اراء و مقالات

«مأزق» متعدد الكمائن… الإبراهيميات «تهاجم» العقل الأردني عبر «معاهد مدللة»

بينما الوصي «يقاتل»… «الوصاية» في خطر

عمان – «القدس العربي »: هل تتجه معطيات الوصاية الهاشمية الأردنية على القدس إلى حالة جديدة؟
هذا السؤال يتجول الآن في أقنية سياسيين وباحثين أكاديميين مقربين جداً من بعض مواقع القرار الإداري والاستشاري على نحو ملموس، وقد يكونون من المقربين من مراكز دراسات وبحث إماراتية أيضاً.
السؤال نفسه يتحول إلى معضلة في حوار النخب الأردنية الآن، خصوصاً بعدما فات القطار – حسب الخبراء والمختصين – على إمكانية إنجاز مشروع سياسي داخلي متكامل تقبله وتتعامل معه إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، تحت عنوان «الأردن الجديد»، وبصورة لا تتجاوز السقف الزمني لعمر هذه الإدارة.

«رهان خاطئ»

طوال الوقت الذي أعقب انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، كانت الدولة الأردنية مهووسة بشغف لإنتاج مشروع متكامل يستثمر في السنوات الأربع للرئيس بايدن على أمل انتهاء فترة رئاسة الأخير دون العودة إلى الاشتباك مع صفقة القرن أو الغرق في السيناريوهات والتكهنات لما بعد بايدن.

بينما الوصي «يقاتل»… «الوصاية» في خطر

قالها بوضوح أمام «القدس العربي» وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، خبير الأمريكيات: الرهان على الإدارة الحالية في إنجاز خطة ما بعملية السلام، خاطئ.
في كل حال، مضى الوقت، وشارفت ولاية بايدن على نصف زمنها، وتقدم بإيقاع متسارع مشروع تحديث المنظومة السياسية والاقتصادية والإدارية في البلاد وفقاً لقناعة مراكز القرار بأن تحصين الذات في مواجهة مطبات أمريكية لاحقة ممكنة هو السيناريو المنتج أكثر.
ابتكرت برامج تحديث المنظومة على هذا الأساس، لكنها غرقت في التفاصيل والضمانات والتسويق الداخلي، ولا يبدو أن مهمة شرح الأمر للأمريكيين سهلة أو سريعة وفعالة في الأفق الزمني القريب، حتى وإن زار الرجل المشرف على هندسة مشروع التحديث، وهو حصرياً سمير الرفاعي، مؤسسات أمريكية قريباً بغرض الشرح والتوضيح والتنويه.
تلك تبقى تفصيلة في المشهد، لكن الجزئية الأكثر إنتاجاً للرعب السياسي هي تلك المتعلقة بقناعة المؤسسة الأردنية اليوم بأن الرئيس بايدن، إن بقي فلن يعود، وبأن الديمقراطيين قد لا يحصلون على فرصة إضافية، وبأن الوقت يمضي دون إنجاز حقيقي، وإسرائيل فقط لديها الإمكانية والمهارة اللازمة للاستغلال والاستثمار في الوقت الضائع المتبقي.
مخاوف السياسيين الأردنيين بالجملة، بعنوان سيناريو عودة الرئيس دونالد ترامب، أو عودة من يمثل تياره في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والإرباك ناتج عن قناعة المجسات الأردنية بأن إدارة بايدن والديمقراطيين ستدخل في الاشتباك تحضيراً للانتخابات المقبلة مع نهاية العام الحالي، والمصنف بأنه عام سيئ للأردن والأردنيين بالكثير من التفاصيل والحيثيات. وعندما يدخل الديمقراطيون في مزاج التحضير في معركة الانتخابات اللاحقة لن تصدر قرارات.
هنا بصراحة يكمن المأزق الاستراتيجي الذي تزداد القناعة بأنه يصبح أكثر تعقيداً في ظل ثلاث وقائع وحقائق سياسية لم يعد من الممكن تجاهلها.
الحقيقة الأولى، هي تلك التي تقول بأن إسرائيل برمتها تتجه نحو اليمين المتطرف، والإبراهميات أجهزت تماماً على حصة ومساحة واسعة وكبيرة من الدور الأردني في المعادلتين الإسرائيلية والفلسطينية.
والحقيقة الثانية هي التي تؤشر على صعوبات في استعادة العلاقات مع الإدارة السعودية الحالية، التي يبدو أنها في المنظور التحليلي الأردني خارج حسابات نادي بايدن والديمقراطيين، وتمارس الصبر والتروي البطيء بانتظار عودة ترامب أو نظير له.
وذلك يمهد الأمر للحقيقة الواقعية الثالثة، حيث العلاقات مع دولة مثل الإمارات تحديداً يشوبها الجدل وأحياناً عدم الارتياح، وفكرتها التفوق الإماراتي بعد التطبيع مع الإسرائيليين بكثافة، إضافة إلى العنصر المالي ودوره في تغييب الاتصالات الندية، حتى إن مسؤولاً أردنياً وصف انطباعه لـ«القدس العربي» قائلاً بأن الشقيق الإماراتي بدأ يتصرف على أساس الإيمان بالتبعية له.
كل تلك الإشكالات، ومع غياب فرص أي تحول أردني نحو اليمين الفلسطيني المتمثل بفصائل المقاومة أو محور ما يسمى بالمقاومة والممانعة، بدأت تضغط بشدة غير مسبوقة على مبادئ وأسس وملامح الدور الأردني في أوقاف القدس وملفها، بمعنى الضغط على الوصاية وبرنامجها. ثمة إشارات هنا تعزز الانطباع؛ فالدلال الذي يحظى به أحياناً عضو الكنيست الشيخ منصور عباس حصرياً هو مؤشر على احتياج وليس على قوة، وعناصر مبادرة وتوسيع أفق الخطابات الحادة التي صدرت تحت قبة البرلمان بتوقيع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة هي مؤشر على غضب وانفعال له نتائجه المنتجة، لكنه لا يمكن القول بأنه يمثل مدرسة الاعتدال الأردنية المعهودة.
فوق ذلك إشارات متعددة تدل على أن العلاقات مع إسرائيل أصبحت بحد ذاتها أزمة بعدما كانت وظيفتها في الماضي منع الأزمات من ملامسة الجدار الأردني. مأزق متعدد الكمائن والمطبات تضيف عليه الأحوال المعيشية والاقتصادية والإشكالات المحلية في العمق فائضاً من التعقيدات.
أسئلة بالجملة تتزاحم في رؤوس أركان المطبخ السياسي الأردني. ومع غياب شخصيات وطنية عميقة وأدوات قادرة على الاختراق في الطبقة التي تدير الأمور في غالبية المؤسسات، تزداد الأعباء وتصبح المخاطر أكثر بعنوان الإخفاق المحتمل في الحفاظ على تلك الثوابت والالتزامات المتعلقة، أولاً بالقدس، وثانياً بتثبيت أركان السلطة الفلسطينية، وثالثاً في البقاء في بؤرة الدور إقليمياً.

خلاصات مثيرة

موقف معقد جداً لا يحسد عليه أي من أركان المطبخ الآن، ويمكن الاستدلال على عمقه من تلك الأدبيات التي صعدت ثم انخفضت أو أصبحت متوازنة أكثر في 3 مداخلات لرئيس الوزراء بعدة مناسبات وخلال أسبوعين فقط.
لكن دلالة المأزق الأكبر خرجت من ورقة تقدير موقف يمكن القول بأنها صدرت عن حواريات حول المأزقين الفلسطيني والإسرائيلي، نظمها في عمان مؤخراً أحد المعاهد البحثية المدللة نسبياً من الدولة.
الخلاصات هنا كانت مثيرة، وفكرتها أن الإسرائيلي في اتجاه تهويد القدس، وأن الأسوأ لم يحصل بعد؛ لأن ميزان القوى لصالح إسرائيل، والأهم هي تلك الخلاصة التي تقول بلغة إيحاء وخلافاً للموقف الرسمي نفسه، بأن الوصاية الأردنية أصبحت أو قد تصبح عبئاً على الدولة وعلى المصالح.
ضمنياً، خلاصة ذلك المعهد في تقدير موقفه هو ما يريد محور الإبراهيميات إيصال العقل الأردني له والتوصل إليه كاستخلاص ونتيجة، تمهيداً على الأرجح إما لتقويض الوصاية باعتبار ذلك أصبح هدفاً لبقاء المصالح والدور ولتخفيف الضغوط، أو لإعادة تنميطها وتوصيفها، بحيث تعود لما كان المفكر السياسي الراحل عدنان أبو عودة يحذر القوم منه، وهو يقول عبر «القدس العربي» عدة مرات، بأن النصوص تتحدث عن سماح إسرائيل بدور أردني في رعاية أوقاف القدس. وعليه، إسرائيل هي الطرف الذي يمنع ويحجب تلك الرعاية. ودرج الراحل أبو عودة على إبلاغ «القدس العربي» بأن ذلك كان من الأخطاء الشنيعة التي تورط فيها المفاوض الأردني وأغضبت الملك الراحل الحسين بن طلال. لذلك كله، الخيارات صعبة ومعقدة ومكلفة، وخلاصة اليوم أن الوصي الأردني عنيد ويقاتل ويشتبك وبصلابة، لكن «الوصاية» قد تكون الهدف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى