اراء و مقالات

أين نزرع وماذا نأكل؟ سؤال أردني «مدفوع الثمن» ووثيقة الجواب «اختفت»

لا أحد يعلم ما الذي يحصل مع الدراسات بما فيها تلك المدفوعة بأموال الخزينة الأردنية والتي توضع في المتاحف أو في الأدراج بدون تفعيل وبدون توصيات إجرائية.

عمان-»القدس العربي»: أين نزرع وماذا نزرع وما الذي ينبغي فعله؟ هذا سؤال محوري ولد داخل أو في عمق المؤسسات الرسمية الأردنية في توقيت له علاقة بأول اشتباك حقيقي مع تداعيات فيروس كورونا تحت عنوان البحث عن أجوبة على أسئلة تأمين الغذاء أو ما يسميه رئيس غرفة تجارة عمان العاصمة خليل الحاج توفيق بالأمن الغذائي.
ذلك السؤال بعدما أصبح طرحه ملحا إتخذ قرار بان تكلف شركة أجنبية بالإجابة عليه ودفع مبلغ لا يستهان به نظير تحصيل تلك الإجابة. وانتهى الأمر بدراسة موضوعة ورقيا بين يدي السلطات الأردنية واللجان المختصة، وذلك تحت عنوان الحرص الشديد على قيام الدولة والمؤسسات واللجان الاستشارية الأردنية بما ينبغي القيام به من باب الاحتياط الاستراتيجي للتعامل مع تحديات مفهوم الأمن الغذائي الذي فرضه فيروس كورونا حيث وضعت قيود بالجملة على النقل وسلاسل التزويد والشحن. وحيث تغيرت معطيات الإستيراد والتصدير خصوصا للمواد الغذائية ولسلاسل الغذاء فيما زادت نفس هذه التحديات كما أعلن وزير المالية الدكتور محمد العسعس بعد الصراع العسكري الروسي الأوكراني الأخير وتأثيراته وتداعياته على مجمل جزئية سلاسل الغذاء والأمن الغذائي في العالم وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط والأردن فيها او في عمق تأثيراتها.
وذلك بتقدير الحاج توفيق ممثل ليس غرفة التجارة فقط بل نقابة تجار المواد الغذائية وضع صعب ومعقد ويحتاج فعلا لمقاربات إبداعية تتمأسس على مفهوم الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص.
يعلم كبار المسؤولين في عمان بان السؤال «كيف وماذا نزرع؟» طرحته اللجتماعات السيادية التي كانت تنظم تحت عنوان الحرص على الأمن الغذائي.
ويعلم هؤلاء أن ثمة إجابة ورقية حتى الآن دفع ثمنها بمبلغ كبير إلى حد ما على أساس وضع وصفة استرشادية أو إرشادية تخدم القطاع الزراعي الأردني ليس من باب الحرص على التصدير أو تنويع الخيارات الغذائية فقط، ولكن من باب الحرص على الأمن الغذائي نفسه، الأمر الذي برر لاحقا «إشارات ملكية ومرجعية» مباشرة صدرت للجميع بالحرص على تكريس مفهوم الأمن الغذائي لا بل بالاهتمام برعاية القطاع الزراعي.
المهندس والنقابي الأردني كمال الساري كان جزءا من الحلقات التشاورية الجزئية التي اندفعت للبحث عن خيارات لمشاريع زراعية منتجة بعد طرح ذلك السؤال. حاول الساري كما فهمت «القدس العربي» وناضل مع خبراء ومستشارين ومستثمرين في أكثر من إتجاه وتطوع في وقته لكن حتى الآن لا يتخذ القرار المناسب في مسألة الأمن الغذائي وهو ما يلاحظه الجميع لا بل حسب الساري لا تناقش تفصيلات ما يطرح في الملف الزراعي على الطاولة.
المفارقة الأهم في هذا السياق هي تلك التي تسجلها عملية تتبع الورقة البحثية والدراسية الأجنبية التي تحاول إبلاغ الأردنيين بالحيثيات المكانية والزمانية والمتعلقة بالأصناف والكيفية والتفاصيل في الإجابة على سؤالهم الزراعي.
اللافت جدا للنظر هنا بانه لا أحد وكعادة البيروقراطي الأردني وأيضا كعادة كبار المستشارين يعرف بصورة محددة أين تلك الدراسة الآن حيث الفلاتر البيروقراطية مجددا تتوه عبرها وفيها الوقائع والحقائق.
الأهم انه لا أحد يعلم لماذا لا توضع هذه الدراسة لإنها تناقش موضوعا مهما جدا مثل الأمن الغذائي بين يدي نخبة من كبار المستثمرين الذين يتجولون الآن باسم بعض الدول الصديقة في عمان والعقبة بحثا عن أي استثمار منتج.
تبدو المفارقة هنا متكررة ومزمنة إلى حد كبير. لماذا تدفع الخزينة الأردنية كلفة دراسات ورقية لجهات أجنبية أو شركات استشارية أجنبية ثم توضع توصيات ثم لا يتم التعامل مع هذه التوصيات؟
أين ذهبت تلك الدراسة؟ ولماذا لم توضع أو تعرض على مستثمرين عرب حضروا بكثافة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية خصوصا من دولتي السعودية والإمارات خلال سؤالهم الاستكشافي تحت عنوان قرار سياسي في البلدين بدعم الاستثمار في الأردن.
لا أحد يعلم حتى اللحظة ما الذي يحصل مع الدراسات بما في ذلك تلك المدفوعة بأموال الخزينة الأردنية والتي توضع في المتاحف أو في الأدراج بدون تفعيل وبدون توصيات إجرائية.
لا يمكن تفسير استمرار حصول مثل هذه المفارقات في الوقت الذي بدأ يشتكي فيه العالم برمته من سيناريو الجوع وارتفاع السلع والمواد الغذائية ثم بدأ يلتفت كما يؤكد الباحث الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة إلى سلة الغذاء وضماناتها وإلى تنشيط الزراعة بمعنى الاستثمار الوطني وإلى التغيرات الهائلة التي لابد من الانتباه لها كما يقترح السبايلة بعد الآن على قصة الأمن الغذائي والأمن الإنتاجي والصناعي الداخلي للدول حيث ستضرب كل المفاهيم القديمة قريبا بشأن التجارة والتكامل والشحن والنقل.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى