اراء و مقالاتمقالات وآراء

العثور على جثة الأردني حمزة الخطيب… أول رسائل مشروع «الدمج الأمني» بدون «زحام جنرالات»

تخفيض كلفة المقرات والأبنية وغرفة عمليات موحدة وخدمات «أمومة» في المراكز الأمنية

 

أثبتت فحوصات الطب الشرعي رسمياً بأن جثة عثر عليها في أحد السدود المائية جنوبي الأردن تعود للشاب حمزة الخطيب، الذي اختفى قبل نحو ستة أسابيع على الأقل بعد عاصفة مطرية تجددت فيها مشكلات الطقس الحاد. الخطيب هو الضحية الوحيدة لسيول وأمطار، جرفته المياه عشرات الكيلومترات.
الأهم أن عملية البحث والإنقاذ لم تتوقف طوال الوقت، حيث بقيت قوات الأمن العام وأجهزة الدفاع المدني في حالة بحث وتحر دون كلل أو ملل، اقتربت من شهرين على الأقل إلى أن تم العثور على الجثة، وتعرف شقيق المتوفى عليها، ما يحسم قضية أثارت انتباه الرأي العام.
الأهم هو الرسالة السياسية من وراء عملية البحث المستمرة عن جثة الضحية وطوال الوقت وبعد تجاوز المعدل العالمي في عمليات من هذا النوع، وهو 14 يوماً في الحد الأعلى، حيث صدرت توجيهات عليا للأجهزة المختصة بالاستمرار في عملية البحث، وحيث أصر مدير الأمن العام الجنرال حسين حواتمة، على عدم توقف عملية البحث مهما تطلب الأمر.

تلك حادثة تؤشر إلى استعداد المؤسسة الأمنية لتوجيه رسائل مكثفة للشارع بعيداً عن كل ما يقال حول الوضع الإداري في أجهزة الدولة. الأهم أن واقعة الشاب الراحل حمزة الخطيب أصبحت واحدة من تجليات مشروع «الدمج الأمني» الذي تقرر ملكياً مؤخراً، وكلف به الجنرال حواتمة، حيث دمجت ثلاث مؤسسات لها علاقة بالأمن الداخلي تحت قيادة واحدة، وهي الأمن العام وقوات الدرك والدفاع المدني.
وهنا لاحظ المراقبون أن عملية البحث عن الشاب الخطيب كانت «منسقة وموحدة» ورشيقة من حيث التنفيذ والتنسيق الميداني، حتى أنها طالت وأنجزت في النهاية وبجهد واضح وعبر غرفة عمليات واحدة، وعلى الأرجح بنفقات مالية أقل، الأمر الذي يمكن اعتباره إشارة «إدارية» متقدمة ميدانياً لمضمون عملية الدمج الأمني التي شكك سياسيون وحراكيون فيها وأثارت جدلاً قبل أسابيع.
بالنسبة للجنرال الحواتمة، الدمج لا يغير شيئاً في واقع الخدمات التي تقدم للمواطنين، بل ينتهي بتقديم خدمة أفضل وأسرع خلافاً لما يوفره على الخزينة في بند النفقات وعلى الكوادر الأمنية المعنية البشرية من وقت وجهد بسبب التنسيق والعمل الجماعي. والدمج بهذا المعنى يفترض أن يتعامل مع خطة ترشيد نفقات مالية لها علاقة بنحو مليار و200 مليون دينار على الأقل، تشكل ميزانية الأجهزة الأمنية الثلاثة قبل الدمج. ويفترض بالمشروع الدمجي أن يبدل في كثير من المعطيات باتجاه عصرنة وتحديث العمل الأمني، وتسريع الخدمة والحماية لمصالح المواطن ولهيبة القانون، وهو ما سمعته «القدس العربي» في مكتب الجنرال الحواتمة.
وسياسياً، تبدو فكرة الدمج مغرية في مجال الإصلاح الإداري أيضاً؛ لأن الزحام في عدد الجنرالات أقل بكثير، ولأن جنرالاً واحداً يقود اليوم الأجهزة الأمنية الثلاثة وعبر غرفة عمليات وثلاثة مساعدين ومعطيات واحدة.. تنهي أي تجاذب إداري يمكن أن يظهر في الميدان لاحقاً، خصوصاً وسط الحراكات والمسيرات ومطالبات التغيير والتعبير.
تجليات الدمج الأمني، ومن حيث المعلومات، تتضمن «تخفيض» نفقات استئجار وتملك العقارات والمباني والمكاتب، حيث مقرات موحدة للأجهزة الثلاثة في المنطقة نفسها خلال الخطة الأبعد، وحيث تعمل الكوادر بصفة مستقلة لكنها منسقة مع بعضها في المقرات نفسها. ويبدو أيضاً أن تحرك العناصر والآليات للواجبات الميدانية من المسائل التي ستصبح «رشيقة وأقل كلفة أيضاً»، لأن جميع الأجهزة كانت تتحرك للميدان في أي حادث وعند أي احتياج، وهو أمر تنتج عنه كلفة مالية، ويفترض أن تقل الآن بسبب عملية التنسيق المسبق، وعلى أساس أن المجموعة الأمنية التي تتحرك للميدان يمكنها الانطلاق مع بعضها أو بكادر بشري مناسب لطبيعة أي واجب.
ثمة تغيير على صعيد المعطيات في تمرير نفقات وعطاءات الصيانة تحديداً بعد مشروع الدمج الأمني، وإثر تخفيض نفقات المقرات وإدامتها، خلافاً لتقليل نفقات السفر والتمثيل الخارجي، حيث السيطرة أكثر وعميقة على عمل وصيانة آليات بمئات الملايين من الدولارات، وبصورة مركزية ومن قبل اللجان نفسها، وبصيغة تعزز كفاءة المشتريات وإدارة كلفة الصيانة والشفافية المالية والإدارية.
يتجه مشروع الدمج الأمني أيضاً لإقامة مراكز «خدمات أمنية» موحدة ومدمجة قريباً للأردنيين على الطرق الخارجية الأساسية، مؤهلة للتعامل مع أي احتياج طارئ، والتقدم بكل المعاملات البيروقراطية. وأحد المختصين قال لـ Aالقدس العربي» بأن الأردني المسافر بين المحافظات سيشرب قهوة قريباً في مقر أمني مصغر وحضاري فيه طبيب وممرض وشرطي وسيارة إسعاف ومكان مؤهل لأردنية تريد إرضاع طفلها مثلاً أو تنظيفه، برفقة كادر نسائي أمني.
طموحات مشروع الدمج الأمني في «تحسين الخدمة» وتخفيف زحام الجنرالات و»توفير النفقات»، كبيرة. وفيما يعمل الحواتمة وطاقمه بهدوء أعصاب على التفاصيل التي تحتاج إلى وقت أطول قد يصل لسنوات، يبدو أن عملية البحث المرهقة عن الشاب الغريق حمزة الخطيب أوصلت للأردنيين رسالة إيجابية بعنوان «مشروع الدمج الأمني». مشروع الدمج الأمني جوبه بتحفظات وشكوك واعتراضات في الأردن. لكن النقاش السلبي يتراجع اليوم، والشارع يتفهم وأكثر ارتياحاً، والمشروع بدأ يستقطب الحلفاء، أما الحواتمة فيواصل عمله ولا يحفل بكل ما يقال حوله وعنه شخصياً أو عن الدمج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى