اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: ازدحام وحوار طرشان «وبائي» بين الحكومة والمواطن

 مسألتان لا بد من التوقف عندهما فيما يتعلق بمحاولة قراءة سلوك المواطن الأردني، وفي بعض المناطق حصرياً، بمجرد إلغاء الحظر الشامل ليوم الجمعة.
ومسألتان في التقييم، في المقابل، من الصعب تجاهلهما عندما يتعلق الأمر بمحاولة تحليل الأسباب والخلفيات التي دفعت أو تدفع طاقماً مؤلفاً من 7 وزراء للتحدث بلغة حادة وخشنة إلى حد ما مع الأردنيين وعلى أساس ما سمّاه وزير العمل الدكتور معن قطامين بـ «تحذير مبطن».
لا يحتاج الأمر إلى تحذيرات مبطنة أو ظاهرة، فكل ما حصل وتحديداً في وسط عمان العاصمة، ولاحقاً في منطقة سحاب، صباح ومساء أول يوم جمعة ألغي الحظر فيها، له علاقة بصعود رغبة «التنفس» بعد أشهر من الحظر الشامل لأبرز أيام الأسبوع.
في وسط العاصمة، وحسب رواية رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق لـ»القدس العربي» ثمة شرائح من المغتربين والعمال البسطاء المقيمين في الأردن تواجدت بشكل مكثف في بعض أزقة أسواق وسط المدينة بعد أشهر من الغياب والانقطاع بهدف التسوق، وتحديداً من الأرصفة التي تبيع منتجات بأسعار شعبية أو زهيدة. تلك مسألة يقدر الحاج توفيق بأن التعامل معها ممكن على أساس الوعي والتنظيم، وبدون صخب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء؛ فحجم الالتزام بالتباعد والكمامات كان كبيراً جداً في أسواق العاصمة.
الحاج توفيق نفسه، وبرفقة ثلاثة نواب في البرلمان هم عمر النبر وخلدون حينا وخالد البستنجي، كانوا موجودين من صباح الجمعة الماضي وسط الناس للمراقبة والحرص على مساعدة السلطات.
بالتأكيد حصلت بعض المخالفات، لكن ليست جماعية وليست من النوع الذي يدفع الحكومة للخشونة والتلويح بالعودة إلى المربع الأول، ويمكن التعامل معها عبر المراقبة وتطبيق القانون؛ لأن المسألة تتعلق بعمال بسطاء من المواطنين تجمعوا لأول مرة منذ أشهر طويلة بهدف التسوق، وحصول بعض الازدحام في بعض الشوارع لا يتطلب المبالغة ولا التهويل.
كل دعاة إلغاء الحظر والعودة حرصاً على الاقتصاد ومصالح المواطنين يخفقون حتى اللحظة في إقناع المواطنين والمقيمين بأخذ الحيطة والحذر في التباعد، وبعض من ينتقدون الحكومة هنا لا يساهمون في نشر الوعي الصحي والفيروسي، الأمر الذي يعتبره دعاة التشدد البيروقراطي والرسمي والأمني مقدمة للتلويح مجدداً بالحظر لا بالتشدد فيه، حيث لجنة الوباء الوطني تقرأ الأرقام والحقائق الطبية، وليس وظيفتها مراقبة التاجر أو المواطن أو المتسوق.
كانت تلك مسألة أولى في سياق الموقف الشعبي غير المحصن، الذي يجازف في بعض التجمعات هنا أو هناك دون التزام بالشروط الصحية.
حصل ذلك في زاوية سوق الطيور وسط العاصمة، وحصل في سوق صغير مخصص للملابس القديمة، وحصل مساء السبت أيضاً بالقرب من مقر نادي فريق مخيم الوحدات لكرة القدم حيث جمهور متعطش للابتهاج فاز فريقه بدوري الكرة وحاول التجمع للاحتفال، وكانت قوات الدرك موجودة للسيطرة على الموقف. وحصل ابتهاجاً ببقاء نادي منطقة سحاب بالدوري بعد مباراة أقيمت في الشمال. لا أحد يعلم بعد كيف يمكن إقناع مشجعي فريق نادي الوحدات وسحاب بأن التجمهر في ظل الفايروس كورونا يؤذي الجميع والوطن؟
كيف يمكن إقناع عامل بنغالي حضر إلى عمان يوم الغاء حظر الجمعة مع رفاقه لشراء بعض الملابس الرخيصة أو الطيور بسعر التكلفة؟
تلك أسئلة الإجابة عليها ليست سريعة أو فعالة، ولسبب بسيط هو أن بطولة دوري الكرة استمرت بقرار من اللجنة الوبائية، فيما السلطات الحكومية تجاهلت تأمين كل زائر أو مقيم بما يحتاجه في مكانه، فاضطر الناس للتحرك، مما يضع المشهد مجدداً في سياق الحاجة الملحة لمحاربة الجهل الاجتماعي.
وثمة طريقة واحدة لإقناع المواطن الأردني بأن عليه التوقف عن إيذاء نفسه وأهله وجواره، وهي تطبيق القانون والتعليمات ومخالفة -كما يؤكد السياسي والبرلماني البارز الدكتور ممدوح العبادي- كل من يخالف القانون.
لن نخترع العجلة – يشرح العبادي ببساطة– فكل المطلوب إجراءات صارمة في المخالفة تشمل الجميع حتى يرتدع من يجازف بالصحة العامة من المواطنين، وعلى أساس أن اعتبار الإغلاق الوسيلة الوحيدة دوماً هو أمر مبالغ لا ضرورة له ولا يعالج الإشكال .. باختصار، يؤكد العبادي وعبر «القدس العربي»: حرروا مخالفات بحق المتجاوزين.
في مسألة الحكومة، من جانبها، يجنح الناس عموماً إلى المجازفة بمخالفات التعليمات وعدم التباعد، فقد شاهد الأردنيون حكومتهم تسمح بلقاءات الإجماع العشائري الانتخابية، وشاهدوا دولتهم تجري انتخابات عامة، كما شاهدوا بعض الوزراء والنواب تحت قبة البرلمان يتصافحون أو يتعانقون لا بل يختلط بعضهم مع بعض دون أدنى معايير تباعد مباشرة بعد التصويت على الثقة بالحكومة.
كانت تلك المسألة الأولى حيث لا يوضح الخطاب الرسمي للناس مسوغات ومبررات الإشراف رسمياً على مشاهد مخالفة لأوامرالدفاع والاحتياجات الوبائية أو عدم الاعتراض عليها.
يقود ذلك لمسألة ثانية في النقاش المتعلق بالجدار الرسمي يلتقطها ويؤشر عليها ناشط نقابي من وزن أحمد أبو غنيمة، وهو يعيد التذكير عبر صفحته التواصلية بأن لغة تهديد الأردنيين بالعودة إلى الحظر مريبة وفيها تجاوز من الوزراء والحكومة، مع التذكير بأن الحكومة ينبغي أن لا تغطي قصورها، وأحياناً فشلها، بلغة غير لائقة تهدد الأردنيين.
في المحصلة، ما يقوله أبو غنيمة يردده آخرون، فالتوافق حاصل على أن الاختلاط الضار والازدحام بين الناس في ظل الفايروس لا يخضع لمعايير التنظيم، وعلى أن القصور كبير في جوانب التثقيف والوعي وفي مصداقية الخطاب الرسمي وفي بقاء بعض أسئلة الوباء معلقة بلا جواب، مما يؤدي إلى مثل هذا النقاش وتبادل التهديد والاتهام.
فالمسألة لا علاقة لها حصرياً بزقاق يبيع العصافير أو الملابس القديمة، ولا علاقة لها أيضاً بمشجعين لفريق كرة يعتقدون بأن لديهم فرصة للاحتفال، أو حتى بوزراء يقررون جملة خشنة خالية من التكتيك والذكاء في مخاطبة الجمهور… بقدر ما تتعلق بحوار طرشان بين المواطن والحكومة عندما يختص الأمر بالأولوية الفيروسية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى