اراء و مقالات

معادلة «تغضب» النخب الأردنية: «شيطنة» إيران و«التكيف» مع «شياطين يمين إسرائيل»

عمان – «القدس العربي»: الأوساط السياسية والإعلامية الأردنية تنضم إليها البحثية أيضاً وبشكل مكثف، هي في محاولة هوسية لإعادة قراءة مشهد الاتفاق الإيراني – السعودي الاستراتيجي المهم على أمل توفير زاوية أردنية في تلك القراءة يمكن أن تسند أو تضغط على حلقات القرار.
يعد معهد السلم والمجتمع جلسة نقاشية ساخنة على هامش سهرة رمضانية بتنظيم معهد الشرق الأوسط للسياسات والإعلام، وبحضور متحدثين رئيسيين في الموضوع هما: الدكتور ممدوح العبادي السياسي المعروف، والمحلل الأمني هذه المرة الدكتور عمر الرداد.
قبل ذلك، لاحظ الجميع بأن الرواية الرسمية، خصوصاً في الجزء المتعلق بكيفية إدارة العلاقة في المستقبل القريب مع الجار الإيراني خصوصاً بعد الاتفاق المشار إليه، لم تظهر بعد أي من ملامحها، حيث مطالبات بالجملة تحت قبة البرلمان وبين الأحزاب والنخب السياسية بتسمية وإعادة السفير الأردني لطهران تحت وابل من التفكير بمصالح الأردن الاقتصادية على الأقل في العراق وسوريا، والتي تتطلب اليوم -برأي إجماع المتابعين- خطوة دبلوماسية بالاتجاه الإيراني تتحفظ عليها الخارجية الأردنية.
ولا يبلغ وزير الخارجية أيمن الصفدي بصورة علنية عن خطته أو خطة حكومته أو حتى التوجه العام بخصوص مسألة تطبيع الدبلوماسي مع إيران على الرغم من كل الضجيج المثار والأسئلة، وعلى الرغم من الاعتقاد الجازم بأن هذه الخطوة، وبصرف النظر عن الاتفاق السعودي الإيراني، مطلوبة أردنياً لتوازن الموقف، كما أبلغ الدكتور العبادي “القدس العربي” في ضوء التهديدات الخطرة التي يمثلها اليمين الإسرائيلي ضد المصالح الحيوية للأردن.
بوضح شديد، فلسفة الخارجية الأردنية الظاهرة حتى الآن هي تلك التي تعزل ما بين الملف الإسرائيلي وما بين الإيراني تماماً.
لكن الفلسفة الشعبية العامة والآراء النخبوية خصوصاً بعد ورشة عمل أخرى مغلقة في البحر الميت حضرتها “القدس العربي” بتنظيم مركز القدس للدراسات، تقول بملء الفم بأن مواجهة المسار الإسرائيلي المعادي لمصالح الأردن تتطلب في الحد الأدنى اليوم ودون مراوغة رفع مستوى العلاقات الأردنية السياسية والدبلوماسية مع إيران.
تلك خلاصة لم تعلن بعد في نقاش البحر الميت الذي تم بحضور مدربين ومستشارين أوروبيين، لكن الخارجية الأردنية تواصل الاشتباك مع حالة الصمت الرسمي هنا ولا تكشف عن خطتها ولا عن نواياها، وإن كان الانطباع العام يؤشر على اتخاذ وضعية الانتظار والترقب والتريث وعدم الاستعجال والتحدث بتكهنات توقع أزمة في السياق الخليجي الإيراني في الخلاصة التي يمكن فهمها من أبرز المتحدثين في نقاش معهد السلم والمجتمع. وهو عملياً ما طرحه المحلل الأمني عمر الرداد في نقاشات معهد الشرق الأوسط، لكن ضمناً، عندما توقع وجود عقبات أمام الاتفاق، معتبراً أن الولايات المتحدة لا تعجز عن وسيلة إذا قررت إعاقة هذا الاتفاق المهم، ومشيراً إلى أن دخول الصين بهذه القوة إلى منطقة الخليج العربي مسألة تحتاج للتأمل أكثر.
في كل حال، المقاربات وسط ضجيج النقاش الأردني تطرح بالجملة، وزاد بوضوح عدد جلسات العصف الذهني التي تحاول التأسيس لسيناريو أردني بعد الاتفاق السعودي الإيراني، فيما زاد بشكل اوضح عدد المطالبات التي تطالب بالتحريك والتحرك باتجاه الإيراني مباشرة بدلاً من التحدث معه عن بعد أو عبر الجارين السوري والعراقي.
وهنا يقترح الدكتور العبادي علناً التوقف عما سمّاه محاولة شيطنة إيران، ملاحظاً بأن وزير الدفاع الأمريكي الذي زار الأردن وفي ظل وجود ما لا يقل عن 12 قاعدة عسكرية في الأرض الأردنية، لم تعقبه زيارة لوزير الخزانة الأمريكية أو لأي من مسؤولي الطاقم الاقتصادي من أجل تثبيت أركان التحالف والشراكة، ثم طرح العبادي سؤالاً حول الصراع الطائفي السني الشيعي، مطالباً الحضور بالعودة إلى برنارد لويس.
مقاربة العبادي طوال الوقت هي تلك التي تقول بعدم جواز الاسترسال في شيطنة إيران أردنياً، وبالتوازي الاسترسال بالتكيف والتطبيع مع يمين إسرائيلي يعتمد على خرائط علنية تقول بأن الأردن جزء من إسرائيل الكبرى ومفعم بكل الشياطين المعادية. وتلك مقاربة تعتبر تدشين العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وهي خطوة لا تستعجلها الخارجية الأردنية، جزءاً أساسياً من رؤية شمولية تحافظ على توازن المصالح الأردنية في مواجهة اليمين الإسرائيلي، علماً بأن التعبيرات التي نقلت من وزير الخارجية الصفدي إلى مجلس الوزراء مؤخراً في بلاده هي تلك التي تفترض بأن الأزمة في العمق الإسرائيلي اليوم وليس في العمق الأردني أو الفلسطيني، ووضع حكومة إسرائيل -برأي الصفدي- في خارطة المجتمع الدولي واضح، والمنجز الأهم في تركيب قمتين أمنيتين بالعقبة وشرم الشيخ هو إجبار اليمين الإسرائيلي على الالتزام بربط المسارين السياسي والأمني.
دون ذلك، التقييم الرسمي الأردني واضح أكثر عندما يتعلق الأمر بالخيط الخفي الرابط ما بين التكيف مع اليمين الإسرائيلي دون أدنى رغبة حتى الآن على الأقل بالتكيف مع النفوذ الإيراني. وتعزل المؤسسة الأردنية بين الملفين بوضوح، ولا تريد التورط في خطوة متسرعة مع إيران تحت ضغط حكام تل أبيب اليوم. لكن أصحاب الرأي الآخر من خارج دوائر القرار، يشيرون إلى أن الاسترسال في هذه السياسة قد يؤدي إلى الندم قريباً؛ لأن التفاهمات الإيرانية الخليجية التي تشرف عليها دولة مثل الصين، لن تنتظر أحداً في نهاية الرحلة.
الباحث والخبير الاستراتيجي الرداد، قدم تحليلاً مفصلاً لسياقات الاتفاق المشار إليه، وفي الجزئية الأردنية ميل مباشر من جهة الرداد إلى التأشير على وجود مخاوف أمنية بحكم ممارسات سابقة دون الخوض في التفاصيل التي تترك للغرفة الأمنية، مع الإشارة إلى عدم إنتاجية إرسال سفير أردني إلى طهران بسرعة الآن قبل السفير السعودي، ملخصاً الصراعات في الإقليم والعالم اليوم على أساس طبيعة حروب ما بعد الحداثة، حيث “لا نصر مؤزر ولا هزيمة ساحقة”.
والعبادي بدوره يريد طوال الوقت صيغة في التفاعل الدبلوماسي والتحالفات والشراكات دون شيطنة طرف من أجل الآخر، وعلى أساس مراجعة حيوية دوماً بميزان المصالح.

 

كلمات مفتاحية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى