اراء و مقالات

اتفاقية الإمارات كشفت «المستور الأردني»: الرواية الرسمية «يتيمة وبلا جمهور»

عمان – «القدس العربي»: البحث عن أي صيغة من استعادة الهيبة قد يصبح قريباً هدفاً يمكن التلاقي عنده سياسياً، وإظهار مرونة ومن كل الأطراف في الاستعداد لدفع كلفته إذا ما تعلق الأمر بموقع مجلس النواب الأردني من زاوية الاشتباك، ولاحقاً الانفعال، ضمن الخارطة العامة المرتبكة الآن سياسياً وإعلامياً، وحتى اقتصادياً.
رئيس مجلس النواب والمشرع البارز عبد الكريم الدغمي، وسط هذه المهمة الصعبة اليوم، التي يرى كثيرون أنها قد تكون شبه مستحيلة في ظل معطيات الرفض الشعبي العارم للحكومة والبرلمان معاً، وتداعيات هندسة الانتخابات، وأيضاً في ظل تركيبة حائرة سياسياً وتبحث عن ملاذات لمجلس نيابي ولد في ظرف معقد جداً أصلاً، وفكرته كانت المجازفة بـ 100 وجه جديد على الأقل.
يناور رئيس البرلمان الأردني المخضرم الدغمي، ويحاور لا بل يلاعب سياسياً وسط شبكة تقاطعات تحتمل الخطأ والصواب، لكنها – وهذا أسوأ ما فيها- مليئة بالاجتهادات، فيما يعلق ملف استراتيجي في منتصف المسافة، وهو حصرياً ذلك الذي يختص بما سمي تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
غاب الدغمي، وهو شخصية تجتذب الأضواء الآن بحكم موقعها 10 سنوات على الأقل عن منصة الرئاسة وطاولة الحوار والاشتباك، وحتى عند تلك الاجتماعات الاستشارية التي كان يشارك فيها في القصر الملكي، لكنه يحاول التأسيس لبصمة ما اليوم.

استعراض برلماني

في آخر استعراض برلماني ظهر الأربعاء، فهم الجميع أن سماء العلاقة مع الحكومة ملبدة بالغيوم، والمطلوب من الدغمي حصرياً قبل ودون غيره، قيادة الأوركسترا في العلاقة بين السلطتين وفقاً لمفهوم ومنطوق الحد الأدنى من الخسائر.
في جلسة الأربعاء، وفي النتيجة، وبصرف النظر عن الإنتاجية والجدوى، تمكن برلماني واحد هو المحامي صالح العرموطي، من إفشال جلسة مناقشة كان الدغمي يخطط لأن تكون هادئة قدر الإمكان. عملياً، العرموطي “نكأ الجرح” ومنع وزير المياه الدكتور محمد النجار، من التحدث، ورفع نقطة نظام أمام الدغمي وضعته بين خيارين.
العرموطي هنا تصرف بخطاب سياسي لا ينطوي نظامياً على نقطة نظام. لكن النتيجة هي الإطاحة بالخط الهيكلي الذي رسمه الدغمي لإدارة جلسة تأجلت مرتين تحت بند المناقشة العامة، وعنوانها الأساسي اتفاقية المياه والكهرباء المستفزة جداً مع الإسرائيليين، والتي قيض لها أن تثبت أولاً، وكما قال أمام “القدس العربي” القطب البرلماني خليل عطية، بأن موقف الشعب جذري ومبدئي ووطني في رفض العدو وأي اتفاقيات معه. الجلسة نفسها كانت قد تأجلت الاثنين الماضي بسبب ارتباط الدغمي والمكتب الدائم بلقاء ملكي.
لكنها عادت وتأجلت الأربعاء إلى الاثنين المقبل، بعدما سجل العرموطي نقطة في سلتي الدغمي والحكومة معاً، وفوجئ الجميع بمغادرة عدد كبير من النواب لاحقين بالعرموطي، مع أن الدغمي حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجلسة، فأفلت النصاب وأخفق الاجتماع، وشوهد وزير المياه يغادر مبنى البرلمان صامتاً ومعزولاً، فيما كان زملاء له خلف الكواليس من الوزراء يرفضون الدفاع عن الاتفاقية الغامضة التي وقعت.
في المحصلة، غادر النواب ومنعوا الوزير المختص من الرد أو التوضيح أو الشرح، وتلك لهجة يقترح السياسي مروان الفاعوري وعبر “القدس العربي” على صناع القرار، الانتباه لها؛ فوسط مستويات الاحتقان العامة، لا مكان لأي محاولة تطبيعية جديدة، خصوصاً في ظل الخطاب الرسمي الأساسي والحكومي، الذي بقي يرفع الفيتو في وجه صفقة القرن ومخرجاتها طوال عامين.
لا يترك الشارع الأردني مجالاً أمام الحكومة للشرح وللتوضيح في مسألة الاتفاقية الإماراتية رغم أن جون كيري كان للتو قد غادر عمان في زيارة ترويجية سياسية تحت عنوان احتياجات أزمة المناخ. أي إحراج تسببت به المبادرة الإماراتية لكل الأطراف المعنية في الأردن؟
سؤال يبدو ملحاً بعدما نكشت اتفاقية خطاب النوايا تلك كل أعشاش الدبابير في وجدان الحراك الشعبي الأردني، وأصبحت بخطأ في الاجتهاد والشرح والتفسير قرينة على إخفاق موظفي القمة، وعلى حالة الموت السريري للإعلام الرسمي، كما أصبحت قرينة على فراغ مقلق وطنياً، حيث لا جمهور بين النخب أو غيرهم من الشرائح بعد الآن لكل الروايات الرسمية.
يتجول لاعب مثل الدغمي تماماً بين حقل الألغام وهو يحاول الموازاة بين اعتبارات مصالح الدولة ومتطلبات موقعه كممثل للنواب، وأيضاً بين احتياجاته الشخصية على منصة الرئاسة.
في الوقت الذي تنطوي بعض ممارسات المقربين منه على حالة إقصاء ملحوظة ومرصودة، يمكن أن تؤذي خطته الهيكلية القاضية بتمثيل الجميع، خصوصاً من لن ينتخبه رئيساً من زملاء البرلمان قبل من انتخبه حقاً.
بكل حال، لا تبدو المهمة سهلة ولا بسيطة، فالدغمي خبير ويعرف بصورة محددة هدف الاستعراض القاضي بمغادرة النواب لجلسة أمس وإفشال النصاب، لكن لديه بالمقابل سعي ما لإعادة إنتاج المشهد ولإظهار رد متأخر على كل من جازفوا بإبعاده أو استهدافه خلال السنوات العشر الماضية، وضمن رسالة تريد أن تقول ما هي ملامح الندم الرسمي مع أن الظروف العامة مرتبكة وقد لا تسعفه.
صيغة ما من هيبة مجلس النواب أصبحت مطلوبة وبإلحاح، وتلك زاوية استثنائية يمكن لبصمة الدغمي أن تتسلل عبرها، مع أن تيارات متعددة في النخبة لا تظهر حماسة لعودته إلى منصات الرئاسة، لا بل اعتبرت تلك العودة قرينة سلبية في الاتجاه المعاكس لخطة تحديث المنظومة السياسية. وهو اتجاه سلكه بوعي ودراية وبقدر من المجازفة وبطريقة ذكية رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي.

غياب الجمهور

عدم وجود جمهور حقيقي فاعل من طبقة رجال الدولة يتبنى الرواية الرسمية أو يدافع عنها، أصبح مأزقاً لا يمكن الاستهانة به، حيث بنية اجتماعية وأحياناً عشائرية إما صامتة أو في الاتجاه المضاد، وحيث حالة برلمانية منفلتة إلى حد ما في مواجهة حكومة مرهقة وسقطت منها اعتبارات التوقيت والتكتيك بوضوح، وحيث حالة يتم غير مسبوقة للرواية الرسمية برفقة غياب جمهورها وحضور غاضبين بالجملة في كل مكان وبصيغة لا يبدد قلقها السياسي حتى الآن على الأقل إلا مبادرة الدغمي المقيدة في استعادة ولو قدر من الهيبة واللعب التشريعي المحترف تحت عنوان دور مجلس النواب في رسم وتمثيل مصالح الدولة وليس في تنفيذها فقط، ما يجعل نفس المجازفة بعودة الدغمي أصلاً مسألة محفوفة بالمخاطر، فوزن الرجل ثقيل سياسياً، ووزن من يخاصمونه داخل الدولة والنظام ووسط النواب أيضاً لا يستهان به.
لكن الأخير يحاول حياكة المشهد ولمّ شتات ما اقترفته أيادي الآخرين، دون ضمانات بأن ينجح في المهمة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى