اراء و مقالات

الرفاعي ـ حماد: الأردن من «زاوية أعمق»

برنامج تحديث المنظومة يحتاج لحاضنة اجتماعية وبأنه لا مبرر للاستعجال، توفير حاضنة اجتماعية هو الأساس في التقدم نحو المستقبل

لا يمكن تسطيح المسألة والنظر على سطح الحدث عند بروز أي رغبة لمحاولة تفكيك أسباب وخلفيات الهجمة الخشنة التي وردت على لسان وزير أردني سابق مخضرم وخبير، ومن الطراز الذي يعرف تماما بواطن الأمور على رجل دولة ورئيس وزراء سابق أيضا لديه خبرة كافية من المعرفة للتعامل مع جذور أي اشتباك يطاله أو يعترض عليه.
لست بطبيعة الحال من الذين يبررون أي هجوم شخصي على أي مسؤول أو سياسي أردني. لكن بصراحة أقرأ الملاحظات الهجومية العلنية التي قررها وزير الداخلية الأسبق سلامة حماد مؤخرا ضد الرئيس سمير الرفاعي في سياق مختلف تماما ومتباين عن جدلية «الخلاف الشخصي فقط» أو حتى عن جدلية القبيلة عموما. طبعا لا أوافق على العبارات التي قيلت أو نقلت لا من حيث المضمون ولا من حيث الشكل.
شئنا أم أبينا الوزير حماد بيروقراطي خبير ومحنك يستطيع توقيت «إرسال رسالة».
المعنى هنا أن هجوما أو عبارات نقدية من طراز التي صدرت على لسان الوزير حماد تجاه الحالة العامة أو تجاه الرفاعي أو غيره من السياسيين، من الجهل قراءتها على أساس الاتهام بالجهل، ومن البؤس والسقم التعامل معها باعتبارها مجرد هجوم عشائري الطابع على شخصية سياسية لها دور مفهوم وكبير ويقدرها الأردنيون.
المسألة طبعا عالجتها حكمة رئيس مجلس الأعيان، وعلى الطريقة الأردنية المحببة، لكن المسألة برأيي أعقد وأبعد، لأنها تقول بأن النخبة الأردنية ليست على قلب رجل واحد، أو أنها غير متوافقة على مجمل ورشة العمل التي تجرى تحت عنوان تحديث الدولة، وليس فقط تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
قراءة تعليق حماد على أساس التجريح والإساءة فقط منقوصة، ولا ترقى إلى مستوى الحدث، لأن الرسائل الأعمق هي الأهم بقراءة من هذا النوع، فطوال الوقت كان حماد هو عنوان التربيط والتشبيك بين الدولة والجدار الاجتماعي القبلي والعشائري، ويعلم الجميع بأن حماد أكثر خبرة من أن يقرر فجأة شخصنة الأمور أو الاساءة لشخص أو لرمز سياسي من طبقة رجال الدولة.
الزاوية التي أفضل قراءة المشهد منها هي تلك التي تؤسس لانقلاب داخل الدولة هذه المرة، وفي عمق نخب القرار وطبقة رجال الدولة، ضد تحديث المنظومة برمته، فالمسألة لا تتعلق بصراع أو تنافس ولا حتى بخلاف سياسي، وأي تجريح بشخصية وطنية وسياسية مهمة من وزن الرفاعي هذه الأيام هو رسالة للدولة ولأصحاب القرار، وأحيانا لمركز القرار وليس للرفاعي نفسه، والجميع يعرف ذلك لكن لا يريد الإقرار به.

برنامج تحديث المنظومة يحتاج لحاضنة اجتماعية وبأنه لا مبرر للاستعجال، توفير حاضنة اجتماعية هو الأساس في التقدم نحو المستقبل

بمعنى أو بآخر تشخيص هجمة حماد ينبغي أن يذهب باتجاه المضامين الحقيقية والأبعد للمسألة، فما يعكسه الموقف هو أنه خلاف للانطباع العام على الأقل، طبقة رجال الدولة وكبار البيروقراطيين وغيرهم من أدوات ورموز النظام والدولة في آخر أربعة عقود على الأقل ليسوا متوافقين أو ليسوا بصورة ما سينتج عن برنامج تحديث الدولة، والذي بدأ باتجاه قانوني الأحزاب والانتخابات ثم انتقل إلى تعديلات دستورية غيرت السياق الدستوري الذي يألفه الجميع.
طبعا الرفاعي خير من يهندس بمهارة هنا، شخصيا أشعر بالخوف والقلق وأعلم ككاتب وكمواطن بأن الروح الفدائية التي يتحرك فيها الرفاعي مقاتلا ومشتبكا بجدية ومع تفاصيل التحديث والتغيير تعني شيئا، لكنها لم تقدم الشروحات الكافية لطمأنة الأردنيين.
على نحو أو آخر يمكن القول بأن برنامج تحديث المنظومة وما يتبعه من دسترة أجسام ومؤسسات دستورية جديدة ينبغي أن يطمئن طبقة رجال الدولة ومفاتيح المجتمع الذين ساهموا ممثلين للقبائل وللبنية العشائرية، صاحبة الدور الأبرز في بناء دولة المئوية الأولى.
هؤلاء ساهموا أو قدموا مساهمة في وجود مسافات فاصلة أو فهم قاصر أو متأخر أو عدم وجود شروحات، بمعنى أن الشروحات لم تقدم ليس فقط للرأي العام وللشارع، ولكن أيضا لم تقدم حتى لطبقة رجال الدولة مثل حماد أو غيره.
قلنا وكنا نقول بأن برنامج تحديث المنظومة يحتاج لحاضنة اجتماعية وبأنه لا مبرر للاستعجال أو صفة العجلة والتسرع، قلنا ولا زلنا نقول بأن توفير حاضنة اجتماعية هو الأساس في التقدم نحو المستقبل. لكن الحكومة ومن أشرف معه على هندسة الملف يبدو أنهم تسرعوا، بمعنى أن التعبيرات التي تخرج من هنا وهناك، سواء من أوساط لا يمكن التشكيك بحسابها على مسار الانتماء والولاء للنظام وللدولة وللوطن أو من أسماء معارضة وطنية خارج منظومة الولاء التقليدية.
هذه النمطية في التشكيك مرفوضة الآن، ومن يحتاج لضمانات لم يعد المواطن الأردني بل رجل الدولة الأردني، بدلالة أن العمق المنظم في التعارض والاحتجاج على تعديلات الدستور الأخيرة كان من طبقة رجال الدولة وليس من عامة الناس.
المقصود هنا أن المسألة لا تتعلق بخلاف بعنوان حماد أو قبيلة بني صخر والرفاعي أو العكس بقدر ما تتعلق بما هو أبعد وأعمق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى