اراء و مقالات

الجائزة الأهم «سقوط نتنياهو وسياق عملياتي» حتى لا تفلت الأمور وتتوسع الحرب

«الجيوسياسي» الأردني… محنة أم منحة؟

عمان ـ «القدس العربي»: يمكن القول إن ما سمي بـ «المجموعات الأمريكية» العسكرية في الأراضي الأردنية هي في كل حال جزء من السياق العملياتي المرتبط اليوم بأهداف القيادة الأمريكية الوسطى ومصالحها وأجندتها في المنطقة.
هذا وضع مربك فعلاً لقوى الشارع الأردني فقط، لكن قد تتحقق عبره في القياسات العميقة مصلحة أردنية مباشرة بعنوان «حماية أمن وسلامة الأراضي الأردنية جواً وبحراً وبراً» إذا ما انتقل العدوان العسكري الإجرامي الإسرائيلي على قطاع غزة إلى مرحلة ما بعد غزة؛ بمعنى توسع الصراع أو حتى محاولة نقله إلى المملكة.
واحد من التجليات التي لمح لها قبل أشهر عبر «القدس العربي» المحلل الدكتور أنور خفش، هي تلك التي أشارت مبكراً إلى أن جزءاً من فوائد الوجود العسكري الأمريكي هو منع «أطماع اليمين الإسرائيلي» بالأردن.
واضح تماماً للمراقبين أن استراتيجية عمان الأمنية السياسية الوقائية تستعد فعلاً لأسوأ السيناريوهات، وأن الهدف العملياتي هنا بمعناه السيادي قد يتمثل في ضمان ألا تفلت الأمور، خصوصاً على جبهتي الحدود مع سوريا والعراق، وأن تبقى الأراضي الأردنية بعيدة عن أي مجال جوي تحديداً يمكن أن تسقط فيه مخلفات التبادل الصاروخي بين إسرائيل ومجموعة قوى محور المقاومة التي تحيط بالجغرافيا الأردنية.
لذلك، ومع وجود صواريخ بالستية تطلق من اليمن عبر الحوثيين ومسيرات يمكن أن تنطلق من العراق أو سوريا، أصبح لزاماً على المخطط الاستراتيجي الأردني وبعيداً عن موقفه الاشتباكي سياسياً ودبلوماسياً مع العدوان الإسرائيلي، التركيز على تعزيز أنظمة الدفاع الجوي. وقد عكس ذلك رداً على استفسار مباشر لـ«القدس العربي» في إحدى الجلسات المغلقة وزير الخارجية أيمن الصفدي، عندما قال إن احتمالية سقوط مقذوفات في ظل الإرباك الذي أسست له إسرائيل وعدوانها أمر وارد، ومؤسساتنا تراقب الأوضاع عن كثب».

تعزيز حراسات الحدود

على جبهة موازية للصفدي، تم تعزيز حراسات الحدود خصوصاً مع سوريا والعراق بعد بروز أصوات من مجموعات متعددة تطالب بفتح الحدود وهي تعلن الجهاد دفاعاً عن فلسطين.
الجغرافيا الأردنية هنا دخلت سياسياً وأمنياً في مستوى النقاش ما بين المحنة أو المنحة، لكن الأولويات السيادية أو الاستراتيجية لا يوجد من ينبغي أن يختلف معها حتى في صفوف الملاحظين الكثر بالحراك والمعارضة وقوى الاحتجاج شعبياً.
لم يعد التوازن مطلوباً سياسياً فقط؛ فالحذر مطلوب وبقوة برأي السياسي البارز طاهر المصري، والتوازن ما بين الاشتباك ومصالح الأردن منتج وينبغي التعمق فيه قليلاً وإدارته بدون انفعال وتشنج. وهو الاستنتاج الذي يوافق عليه دون تنسيق وعلى هامش نقاش في جلسة حضرتها «القدس العربي» رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز. الفايز يطرح معادلة «موقفنا ومصالحنا» ثم معادلة «توازنات في إدارة الاشتباك» مع الحالة الفوضوية في الإقليم التي أنتجها العدوان الإسرائيلي الغاشم والانتباه في الوقت ذاته إلى حماية الأردن والأردنيين.

«الجيوسياسي» الأردني… محنة أم منحة؟

الأهداف العميقة أمنياً وحدودياً هي الأساس في التفكير العملياتي الأردني، ولا أحد يمكنه مطالبة المؤسسات السيادية على الأقل بالكشف عن خططها وقراءاتها؛ لأن واجباتها ومهامها ذات طبيعة لا تخضع لنقاشات الإعلاميين أو المحللين، ولا يمكنها أن تتحول إلى مادة يتحدث عنها الشارع.
في الاختبار حاد الملامح والوضوح، فإن الجيوسياسي الأردني اليوم عموماً هو ما بين أولوية حماية الذات في مواجهة فوضى اليمين الإسرائيلي، وتطلعات أطراف في محور المقاومة لتحويل الأردن إلى ساحة عمل.
وطبيعي القول في ضوء تركيبة الدولة الأردنية، إن الأولوية الثانية هي تلك التي تتوقع بأن الأردن لم يكن يوماً «ساحة» بالمعنى التراثي المقاوم، ولا ينبغي أن يكون رغم الجنون الإسرائيلي ضد أهالي قطاع غزة ورغم العبء الذي يرهق المؤسسة الأردنية جراء التفويضات الأمريكية الشاملة للعدوان الإسرائيلي.
في مقايسات دوائر القرار، كل أصناف الحرص بذلت تحت عنوان عدم السماح لأي طرف في الصراع بالإقليم بتفعيل خاصية مفهوم «الأردن الساحة».. شمل ذلك الأمريكيين أيضاً على نحو أو آخر، وإن كانت اتفاقية مثيرة للجدل بشأن تجمعاتهم العسكرية ونشاطها على الأرض الأردنية تحرم الأردني من ميزة التدخل والمراقبة.
بكل حال، ما تؤسس له المؤسسات الآن هو مسرح عمليات خاص بها يستعد لكل السيناريوهات والاحتمالات. وأهم الملامح هي التي ترصد أن الأردن لا يريد أن يصبح الجبهة التي تدفع ثمن مغامرات بايدن- نتنياهو.
وفي الوقت نفسه، لا يريد التورط بأي صراع يؤذي مصالحه المباشرة أمنياً ويحتفظ بجملة سياسية حادة وواضحة الملامح لا تقف عند رفض العدوان واتهام إسرائيل بالهمجية فقط، بل تتحرك في الفضاء الدولي ضد حتى الغطاء الأمريكي دبلوماسياً.
في الخفايا يسمح للأردنيين بهذا الهامش، وثمة من يقول إنه هامش تم اقتناصه قسراً لأن العدوان الإسرائيلي- كما وصف الوزير الصفدي- خلط كل الأوراق ويدخل المنطقة في دوائر خطرة للغاية.
في السياق، يبدو الانتباه واجباً لتعزيز الحراسات العسكرية على جبهة الحدود مع فلسطين المحتلة بعدما حرك العدو الإسرائيلي بعض آلياته في الجانب الآخر.
ودبلوماسياً، فالقول واضح وعلى لسان رأس الهرم ثم رئيس الوزراء وزير الخارجية بعنوان «أي تهجير في غزة والضفة الغربية للسكان سنعتبره بمثابة إعلان حرب». والأهم أن عمان لم تقف عند ذلك الإعلان فقط، بل اتخذت إجراءات تلفت نظر اليمين الإسرائيلي والأمريكي إلى أن الأردن لديه اتجاه واضح في التعاطي مع إعلان الحرب المشار إليه إذا ما فكرت الحكومة الإسرائيلية بتطوير موقفها في اتجاه تحريك ديمغرافي للسكان في الضفة الغربية.

«إعلان حرب»

في الأثناء، الرؤية الأردنية عموماً في الملف الفلسطيني هي التي تكسب في النتيجة إذا توقف العدوان لاحقاً لأي سبب… ذلك هو الانطباع العام وسط النخب السياسية، الذي يؤسس لتصور عن حركة مفترضة لاحقاً، محورها أن وقف العدوان إذا ما تمكن منه الأردن والآخرون طبعاً، سيؤدي إلى بروز المكافأة أو الجائزة التي تترقبها عمان، وهي خروج ثلاثي الحكم المختل في تل أبيب من المعادلة والمشهد، على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب. والمقصود بالثلاثي: بنيامين نتنياهو، وسموتريتش، وبن غفير.
لذلك، في خلفية ذهن الحراك الدبلوماسي الأردني النشط إسقاط نتنياهو الآن كقيمة استراتيجية لنصر معنوي بالتوازي، أو نتيجة لوقف العدوان دون أن يؤثر ذلك المعطى الدبلوماسي على ميكانيزم الفكر العملياتي وسيناريوهات الأسوأ.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى