اراء و مقالات

ألغاز العمل الحزبي الأردني: «أيقونة الشريك» تضرب «المشاركة»

عمان – «القدس العربي»: أحدهم في نطاق المسؤولية الرسمية تقدم بملاحظته “المتخابثة” بصيغة سؤال استفهامي: هل من زاوية الصدفة أن يكون ثلاثة من الأمناء العامين لأبرز أحزاب تحديث المنظومة الجديدة في الأردن من أبناء مناطق الشمال؟ ثم الأهم: ما هي دلالات ذلك إن وجدت؟
حقاً، تلك مجرد ملحوظة قد لا تعني الكثير إلا عندما يتعلق الأمر بالتدقيق في مفاصل المسار برمته بعد صدمة رقم الاستطلاع الذي قال إن المهتمين من بين الأردنيين بالانضمام للأحزاب السياسية لا يزيدون على 1%. وتبقى، بكل حال، ملاحظة تستحق التأمل لأنها قد تؤشر إلى أن النخب النشطة والمتحركة في شمالي البلاد مهتمة أكثر من جنوبيها والوسط.
الانطباع مستمر بأن مدن الكثافة السكانية الأكبر مثل عمان والزرقاء في المسألة الحزبية يحتل فيها التيار الإسلامي الأسبقية، وهو وضع يأمل قادة الأحزاب الوسطية الجديدة جميعاً بتعديله وتصويبه ليس لأن الحركة الإسلامية بقيت وحيدة في تحالفات البقاء والعمل لـ 60 عاماً في البلاد وأكثر فقط، ولكن لأن رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات المهندس موسى المعايطة وعندما ناقشته “القدس العربي” أصر على أن المشككين والمترددين بخصوص مسار تحديث المنظومة الحزبية والسياسية في البلاد يمكنهم إشعال شمعة بدلاً من الاسترسال في لعن الظلام.
استفسر المعايطة بوضوح وشفافية آنذاك عن الأسباب التي تجعل بعض النخب مسترخية في منطقة التشكيك بدلاً من المبادرة والالتحاق وتأسيس أحزاب سياسية تعيد تصويب الصورة والإطار. ذلك لا يعني إلا أن زخم العمل الحزبي عموماً في البلاد يناضل بشراسة للولادة والبقاء، وترافقه النسب المنخفضة ليس في الشارع فقط، ولكن في السياق النخبوي عموماً، فعدد كبير من أهم المشتبكين في الحياة السياسية منذ عقود قرروا عدم الالتحاق بحافلات الأحزاب.
وثمة تبريرات كثيرة هنا بعضها يتحدث عن الحرص الرسمي على نقاء المسيرة والامتثال للرؤية الملكية، وبعضها الآخر يقترح أن ما يجري عموماً ليس تحولاً نحو العمل الحزبي فعلاً بقدر ما هو إطار هندسي للمشهد. وسط زحام الأسئلة العدمية والملاحظات الرقمية، تواصل مسيرة الأحزاب في ظل تحديث المنظومة المضي قدماً والبحث عن طريقها. ويقدر قيادي إسلامي شاب مثل الدكتور رامي العياصرة، على هامش نقاش مع “القدس العربي” بأن نزاهة ومصداقية المدخلات قد تغير الصورة النمطية لاحقاً.
العياصرة مثل غيره من المراقبين الوطنيين، يلاحظ على مجريات التدخل والضغط والاشتباك، ويرى ثم يقدر بأن بعض مؤشرات التدخل الرسمي غير مفهومة وليست مبررة، والمطلوب دوماً هو العودة لجذر العملية الإصلاحية مع الاشارة إلى أن مصلحة الدولة والناس والوطن تقتضي في المحصلة السماح للأردنيين أكثر بالتعبير عن هوياتهم الفكرية والحزبية، ومن ثم توفير القنوات الدستورية والقانونية للجميع بدون استثناء وتحت سطوة وسيطرة المسطرة القانونية.
العياصرة مثل غيره من المتداخلين، كان يلاحظ على ما يسمى اليوم بالموقف البيروقراطي الذي يحاول إعاقة حزب بدأ يلفت الأنظار أكثر من غيره جراء كثرة إنتاج ونشر الأدبيات التي تتحدث عن مطاردته وملاحقة رموزه. وهو حزب الشراكة والإنقاذ، الذي يتحول اليوم وسط نقاشات الأحزاب الأردنية إلى أيقونة حزبية مستهدفة، ويعتبر ما يحصل معه أو ضده بصرف النظر عن صدقية السرديات، إشارة معاكسة لاتجاهات تحديث المنظومة.
الواقع يشير إلى أن المشككين في مسيرة التحديث برمتها لا يجدون الكثير من الأدلة والقرائن على تلك الهندسة المتهمة، باستثناء ما يجري مع نشطاء حزب الشراكة والإنقاذ حصراً، الأمر الذي يثير حيرة المراقبين جميعاً؛ حيث لا قناعة بمخاطر تنتج عن هذا الحزب إذا ما تم إخضاعه للمعيار القانوني وتسجيله ومنحه أوراق الاعتماد، علماً بأن سلطات القرار تحتاج إلى توجيه تعزيزي يحسم الفارق المطلوب لأغراض إنجاح التحديث ما بين “المشاركة” ومبدأ “الشراكة”، وهو فاصل غير واضح حتى الآن بصيغة تقلق السلطات ولا يفهمها الرأي العام.
صعب جداً فيما يبدو، تحقيق نسب أعلى في “المشاركة” والاحتفاظ في الوقت نفسه بمنهجية “تطارد منطق الشراكة”، وما يحصل مع رموز ونشطاء هذا الحزب -برأي ناشط حقوقي كبير مثل المحامي عاصم العمري- قرينة موازية لما يسلب حريات العمل الحزبي. ومع أن مظلومية مجموعة الشراكة والإنقاذ تحتاج إلى تدقيق، فالانطباع يؤشر على استفزازات حراكية بالنسبة للسلطات في خطاب وبرنامج الحزب.
والملاحظات الرسمية تطال طوال الوقت حزب جبهة العمل الإسلامي أيضاً، لكن قدراته الاستثنائية في التسلل والاختراق والالتزام بالقانون تجعله، عندما يغضب أو يتحدى السلطات، قادراً على التأسيس لجملة تكتيكية طوال الوقت.
بالمقابل، التركيز على مناطقية وجهوية من ينتخبون لقيادة الأحزاب الجديدة هو جزء من تراثيات المحاصصة في الماضي، فالمواقع قد يحصل عليها نشطاء دون غيرهم بالصدفة، أو بموجب الجهد المبذول. لكن عدم وجود تنويع في قيادات الصف الأول بالأحزاب الجديدة مسألة انضمت إلى غيرها. فالملاحظات الجوهرية في سلسلة عميقة بدأت للتو من المراجعات خلف ستائر مركز القرار.
وثمة ثوابت في الموقف المرجعي واضحة الملامح حتى الآن، فكرتها رفض التسليم تماماً بقبول رقم الـ 1%، وفكرتها أيضاً تعزيز مسار التحديث بفهم الأسباب الحقيقية وراء العزوف، والعمل على انخراط الشباب بصورة خاصة، والنقاش الصريح داخل أروقة القرار بالأسباب التي تدفع لعزلة الأردنيين تجاه الأحزاب، مع أن الخطاب الرسمي المرجعي يربط المستقبل برمته بالعمل الحزبي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى