اراء و مقالات

الإحراج في الأردن يبلغ ذروته: العدوان على غزة يترافق بصلاة تلمودية قرب «الوصاية على المقدسات»

حسابات اليمين الإسرائيلي الانتخابية تخلط كل أوراق الإقليم

عمان – «القدس العربي» : يبدو أن الحكومة الأردنية ستجد نفسها مضطرة للوقوف بصورة قسرية على محطة السؤال المؤرق لكبار السياسيين الأردنيين ولدوائر القرار، وهو سؤال القدس والمسجد الأقصى والوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.
هذا الوقوف ترافق مجدداً مع تصاعد التأزيم العسكري في قطاع غزة والسيناريوهات والاحتمالات التي يمكن أن يدل عليها أو يشير إليها، حيث مأزق جديد تتسبب به لصانع القرار الأردني بصورة مباشرة حسابات الانتخابات داخل اليمين الإسرائيلي، وحيث تعقيدات بالجملة تهدد استقرار حالة الهدوء حتى داخل الشارع الأردني.
بكل حال، الأردن مضطر مجدداً للوقوف أمام تطورات المشهد الفلسطيني باعتباره دائماً وأبداً الجزء الحيوي الأهم من المصلحة العليا الأردنية، كما يصرح السياسي والبرلماني البارز والمعروف الدكتور ممدوح العبادي، معتبراً أن القضية الفلسطينية هي قضية الأردن حكومة ودولة وشعباً، الأولى بلا منازع. وبالتالي، حجم التحديات -برأي العبادي- كثير، خصوصاً أن الجانب الإسرائيلي يستمر ويسترسل في الشطط والتشدد والتطرف وتصرفاته وفقاً لإجماع المراقبين الأردنيين، تدفن ما تبقى من عملية السلام.

حسابات اليمين الإسرائيلي الانتخابية تخلط كل أوراق الإقليم

يدرك صانع القرار الأردني بأن حسابات اليمين الإسرائيلي الانتخابية تخلط كل أوراق الإقليم في الواقع، والمخاوف كبيرة جداً في المربع القريب من وزير الخارجية أيمن صفدي من أن يؤدي الفراغ المستمر وعدم وجود مفاوضات وعدم حصول تطور على عملية سياسية، إلى سياسة ملء الفراغ من جانب دول إقليمية مختلفة في المنطقة. الإشارات هنا وفقاً للحسابات الأردنية، أن إيران أصبحت طرفاً في المواجهة، وأن كل مسارات القضية الفلسطينية مرتبطة اليوم بمواجهة باطنية وغير مباشرة، لا بل مباشرة في بعض الساحات مثل السورية بين اليمين الإسرائيلي واليمين الإيراني، على حد وصف مسؤول بارز في الخارجية الأردنية أشار أمام «القدس العربي» إلى أن مصالح الدول العربية المعتدلة ومصالح الإقليم برمته اليوم مرهونة بالصراع بين اليمينين الإسرائيلي والإيراني، فيما يحاول الأردن تتبع سياسة واستراتيجية عدم ترك الأمريكيين للملف والمنطقة في حالة الفراغ، مما ينسحب باتجاه بعض الحسابات التي تبالغ في التكهن والتوقع والتحليل أو لا تنتمي إلى لغة الواقع.
وجود تجمعات يهودية تلمودية تؤدي صلاة خلافاً لكل إعلانات ومواقف الأردن المعلنة، لا بل خلافاً للبروتوكول الموقع مع الإسرائيليين بخصوص الرعاية الأردنية للأماكن المقدسة عام 2015، يبرز التحدي من جديد ويؤدي إلى المساس بصورة مباشرة مجدداً بالوصاية الأردنية الهاشمية، وهو ما دفع الحكومة الأردنية لإعلان التنديد والشجب والاستنكار الذي تردد بصورة كبيرة بخصوص ملف القدس مؤخراً. يعني ذلك، عملياً وفيزيائياً في حسابات الإقليم، أن الوصاية الأردنية على القدس تخضع لاختبار جديد وقاس من اليمين الإسرائيلي؛ فأعضاء في الكنيست متطرفون كانوا مع المجاميع التي احتلت واجهة أحد بوابات المسجد الأقصى وأقامت صلاة تلمودية أمامه وفي الأماكن المخصصة للمسلمين هذه المرة، وبالمواصفات التي كان وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في الأردن يعلنونها دوماً، ففي ذلك تجاوز كبير للخط الأحمر، إذ لم يكن مسموحاً في الماضي، لا بل لم يكن مسبوقاً.
ويتنبه المراقبون عموماً إلى أن رئيس الوزراء المؤقت في إسرائيل يائير لبيد، يعلن بصورة رسمية موافقته الخطية على السماح لجمعيات من المستوطنين الأصوليين والمتشددين بالتجمع قرب المسجد الأقصى وأداء صلاة تلمودية.
تلك بكل المواصفات والمقاييس، إساءة بالغة وجارحة للدور الأردني، لكن عمان تحاول ابتلاعها بصعوبة بالغة، ولا أحد يعرف بعد ما هي خياراتها لا في التكتيك ولا في الاستراتيجية للرد على مثل هذه التصرفات، خصوصاً أن يائير لابيد يصدر هذا القرار ويوقعه خطياً بعد أيام فقط من استقباله في عمان، والإيحاء بأن العلاقات الأردنية مع اليمين الإسرائيلي تحاول استعادة التوازن تحت غلاف العنصر أو المساحة المشتركة بين الجانبين، وهي الاحتياط وقائياً لعدم عودة بنيامين نتنياهو.
لكن المرونة الأردنية والتساهل مع لبيد وتصرفات حكومته وأعضاء الكنيست المحسوبين عليه في حرم المسجد الأقصى، بمعنى العبث في الطبق الأردني المحرم والأحمر وخطوطه الحمراء يعني مجدداً أن الجانب الإسرائيلي لا يتفاعل بالصورة التي ينبغي أن يتفاعل فيها مع هوامش المرونة الأردنية. وهو أمر يؤدي إلى تضييق هوامش المناورة أمام عمان التي ترى بالتصعيد في قطاع غزة والتصعيد في القدس معاً وبالتزامن والتوقيت، إحراجاً كبيراً جداً ليس للوصاية الأردنية فقط، ولكن لمجمل ما تبقى من حديث عن عملية سلام.
هذا الوضع المعقد في الأردن يدفع الكثير من المستشارين والسياسيين لطرح سؤال لم تكن الدولة الأردنية تفضل أن تطرحه يوماً بعنوان: كيف نستطيع الإفلات من أعباء الوصاية في القدس؟
لم يعد سراً أن هذا السؤال يطرحه اليوم بعض كبار المسؤولين، وأنه ثمة تأمل في الأزمة التي يسببها الأصدقاء الذين يوصفون في عمان بالمعتدلين في اليمين الإسرائيلي تحت ستار تخويف الأردن من عودة نتنياهو.
وبالتالي، ثمة مصالح على الأرض وثمة إحجام ومساحات وأدوار كبيرة قد تخضع لكثير من التبديل تحت وطأة العنف والتشدد الإسرائيلي، وتحت وطأة التنافس العربي، وللأسف أحياناً، الأردني لخدمة تيار في اليمين الإسرائيلي خوفاً من عودة نتنياهو، وللغرق في الحسابات بين الأجنحة المتشددة داخل أو في عمق اليمين الإسرائيلي. التحديات هنا كبيرة للغاية ومهمة جداً ولا يمكن استسهال التعاطي معها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى