اراء و مقالات

الإسلاميون في الأردن من الداخل: عزوف الكوادر ومشاعر «الإقصاء» لماذا وعلى أي أساس؟

حوادث أظهرت قدرا من «غياب الامتثال» ووجود أجنحة متباينة داخل التيار، واستفزت السلطات الرسمية وأعادت تمكين وتموقع التيار الرسمي والجناح البيروقراطي الداعي دوما لتقليم أظافر الإسلاميين.

عمان ـ «القدس العربي»: قد لا يعرف كثيرون من مراقبي المشهد السياسي والنقابي والانتخابي العام في الأردن بأن «عزوف» كوادر الحركة الإسلامية وشعورها بالإقصاء السياسي وبعدم جدوى المشاركة هو من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت باتجاه قرار تعليق مشاركة الحركة وحزبها الرئيسي في الانتخابات البلدية واللامركزية، كما قد يكون من بين تلك الأسباب التي دفعت باتجاه إعلان مقاطعة انتخابات نقابة المهندسين بعد سلسلة من المواجهات الساخنة خلف الستارة والكواليس، وبصيغة يمكن ان تنعكس أيضا على المشاركة في بقية حفلة الانتخابات النقابية.
الوضع الداخلي في الحركة الإسلامية الأردنية مليء بألغام الخلافات والتجاذبات. لكن العنصر الرئيسي في إنتاج تلك التجاذبات والتي تؤثر على موقع وتموقع حزب جبهة العمل الإسلامي في الخريطة الحزبية والنقابية ولاحقا الانتخابية هو ناتج على الأرجح عن حالة الاستعصاء في العمل السياسي.
يبدو ان قيادات بارزة في الحركة الإسلامية تصوت بالعادة لصالح المشاركة وتحذر من كلفة البقاء بعيدا عن طاولة الفعل والنقاش والقرارات في السلطة التشريعية أو في المجالس البلدية أو حتى في المقرات النقابية، لم تجد ما تقوله في عدة محطات إزاء «خشونة» مواقف السلطة وغياب جرعات الإصلاح الحقيقي، أو في مواجهة ما سماه القيادي الشيخ مراد عضايلة عدة مرات أمام «القدس العربي» بـ«القبضة الأمنية الخشنة» ومنهجية «الاستهداف» للتيار الإسلامي دون غيره.
لكن عمليا يمكن القول أيضا بأن «العزوف الداخلي» يغذيه ويسانده شعور الإسلاميين عموما بـ«خيبة أمل» أو بنصب «كمين سياسي» لهم عبر لجنة تحديث المنظومة السياسية حيث تأشير مباشر من العضايلة ورفاقه إلى «إنقلاب على الدستور» بحزمة التعديلات الدستورية الأخيرة.
بهذا المعنى ليس سرا القول بان التصدعات والخلافات البينية في أطر ومؤسسات جماعة الإخوان المسلمين، وإنعكاسات ذلك على مؤسسات حزب جبهة العمل الإسلامي من المبررات الأساسية لحالة الفوضى والتي تدفع باتجاه حالة احتقان في الوقت الذي ارتكبت فيه بعض تعبيرات التيار الإسلامي خصوصا في البرلمان ونقابة المهندسين حصريا أخطاء من الصنف الذي لا يمكن نكرانه، أو حتى تبريره في بعض الأحيان وقدمت تلك الأخطاء ممثلة بما فعله النائب حسن الرياطي من اعتداء بدني على خمسة من زملائه، ولاحقا حالة الاستقواء التي طالت تيارا في نقابة المهندسين مع إلقاء الزجاجات والمطالبة بطرد النقيب التوافقي أحمد سماره الزعبي.
تلك حوادث أظهرت قدرا من «غياب الامتثال» ووجود عدة أجنحة متباينة داخل التيار، واستفزت بطبيعة الحال السلطات الرسمية وأعادت تمكين وتموقع التيار الرسمي والجناح البيروقراطي الداعي دوما لتقليم أظافر الإسلاميين وإبقاء السيطرة عليهم.
وبالتالي يمكن القول إن مثل هذه المخالفات والتي حاول الإسلاميون أحيانا تبريرها فقط دون استنكارها حتى في إطار التقييم الداخلي وحالة التشاور الذاتية ساهمت أو قدمت أو غذت كل الطروحات التي تتحدث عن استعراض لـ«عضلات» بعض تشكيلات التيار قابله فورا طبعا استعراض عضلات خشن رسميا تمثل عمليا بالعقوبة الخشنة التي طالت الرياطي بتجميده لمدة عامين بمعنى إنهاء دوره البرلماني تماما، وتمثلت أيضا بتلك الإجراءات التي وصفها الإسلاميون بانها تحشيدية ضدهم لمهندسي القطاع العام في انتخابات أهم وأعرق النقابات المهنية وهي المهندسين.
بالمقابل بطبيعة الحال يبدو أن الفرقاء أو مراكز القوى تحديدا المختلفة أو المتجاذبة داخل أطر الحركة الإسلامية لا تتعامل مع خلافاتها في إطار «وحدوي» أو في سياق من المسؤولية الأدبية قياسا بالمرحلة وبهجمات متعددة ضد التيار الإسلامي سواء عبر تجمعات اليساريين والتيارات المدنية والخصومة الايديولوجية أو عبر التعرض للطرقات والضربات الناتجة عن مواقف بعض المراكز الرسمية.
بعض الإسلاميين عمليا وذهنيا وسياسيا يحتفظون بخلافاتهم في توقيت حرج وحساس وخارج مصالح تنظيماتهم أحيانا.
وبالتالي ظهرت نغمة تشير إلى ان بعض قيادات التيار الإسلامي وفي إطار تصفية الحسابات القديمة والكلاسيكية بين جناحي الصقور والمعتدلين أو حتى بين الأشخاص أنفسهم كانت دوما من مغذيات تقليص حضور الإسلاميين وتساهم في تبرير أفعالهم الخشنة.
والأهم في تبرير وتفسير الضربات الخشنة التي يمكن ان توجه لهم وبالتالي الاعتقاد كبير بان بعض قادة الحركة الإسلامية لا يتصرفون إزاء حساباتهم الشخصية وأحيانا السياسية والتنظيمية الداخلية بالقدر المطلوب من المسؤولية تجاه الأطر والمؤسسات الإسلامية التي يقودونها. وهو أمر تلاحظه الكوادر والقواعد وتحاول المؤسسات المنتخبة أو الأطر القيادية تجاهله لكنه يقدم في الواقع العملي مساهمة فعالة فيما يسميه الشيخ العضايلة بحالة الاحتقان الكبيرة حتى داخل قواعد وكوادر التيار الإسلامي. وبالتأكيد يشكل قرينة ودليلا كبيرا على تفسير أو إعادة قراءة ظاهرة عزوف كوادر الحركة الإسلامية ورغبتها بعدم المشاركة في أي انتخابات وفي أي وقت.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى