحيلولة دون تصعيد من كتائب المقاومة بغزة، الأمر الذي يبرر بحث الأردن لخطوات محددة قبل شهر رمضان المبارك مع وزيري الأمن الداخلي والدفاع في إسرائيل.
ما الذي يعنيه ذلك؟ لماذا وعلى أي خلفية تتحرك الماكينة الأردنية بكثافة وبعيداً عن شكل ومنطوق لقاء النقب الشهير؟
سؤالان في غاية الأهمية، والإجابة عليهما تفترض مسبقاً حتى برأي محللين استراتيجيين من بينهم الدكتور عامر السبايلة والدكتور أنور الخفش، إعادة قراءة الوقائع كما حصلت، فعاهل الأردن زار رام الله والتقى عباس بعدما تقرر أن لا يشارك الصفدي في لقاء النقب. وقبل تلك الزيارة، حضر الإسرائيليون والإماراتيون إلى شرم الشيخ وغاب الأردن.
ثم قبل لقاء النقب وزيارة الملك إلى رام الله، عقد الاجتماع الرباعي في العقبة بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي والدكتور مصطفى الكاظمي والشيخ محمد بن زايد، كما حضر مستشار شاب لفت الأنظار وتبين لاحقاً أنه وزير الدولة السعودي وموفد ولي العهد الأمير تركي بن محمد، فيما حرص الكاظمي تحديداً قبل حضور لقاء العقبة التشاوري على التأكد من أن اللقاء لا يوجد فيه أي حضور إسرائيلي، لأنه يعلم بأن فرصته في العودة لرئاسة وزراء العراق ستصبح معدومة تماماً إذا ما حضر أي لقاء فيه تشاور تطبيعي. المنطقة تتغير بقوة، كما يقترح رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.
والمتغيرات – كما يلح الخفش – بنمطية موجات عاتية يمكن أن تخلط كل الأوراق وستخلطها. والحراك الدبلوماسي لاحظ الجميع أنه صعد إلى الواجهة بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لفلسطين المحتلة، وفي ظل المشهد مؤسسة أمنية مصرية على تراسل مع حركة حماس.

حماس جاهزة لكل السيناريوهات

وفي إحاطة خاصة، حضرت «القدس العربي» مع نخبة من قيادات حركة حماس، تقدير موقف لبوصلة الحراك العام يستند إلى أن حماس تحديداً لا تسعى للتصعيد العسكري، لكنها جاهزة لكل السيناريوهات وسترد وبقوة إذا ما استهدفت مقدسات الشعب الفلسطيني مجدداً.
أحد إشكالات التحرك الأردني حصرياً هو الاتجاه إلى السلطة الفلسطينية ورئيسها، فيما الواقع يقول إنهما لا يملكان أي تأثير على الأرض لا في الجانب الإسرائيلي ولا في جانب قطاع غزة والمقاومة، وإن كانت عمان مهتمة دوماً وفي موقف لا يفهمه القيادي الإسلامي مراد العضايلة فقط بالتحدث مع الأطراف التي تؤزم ودون الطرف الضحية. تضغط الكثير من العناصر على أذرع الحراك الدبلوماسي الأردني في اتجاه التذكير بضرورة التحدث مع الجهة التي تملك ورقة التصعيد والرد على الإسرائيليين أصلاً، وهي حركة حماس. وفي تقدير الموقف الحمساوي، لا يحتاج الأردن إلى الإبراهيميات وملحقاتها، لذا فغيابه عن طاولة لقاء النقب خطوة حكيمة.
يبقى السؤال المركزي: لماذا كل ذلك الهجوم الدبلوماسي المكثف؟
الإجابة يعرضها بين يدي «القدس العربي» أحد قياديي حماس، مفضلاً تجنب الإشارة إلى اسمه، فإسرائيل في مأزق وحالة انفصام بعد تداعيات حمى أوكرانيا، والمقاومة صلبة وعززت الإمكانات، وعمليتا بئر السبع والخضيرة مؤخراً خلطتا كل الأوراق وأربكت الإسرائيلي، ورئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو جاهز للفتك بحكومة نفتالي بينت الآيلة للسقوط وبفارق صوت واحد في الكنيست إذا ما تجرأ بينت على منع المستوطنين من اقتحام المسجد الأقصى، كما تشير أدبياتهم العقائدية خلال شهر رمضان المبارك.
المعنى هنا بالخلاصة: العرب يتطوعون بالضغط على المقاومة؛ لأن حسابات بقاء حكومة نفتالي بينيت مرتبط بصعوبة أو استحالة اتخاذه قراراً بمنع المستوطنين من اقتحام الأقصى. والأردن يستثمر في مأزق بينت بطريقته، لكن دول الإبراهيميات ومعها مصر، في اتجاه آخر، وهنا يكمن المأزق الأردني الثاني.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى