اراء و مقالات

«وينك؟» للصفدي… الأردن في السؤال «الحساس»: متى ينتقل ملف «فصائل المقاومة» من «الأمني» إلى «السياسي»؟

عمان- «القدس العربي»: الرهان على تصعيد ميكرفوني من جهة بعض أعضاء مجلس النواب الأردني لا يمكن طبعاً الرهان عليه في بناء إستراتيجية اشتباك منتجة مع تطورات المشهد الفلسطيني الحادة، خصوصاً أن الخسائر الاستراتيجية والدبلوماسية الأردنية جراء ضعف أداء الحكومة والطاقم أصبح بمثابة تحصيل حاصل.
يمكن ببساطة ملاحظة الحكومة الأردنية وهي تتمسك بكلاسيكيات ما قبل حرب غزة الأخيرة وانتفاضة الأقصى، مع أن الاعتبارات والمتغيرات كبيرة جداً ومعقدة حتى في الداخل الأردني.
هنا تحديداً لم يجد رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، تحت قبة البرلمان، رداً على دعوات فتح مكاتب لحركة حماس والمقاومة في عمان، إلا التذكير بأن بلاده لا تتعامل مع فصيل محدد بعينه في المعادلة الفلسطينية.
يعني هذا التعليق بوضوح أن ملف فصائل المقاومة الفلسطينية ورغم التطورات الأخيرة، لا يزال تراتبياً يتم التعامل معه في المستوى «الأمني» ولم يقفز بعد إلى المستوى السياسي، حيث حركة حماس تحديداً خارج كل أنماط التواصل الرسمي، وإن كانت قد جلست وبقوة الآن على الطاولة في ملف القدس وبقية الملفات. و في كل حال، قالها عضو مجلس النواب المسيس عمر العياصرة، للحكومة وهو يسأل وزير الخارجية أيمن الصفدي «وينك؟».
العياصرة التقط ما هو جوهري في المسألة، متحدثاً عن الموقف الملكي المرجعي القوي ويقابله الأداء السياسي الضعيف.
ما لم يتحدث عنه العياصرة بشرح تفصيلي هو مراقبة كيفية خروج الدبلوماسية الأردنية من معادلة الاتصالات الإقليمية والدولية بسبب تراكم القطيعة مع نصف الشعب الفلسطيني، كما يؤكد لـ«القدس العربي» السياسي مروان الفاعوري، وهو يلفت النظر إلى أن الدور الأردني مرحلياً يدفع ثمن تلك القطيعة أو الفجيعة السياسية بعد إغلاق كل قنوات التواصل والحوار مع حركة حماس التي جلست مؤخراً في وجدان الرأي العام الأردني خلافاً لأنها كانت موجودة أصلاً.
مؤخراً وقبل الأحداث المشتعلة في فلسطين، قيل في أروقة رسمية أردنية لأحد قياديي حماس الذين يتبادلون المعلومات بين الحين والآخر بشكل عابر أثناء المرور في عمان، بأن قيادة الحركة تثير استغراب المؤسسة الأردنية وهي لا تتحدث ولا تتوسط عن وجود موقوفين ومعتقلين في سجون أردنية من أبناء حركة حماس. لحظتها، فوجئ القيادي الحمساوي نافياً علمه أو علم قيادة الحركة أصلاً بوجود أعضاء في حركة حماس موقوفين في الأردن، قائلاً بأن الحركة لا نشاط لها في الساحة الأردنية.
كانت تلك مفارقة بنكهة بيروقراطية في الواقع، ووجهة نظر خبراء حماس أن المسألة لا تتعلق بكوادر رسمية لأبناء الحركة موقوفين لأسباب أمنية، لكن قد تتعلق بمواطنين أردنيين يؤيدون حركة حماس في مشاعرهم أو بأشخاص يمكن أن يكونوا قد شاركوا في عمليات نقل أو بيع ذخيرة لتجار فلسطينيين.
بالمقابل، ترتفع النغمة التي تطالب بتمثيل للمقاومة في عمان العاصمة، لكن الخصاونة قال بصورة غير مباشرة بأن ذلك قد لا يكون بين الخيارات، فيما يتبادل الدبلوماسيون في عمان تلك التسريبات التي تؤكد بأن الأردن يواصل المتاجرة بالشراكة السياسية مع السلطة الفلسطينية ورئيسها عباس، وبأن عمان هي التي سعت خلف الكواليس لتأمين اتصال هاتفي يتيم بين الرئيس جو بايدن والرئيس عباس احتفت به السلطة، علماً بأن القيادي جبريل الرجوب كان قد انتقد علناً، في وقت سابق، الزعماء العرب لأن أي منهم لم يتصل برئيسه. بعيداً عن اعتبارات السلطة الفلسطينية التي تحكم منظومة الانحياز السياسي الأردني، قصة الانفتاح على المقاومة تبدو الآن ورقة ضغط شرسة على الحكومة؛ فأحد كبار الوزراء همس في أذن «القدس العربي» مشيراً إلى المهرجان الضخم الذي عقد في العاصمة القطرية في الدوحة بحضور وقيادة إسماعيل هنية وبسقف تضامني كبير مع الشعب الفلسطيني.
الوزير نفسُه يسأل برسم الاستفهام: لماذا نصر على التطوع في الالتزام بما هو مسموح للدول الشقيقة العربية الأكثر اعتدالاً منا؟
سؤال ينطوي طبعاً على مفارقة، فجميع أعضاء البرلمان الأردني، وعلى رأسهم خليل عطية دينامو التحريك في ملف طرد السفير، والإسلامي المسيس الشاب عمر عياصرة، وغيرهما، يعلمون بأن وزير الخارجية الأمريكي وطاقمه يتواصلون في الشأن الفلسطيني مع الدوحة والقاهرة، وأحياناً مع تركيا والسعودية، ولا يتواصلون مع وزارة الخارجية في عمان. طبعاً، حصل ذلك قبل الاختراق الدولي لمؤسسة القصر في الساعات الأخيرة، حيث تحرك «الوصي الهاشمي» بمساحة واسعة صانعاً فسحة لكي تتصرف حكومته.
تلك مفارقة مرصودة يعيدها الفاعوري إلى منطق بسيط، فالأمريكي يتواصل مع المقاومة وحركة حماس عبر طرف ثالث يستطيع بدوره التواصل مع الجانب الفلسطيني المقاوم، وهو دور افتقدته السياسة الأردنية؛ لأن الإصرار واضح على الاعتبار الأمني فقط وليس السياسي في ملف فصائل المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي يقدر الفاعوري ويقرر بأنه في الاتجاه الأبعد بالتأكيد عن المصالح الحيوية للدولة الأردنية.
رغم كل التطورات، لا تزال إستراتيجية قطع خطوط ونوافذ الاتصال مع حركة حماس والمقاومة هي العنصر الناشط في الإدارة السياسية والدبلوماسية الأردنية. ينتج عن ذلك، بطبيعة الحال، تهميش للدور الإقليمي والفلسطيني الأردني، بدأ يقترب من الإقصاء. وينتج عنه أيضاً معادلات في الواقع الموضوعي قد وينبغي أن تتبدل وقريباً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى