اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن في السؤال «التقني» لخلفية حراكات المعلمين: «البصمة»… «نقابة» أم «تنظيم»؟

 

حتى اللحظة، بعد ظهر أمس الأربعاء، تقدر المؤسسات القيادية في الحركة الإسلامية الأردنية بأن الاعتقالات التي وصل حجمها نحو 60 اعتقالاً على هامش أزمة نقابة المعلمين لا يمكن اعتبارها رسالة حصرية لتيار الإخوان المسلمين أو حزبه السياسي جبهة العمل الإسلامي، بالرغم من شمول الاعتقالات نفسها لنشطاء بعضهم في مواقع قيادية في الحركة الإخوانية.
ثمة تعسف، واعتقال وأسلوب الهراوات غير منتج… هذا ما يقوله الإسلاميون في الحالة الأردنية وهم يترقبون بشغف الخطوة التالية في مسلسل أخونة وشيطنة حراك المعلمين المطلبي.
بالنسبة للأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، لا تزال الفرصة متاحة أمام الرشد والعقلانية والحوار، كما قال لـ»القدس العربي» مباشرة وهو يتحدث عن اعتقالات في صفوف نشطاء نقابة المعلمين طالت في جزء منها بعض أعضاء الحـزب والحـركة الإسـلامية.
بمعنى آخر، وفي السياق الرسمي، لا تعتبر مؤسسات الحركة الإسلامية حتى الآن تلك الاعتقالات موجهة حصرياً للإخوان المسلمين أو حزب جبهة العمل الإسلامي وتتعامل مع الدعوة للإفراج عن جميع الموقوفين وتهدئة الخواطر على أساس أن الاعتقالات طالت معلمين في مواقع متقدمة في هيئات وفروع النقابة التي تتحول بالتدريج تحت إيقاع الصخب والحاجة الاقتصادية ولغة التحدي إلى خصم للدولة وليس الحكومة.
لا يريد الإسلاميون في الأردن القفز على الواقع ولا بناء استنتاجات متسرعة ومسبقة، وبعض قياداتهم تفاعلت على نحو إيجابي، ووجهت رسائل تهدئة عبر حركة لم يفهم بعد ما إذا كانت منسقة ومبرمجة لرئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، وهو – في كل حال – يحتفظ بمستوى اتصالات إيجابية مع بعض قادة رموز الحركة الإسلامية وسجل من المجاملات التي تسمح بإجراء وساطة.

بين عواصف إلكترونية ونشاطات «منسقة» في المحافظات

ولا يريد الإسلاميون أيضاً التعامل مع أزمة المعلمين باعتبارها حراكاً سياسياً، فالنقابة – برأي العضايلة – لا علاقة لها بالتنظيم ولا بالحركة الإسلامية، والتنظيم في الواقع الموضوعي ليس موجهاً لأي نشاط في حراك المعلمين وليس في موقع القرار والتوصية أصلاً.
لكن ملاحظات غرفة القرار التي تتابع التفاصيل في أزمة المعلم الأردني لديها انطباعات واستنتاجات في الاتجاه المعاكس.
بالنسبة إلى بعض المسؤولين البارزين فإن مستوى التنظيم والتراتبية في الوقفات الاحتجاجية بالتزامن والتتابع وفي سبع محافظات على الأقل هو بصمة تنتمي إلى العوائل الحزبية والتنظيمية ولا تنتمي إلى نقابة ناشئة جمهورها بالأصل من المعلمين البسطاء سياسياً ونقابياً. وقد سمعت «القدس العربي» من مسؤولين بارزين في وزارة الداخلية إشارات اتهام مباشرة لتلك البصمة.
في المقاربة البيروقراطية الأمنية لا يملك المعلمون الناشطون القدرات والخبرات لإنتاج عواصف إلكترونية منسقة. وبرأي العديد من المراجع الرسمية، تلك أيضاً بصمة عابرة لجمهور المعلمين، الأمر الذي تطلب لاحقاً وجبات من تعطيل بعض خدمات الإنترنت، وتحديداً في الجزء المتعلق بالبث المباشر على «فيسبوك» بين الحين والآخر، وهو تعطيل لا تقر به وزارة الريادة والاتصالات الرقمية، ولا وزيرها الحراكي السابق مثنى الغرايبة.
تتحدث الأوساط الرسمية وأحياناً الأمنية، عن استغلال منظم لمنصات ووسائط التواصل يحمل بصمة الإخوان المسلمين، وعن ظهور ناعم قليلاً لتنظيم الأخوات المسلمات، وأيضاً عن وقفات احتجاجية منسقة بين المحافظات، ما يجعل خيار التصدي في ظل ضائقة اقتصادية لما يحاول المعلمون فرضه في الشارع خياراً للدولة عابراً للحكومة.
وقد خرجت بعد فترة من الصمت واستمرت أسبوعا، تلك التعبيرات من رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، التي توحي بأن ملف المعلمين بين يدي سلطة القضاء والمستوى الأمني، وبأن نشطاء النقابة لم يتركوا هامشاً لأي مناورة إيجابية تساعد رئاسة الوزراء أو تسمح بالحوار الفني المعقول المتوازن مع وزارة التربية والتعليم، مما ساهم في تسكين أي محاولة للتقارب من جهة الحكومة والرزاز.
هتف المعلمون الغاضبون في الشارع ضد الأشخاص، ومنابرهم الإلكترونية بدأت تضع قوائم سوداء باسم وزراء ومسؤولين محددين.
وبالتالي، فإن هؤلاء ومن بينهم الرزاز ووزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي، أصبحوا خارج نطاق التأثير بعدما تعامل معهم حراك المعلمين باعتبارهم الخصم الأول والأكبر.
لا يحدد الإسلاميون ومؤسساتهم موقفاً قاطعاً وحاسماً من أزمة تعبر عن حراك في توقيت حساس ومعقد في عمق القطاع العام، الأمر الذي ينقل كرة الأزمة إلى مساحات متدحرجة وزوايا ضيقة جداً، ولا يبقي أمام السلطات في الميدان غير التصرف على أساس ضبط الإيقاع والحفاظ على هيبة الدولة، خصوصاً أن نشطاء المعلمين نجحوا في إحراج رئيس الوزراء بالتحدي المباشر والأساسي لأوامر الدفاع والحظر والتباعد، ما قد يشكل – برأي وزير الصحة سعد جابر – إلى إعاقة جهود الاحتواء الفيروسي.
في المقابل، تلك البصمات التي ترتاب فيها السلطات، يرد عليها الإسلاميون بالإشارة إلى أنها مؤشر إضافي على الإفلاس الحكومي، لأن الاستهانة بخبرات المعلمين التي تراكمت في الميدان خطوة ليست في الاتجاه الصحيح، خصوصاً بعدما دخلت عناصر في الحراك الجهوي والعشائري لديها خبرات سابقة في الشارع لتوفير حاضنة اجتماعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى