اراء و مقالات

الأردن: «حنين» شعبي لمشاهدة «فريق منسجم» بعد عودة «الظل» وزحام «المطابخ» وصدمة «الفتنة»

عمان – «القدس العربي» : صعب جداً، بل يكاد يقترب من شبه المستحيل، الحديث عن ترتيب مشهد داخلي أردني اقتصادياً وسياسياً تحت عنوان تحديث المنظومة واقتحام المئوية الثانية للدولة في ظل استمرار التجاذب وتوالد حمى الاستقطابات وغياب منهجية الفريق الواحد التي أصبحت الآن ضرورة ملحة جداً، ولم تعد ترفاً إذا ما كان المطلوب الحد من الخسائر في المصالح العامة إقليمياً ودولياً ثم محاولة احتواء ولملمة الصفوف داخلياً.
ثمة صراع لا يمكن إنكاره يعود ويتجدد بين الحين والآخر بين مراكز القوى في دوائر القرار. وقناعة سياسي كبير من وزن طاهر المصري مستمرة بأن الفرص لم تعد تحتاج إلى تجاذب، والتجانس في العمل مسألة في غاية الضرورة إذا ما كان المطلوب الانتقال بالرؤية المرجعية العملية في إطار التحديث تحديداً إلى مستويات تنفيذ مستقرة.

الوضع صعب ومعقد

الوضع، رغم العبور تشريعياً بالتعديلات الدستورية وقانوني الأحزاب والانتخابات، يبدو صعباً ومعقداً، ولا تزل البوصلة تلتقط هنا وهناك تجاذباً بين مراكز قوى نافذة؛ إما تحاول تجنب العودة لمربع الجدل المرتبط بحكومات الظل مجدداً، أو تحاول التسلل والعبور بين عدة مطابخ في القرار والتخطيط والتنفيذ، لا يبدو حتى للرأي العام أنها متوحدة أو تعمل بصيغة موحدة، الأمر الذي يرهق مجدداً الناس والدولة معاً وينتج ضبابيات تعيد إنتاج المشاهد المؤلمة أو الصادمة، سواء عندما يتعلق الأمر بالحراك الشعبي وأسبابه ومسوغاته أو بما تثيره من قلق في الأردنيين مظاهر وظواهر مرحلة ما بعد ظلال الفتنة.
يوافق المخضرم سمير الرفاعي مع «القدس العربي» على أن التحضير الجيد لمرحلة ما بعد التوصيات الخاصة بتحديث المنظومة السياسية مسألة في غاية الأهمية بعدما تجاوز الأردنيون الاختبار ووضعت ملامح رؤية ملكية ضامنة للإصلاح السياسي.
ويوافق، في المقابل، مختصون اقتصاديون على أن تنفيذ توصيات مهمة ستصدر لاحقاً عن ورشة عمل اقتصادية الطابع شاركت فيها غالبية من رموز القطاع الخاص، يتطلب اليوم مغادرة الازدواجية المستمرة في مربع التنفيذ؛ لأن وضع توصية يختلف عن تنفيذها إجرائياً، ولأن المكان الوحيد المنتج لتنفيذ التوصيات هو بالضرورة الحكومة ورئاسة الوزراء، كما يشدد خبير الاقتصاد الدكتور أنور الخفش، وليس اي مؤسسات سيادية أخرى تنعش في الأردنيين الذكريات السلبية عن أطقم النفوذ في الظل أو الحكومات الموازية.
مجلس النواب الأردني في حالة بحث عن هوية، والحكومة حائرة ما بين الانشغال في اليومي المرهق وسطوة الأفكار والمقترحات التي يتم إنزالها خلف حديقة الحكومة بين الحين والآخر.
وتهمة الهندسة طالت كل فعالية المساحة الانتخابية، وتحتاج إلى سقف زمني طويل لإخراجها من القاموس الذهني عند الأردنيين، إضافة إلى انتخابات نزيهة حقاً وعدة مرات حتى تعالج إشكالية استعادة الثقة بالمنظومة الانتخابية.
في المقابل، الوضع المالي للدولة صعب ومعقد وإن كان مستقراً إلى حد بعيد، والاستثمارات التي يعمل الجميع على استقطابها بكل الوسائل تقف عند التنفيذ والتطبيق في مواجهة استحقاق هيبة الدولة والقانون وبأكثر من صيغة غريبة أو شرسة، والوضع المعيشي محتقن، والطبقة الوسطى ذابت أو تذوب، وما يسمى بالاقتصاد غير المنظم بما في ذلك العمالة تحت نظام المياومات، في حالة فوضى وترقب وقلق.

تهيئة الأرضية لحكومة

تلك تشخيصات شبه متفق عليها بين الجميع للمشهد الداخلي الأردني، ويوازيها أو يقابلها وضع إقليمي ودولي صعب للغاية، عنوانه تدبير أسعار المواد الغذائية والاعتداء على الحصة الأردنية في الدور الإقليمي، خصوصاً في القضية الفلسطينية بعد هجمة السلام الإبراهيمي، وهوامش مناورة تضيق أمام اللاعب الأردني في العراق وفلسطين، وعلاقات غير مفيدة اقتصادياً مع مصر، وسلسلة تعقيدات تبقى في ظلال الفتنة مع المملكة العربية السعودية، وتكافؤ غير منصف في العلاقة مع دول أخرى مثل الإمارات والبحرين وقطر.
والمعنى هنا أن أجندات الإقليم تتزاحم، ومشكلات الداخل تتراكم بين أحضان الحكومة الأردنية التي لا تجد بوضوح -كما يشهد المراقبون الخبراء- فرصة لالتقاط الأنفاس والتخطيط والتفكير الاستراتيجي؛ مرة بسبب إنشغالها باليومي الطارئ ومتطلباته المتعددة، ومرات بسبب تداعيات التجاذب وسعي مراكز القوى الداخلية لفرض سطوتها على مساحات الحكومة والإصرار على موطئ قدم هنا أو هناك داخلها.
الوضع معقد عموماً ويحتاج إلى مقاربة لا تحتمل بقاء خريطة القوى الحالية كما هي الآن إلى فترة طويلة، فسقف الحديث عن حكومة جديدة قد لا يتجاوز السقف الزمني لما تبقى من دورة البرلمان الحالية. والأهم أصلاً من طي صفحة حكومة والتفكير بأخرى قد يكون مرحلياً العمل على تهيئة الأرضية لحكومة تعمل على أساس الشراكة والخضوع وليس على أساس منافستها، لا بل محاولات عرقلتها بين الحين والآخر.
تتطلب جرأة التشخيص هنا التأشير مجدداً على حمى استقطاب غير محمودة تطل برأسها في التفاصيل، فمواقع نافذة في القرار تحاول تمديد صلاحياتها هنا وهناك. والمعاناة من وجود وزارة ظل مجدداً تطل برأسها أيضاً بعد تجربة مريرة يعتقد بأنها قادت أصلاً إلى الفتنة الشهيرة، والأمني معتاد على الزحف وإخضاع السياسي، وبعض المؤسسات والشخصيات الرسمية تجاوزت الاحتكاك في اتجاه الاصطدام في الميدان، مما يجعل اتخاذ أي قرار إداري صغير مهمة صعبة محفوفة بالمخاطر.
الحنين بهذا المعنى كبير جداً وسط النخبة الأردنية لفكرة العمل الجماعي التي طالما أمر بها القصر الملكي. والشغف أكبر بأن يتجاوز علية القوم خلافاتهم وتجاذباتهم إما الشخصية أو المهنية لصالح خطة واحدة يعمل الجميع تحت أكتافها، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه يحصل أو حصل بصعوبة بالغة حتى الآن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى