اراء و مقالات

ملف الحريات و«قاعة الانتظار» الأردنية: سفير هولندا يشعر بالقلق والأمريكي لا يهتم

الحكومة لا تبدي اهتماما بالرد على كل التقولات المرتبطة بملفي الحقوق والحريات سواء أصدرت من الداخل أو من الخارج.

عمان ـ «القدس العربي»: حتى السفير الهولندي هاري فيرفاي في العاصمة عمان يقرر مغادرة صمته المألوف ليعبر عن القلق من تراجع تصنيف الأردن العام عندما يتعلق الأمر بالحريات وتحديدا حريات الإعلام.
تلك لم تكن مجرد تغريدة لسفير هولندا الذي تهتم بلاده حصرا بملف اللاجئين السوريين لكنها تغريدة أعقبت لقاء نتج عنه بعض الجدل مع وزير الدولة لشؤون الإعلام فيصل الشبول الذي قالت تقارير محلية انه وعد سفير هولندا بأرسال الردود الحكومية الرسمية على بعض التقارير الدولية إليه.
بكل حال سفير هولندا والتي تعتبر من أبرز الممولين الأوربيين لبرامج مساعدة اللجوء السوري في الأردن قرر الإعلان عن نفسه بغمزة دبلوماسية يظهر فيها قلقه إزاء تراجع تصنيف الأردن بمعدل الحريات. وهو قلق مشروع لا يمكن نكرانه لا بل يضم اليوم حسب الناشط الحقوقي عاصم العمري الطيف الأوسع من الأردنيين القلقين على وطنهم حيث إنكماش غير مبرر في حريات التعبير وعودة غير محمودة لسياسات قمع الرأي الآخر ومحاكمة أصحاب الرأي كما حصل مع الكاتب السياسي عدنان الروسان.
ولن يكون سفير هولندا في الأردن وحيدا في قاعة الانتظار التي تراقب مؤشرات القلق على تراجع مناسيب الحريات في الأردن، فبعض السفراء الأجانب الغربيين سيجلسون بجانبه وقد تجلس منظمات كبيرة دوليا مثل هيومن رايتس ووتش التي اتهمت الحكومة الأردنية بسحق المجتمع المدني.
يلاحظ الجميع بأن السفارة الأمريكية في عمان وحدها دون غيرها لا تظهر اهتماما ملحوظا بملف الحريات وحقوق الإنسان الأردني. لكن مثل هذا التضليل برأي الخبير الاقتصادي الدولي الدكتور أنور الخفش ينبغي تجنب خداع النفس بواسطته، فمعايير بقاء وديمومة المساعدات الاقتصادية اليوم سواء عند الولايات المتحدة أو عند بعض الدول الأوروبية الحليفة، تتضمن ارتباطا ما بملف الحريات والحقوق. وهو ارتباط قد لا يظهر الآن لأسباب سياسية لكنه موجود وحتما سيظهر برأي الخفش.
دوائر القلق في ملف الحريات بدأت تشغل حتى بعض الأوساط الوطنية ولا تعالج مخاوفها مشاريع التحديث السياسي أو التمكين الاقتصادي، لان الأحزاب الجديدة الناشئة برأي السياسي ممدوح العبادي لا تزال قيد التدخل والتحكم والسيطرة وقيد صناعة الأنابيب.
أبرز المتحفظين مؤخرا على واقع التعسف والملاحظين كان رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات وهو يتوسع في الحديث عن سطوة الأمن أردنيا على التدخل في العمل الحزبي والسياسي وعن انتخابات بقيت مزورة منذ عام 2013.
عبيدات عبر بوضوح عن عدم فهمه لما يجري وقال إن البلاد تسير عكس التيار وان مؤشرات الإصلاح صعبة المنال، محذرا من يخطئون بالاعتقاد بان هذا قدر أردني لا مفر منه ومحذرا أيضا من ان تزييف إرادة الناخب الأردني وحماية الفاسدين خطوات يمكنها ان تضفي الشرعية على النظام السياسي.
وبهذا المعنى أفاد عبيدات بانه لا يفهم ما الذي يجري مع الأحزاب وقال إن هناك أحزابا تحظى بالدلال وثمة حرب بلا هوادة على أحزاب أخرى، معتبرا ان بقاء الأحزاب السياسية أداة بيد الأجهزة دراما لا حظ لها بالحياة والاستمرار، ومستذكرا كيف كان يجلس في الماضي كمدير لجهاز المخابرات مع قادة أحزاب كبار في الأردن محظور عليهم العمل الحزبي بهدف التشاور من أجل الوطن.
انتقد عبيدات أيضا ما وصفه بالتعطيل الكامل للمجتمع المدني واعتبر ان الصورة محيرة اليوم والرسائل متعاكسة لكن برأي المحامي والحقوقي العمري إنكار وقائع التراجع حريات الأردنيين والعسف في التعاطي مع حقوقهم مسألة لا تفيد أحدا.
على جبهة موازية وبعيدا عن السفير الهولندي تزداد حدة الإنزعاج من التفريط رسميا وبيروقراطيا في مكاسب الحريات العامة بالحالة الأردنية وحمى الاستقطاب والتجاذب تسببت مؤخرا فقط برأي المفوض الحقوقي والسفير المخضرم موسى بريزات بالانقلاب والانتقام من وعلى المركز الوطني لحقوق الإنسان والذي ترنح مؤخرا بسبب خلافات وتجاذبات وتأثيرات بيروقراطية ما دفع باتجاه الاستعانة بالخبيرة سمر الحاج حسن في منصب رئيس أمناء المركز.
لم يعرف بعد ما إذا كانت الحاج حسن في موقع استعادة المبادرة أو استعادة سمعة المركز الوطني لحقوق الإنسان ولكن برأي بريزات التفريط بمنجز وطني ومكسب كبير هو المركز الوطني لحقوق الإنسان حجة على جميع الأردنيين.
لكن الحكومة بالمقابل لا تبدي اهتماما بالرد على كل التقولات المرتبطة بملفي الحقوق والحريات سواء أصدرت من الداخل أو من الخارج. والسبب بذلك على الأرجح هو اطمئنان الحكومة لأن المصالح الأساسية مع المجتمع الدولي أكثر أهمية في الميزان من الملاحظات الحقوقية، مع ان المكاسب في الاستدراك كبيرة جدا وعلى الصعيد الاقتصادي والاستثماري أيضا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى