اراء و مقالات

قانون جديد للجريمة الإلكترونية في الأردن: سوء التوقيت وكلفة الاندفاع… ماذا سيحصل ساعة «سريان المفعول»؟

عمان – «القدس العربي»: لا أحد يمكنه معرفة طبيعة المشهد الفوضوي الإداري والسياسي الذي يمكن أن ينتج عن بدء سريان قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في حال اكتمال دسترته بالخطوة الثالثة المرتقبة عبر المصادقة الملكية عليه، بعدما أقره مجلسا الأعيان والنواب.
ولا أحد يعلم في المقابل، كيف يمكن للحكومة -كما وعدت علناً عدة مرات- تطبيق بنود القانون الجديد بصيغة تحافظ على حريات التعبير وتعاقب المسيء فقط بعد ضمانات علنية لا تبدو منطقية للجسم الصحافي والإعلامي، وبعدما أبلغ رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بأن الصيغة القانونية تحمي المواطنين وليس الموظفين.
عند التطبيق قد تبرز إشكالات من الصنف الذي جازف به المشرعون هنا لصالح صفة الاستعجال، وأحياناً التسرع وردة فعل الجسم الصحافي، يمكن استنتاجها ببساطة من تأكيد الناشط والصحافي الديناميكي باسل العكور، وبحضور “القدس العربي” عندما لمح فوراً إلى أنه ومن يعرفهم من الإعلاميين المحترفين سيبادرون لإغلاق حساباتهم ومنصاتهم أو بالحد الأدنى منع التعليقات في اليوم التالي من بدء سريان القانون الجديد.
يحرم ذلك الأردنيين، حكومة وشعباً، من القيمة الأساسية في فكرة الإعلام البديل، وهي التفاعل. والعكور واثق من أن حرية الصحافة ستكون الهدف.
لكن الآثار والتداعيات لا تقف عند هذه الحدود عندما يتعلق الأمر بأي رغبة في الإجابة عن السؤال التالي: حسن… ما الذي سيحصل عند التطبيق بعد سريان نصوص القانون ونشره في الجريدة الرسمية؟ خالد الجهني، وهو قيادي شاب في الحركة الإسلامية ومتفاعل بالعادة على شبكات التواصل، اختصر المشهد على هامش وقفة نقاشية مع “القدس العربي” وتحدث عن جاهزيته للترميز؛ بمعنى اللجوء إلى مؤلف كليلة ودمنة.
قالها الجهني طبعاً في إطار من السخرية.
لكن الفرضية التي تقول باستحالة تكميم أفواه الأردنيين وتغيير أنماطهم في التفاعل “المنصاتي” بحكم العادة والتقاليد والسلوك، هي فرضية تتحدث اليوم عن كلفة إضافية سترهق أجهزة الدولة في المدى الاستراتيجي البعيد؛ لأن المواطن الذي يحترف النقد والمتابعة سيتحول إلى لغة الترميز التي بدأت أصلاً ملامحها الأولى تظهر على صفحات الأردنيين. بل فوق ذلك، وفي الإطار الساخر من المشهد دعوات لدورات تدريب على لغة الصم والبكم. التفاعل الإلكتروني بين الأردنيين حتى بالإساءات التي يتضمنها كان يشكل رافداً لمادة أساسية يمكن أن تفهم منها السلطة اتجاهات الرأي العام، ومخيلة المتفاعل الإلكتروني تسمح للمواطن باللجوء إلى الترميز بما يحرم الدولة عملياً وليس الناس من خبرات يمكن قياسها.
في كل حال، الآثار المتوقعة لا تقف عند هذه الحدود؛ فقد ضرب الوزير السابق الدكتور صبري إربيحات وتراً حساساً عندما شكك بوجود الوقت والموارد الكافية عند الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية للتعامل مع حالة التراشق التي ستنتج عن تطبيق القانون.
وقبل ذلك، وعبر “القدس العربي،” عبر الحقوقي والناشط عاصم العمري عن قناعته بأن تطبيق هذا القانون ومساحات الخلافات التي يثيرها ستحتاج إلى تفريغ أجهزة ليست بسيطة في الادعاء والنيابة والمحاكم ومنظومة العدالة والتحقيق، وسيعزز نقصاً في هذا السياق لا أحد يعلم كيف ستعوضه الحكومة.
ويتحدث الخبراء هنا عن صعوبات في مفارقة رقمية فأكثر من 220 ألف شكوى وقضية تعاملت معها السلطات في بند الجرائم الإلكترونية قبل القانون. وعليه، يسأل العمري وغيره: إذا كان هذا الرقم قد سجل قبل القانون، فما هو العدد المتوقع للشكاوى بعده؟ توقيت القانون – في رأي خبير بارز هو الدكتور جواد العناني- سيئ وله تأثير محتمل على مفارقة قدرة الشباب في التنظيم الحزبي على قول رأيهم، والعناني تمنى على هامش نقاش مع “القدس العربي” لو أن هذا القانون لم يقدم، مشيراً إلى أنه حتى لو كان ضرورياً فتوقيته مثير للجدل، وإلى أن الاعتداءات وطول اللسان على الأشخاص كان يمكن تضمينه أو ضبطه عبر قانون العقوبات خلافاً لأن ضبط الشبكة الافتراضية اليوم لا يمكنه أن يمثل مهمة سهلة على أي حكومة في العالم. وما لم تشرحه الحكومة بعد عند جزئية التطبيق الفعلي للقانون الجديد هو جاهزيتها لعاصفة من تبادل الشكاوى بسبب تغريدة هنا أو تعليق إلكتروني هناك. وأحياناً دون سبب؛ حيث استنزاف متوقع لقدرات الأجهزة الأمنية والقضائية، وحيث الحاجة ستصبح بيروقراطياً ملحة لتفريغ كوادر للتعامل مع هذا الوضع. وخلافاً لذلك، قد يلجأ المحترفون في أجهزة الإعلام إلى إلغاء حساباتهم ومنصاتهم، وقد ينخفض بسبب المصطلحات المطاطة في نصوص القانون وسيتقلص سقف التحليل والمتابعة على المستوى الاحترافي في الصحافة والإعلام.
وكان الوزير السابق معن قطامين، قد ضرب على وتر أن الشعب الأردني لا يمكنه أن يسكت، محذراً من أن القانون الجديد قد ينزل بالناس إلى تحت الأرض. والمعنى هنا أن تغريم عبارات النقد على منصات التواصل وتجريمها قانونياً واحتمالات الشكاوى بالحق العام، قد تدفع الأردنيين إلى التهامس أو عقد اجتماعات يمارسون فيها نقدهم واعتراضهم بعيداً عن الأحزاب السياسية التي نزع القانون الجديد عملياً منها مضمونها. ولا يمكن اعتبارها فرقة ناجية من تطبيقات القانون، كما ذكرت الأمين العام لحزب العمال الدكتورة رولا الحروب، وهي تستعرض كلفة الاندفاع لقانون عرفي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى