اراء و مقالات

الأردن «لحوح» ومواجهة «خضوع إسرائيل» للقانون الدولي بدأت دبلوماسياً

«ألغاز وزير الخارجية الصفدي» تثير الفضول

عمان ـ «القدس العربي»: قدم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، مجدداً، دليلاً إضافياً على أن بلاده قررت الاستمرار في قواعد الاشتباك الدبلوماسي والسياسي في الاتجاه المعاكس تماماً لتل أبيب.
وقد ظهر في مؤتمر صحافي السبت وهو بين وزيرين أوروبيين للخارجية، قال العبارة التي تشير إلى غضب بلاده بعنوان «تل أبيب تهاجم كل من لا يتفق مع سياستها». ثم أضاف العبارة الأخرى الأكثر قوة التي تقول إن إسرائيل ليست فوق القانون الدولي، ولا ينبغي أن تكون.
التأكيد على المؤكد المعلن من جهة الموقف الرسمي الأردني مسألة يتولاها بين الحين والآخر في خطاب للخارج ونسخة منه للداخل نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أو الرجل الثاني في الحكومة.
والمقصود الوزير الصفدي، وهو الوزير الأكثر تواصلاً واستشعاراً لمجسات القرار المفصلية وتصريحاته بين الحين والآخر، أصبحت لغزاً محيراً حتى للدبلوماسيين الغربيين، وبطبيعة الحال للعديد من زملائه سواء في مجلس الوزراء أو وزراء الخارجية السابقين، الذين بدأ بعضهم يحاول دق إسفين سياسي بين الصفدي والتصريحات الصاخبة التي تصدر على لسانه، وبين ما يسمى بحزمة مصالح المملكة. لكن هؤلاء جميعاً يعرفون مسبقاً أن الصفدي لا ينطق عن الهوى، كما قال مباشرة وشخصياً ثلاث مرات على الأقل لـ «القدس العربي» وهو يصر على أن ما يقوله ويعلنه مرتبط بالسقف الذي تمثله الثوابت وموقف المملكة.
على نحو أو آخر، ثمة قناعة بأن الصفدي يعبر عن الموقف المرجعي الأردني في مسألة تداعيات ما بعد معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ولا يقف في تعبيره هنا عند حدود المطبخ السياسي إن كان ثمة مطبخ سياسي أساساً في الحكومة. وبهذا المعنى، فإن ما يصدر باسم الدبلوماسية الأردنية ووزارة الخارجية يحظى بغطاء سياسي كامل الأوصاف، على الرغم مما يثيره من ملاحظات قلقة هنا أو ملاحظات مهنية هناك.

الموقف المرجعي الأردني

ما يفهم من إصرار الصفدي على ترديد عبارات قاسية جداً وغير مألوفة بالقاموس الأردني ضد الإسرائيليين هو أن الأردن مصر على مواصلة طريقه في درب قواعد الاشتباك مع الإسرائيليين.
وعناوين الأردن هنا صمن أولويات لا مجال لإنكارها، ويتم تكريرها على لسان الصفدي وغيره من كبار المسؤولين قصداً. وهي أولويات تبدأ من وقف العدوان الإسرائيلي، ثم تعتبر أي محاولة لتهجير السكان في قطاع غزة أو الضفة الغربية بمثابة إعلان حرب على المملكة قد تعقبه مفاجآت في سلوك المملكة بالنسبة للإسرائيليين، كما ألمح علناً رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة.
في الأولويات الأردنية تجدد التأكيد على المؤكد القديم؛ فالأردن قرر أن يقف في وجه العدوان ويركز على توسيع نطاق المساعدات الإغاثية الإنسانية لأهالي قطاع غزة. وبدأت عمان تقف بصلابة ضمن رسالة للمجتمع الدولي تدعو فيها ضمناً إلى معاقبة إسرائيل على سلوكها الإجرامي المتوحش ضد أهالي قطاع غزة.

«ألغاز وزير الخارجية الصفدي» تثير الفضول

والأمل ليس الوصول دبلوماسياً إلى حالة يمكن أن تؤدي فعلاً إلى إقرار إجراءات عقابية ضد الإسرائيليين، بل ردعهم عن أسلوبهم في القصف العشوائي الإجرامي الذي يوقع آلاف الضحايا والشهداء إذا ما عادت أجراس الحرب لتقرع في قطاع غزة لسبب أو لآخر خارج نطاق وصلاحيات الأردن وقدرته.
المقاربة الأردنية بهذا المعنى لحوحة ولا تزال ضمن الاشتباك، والدليل على ذلك أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استخدم قبل أيام في تصريحاته ضد التهجير القسري نفس العبارة التي كان قد سبق الجميع فيها الملك عبد الله الثاني، وهو يقول إن التهجير خط أحمر غير مقبول.

شكاوى لدى «الجنايات»؟

الأردن ألمح أيضاً على لسان الصفدي إلى أن الجهود المعنية بعرض شكاوى لدى محكمة الجنايات الكبرى ضد السلوك الإسرائيلي، يمكن أن تدعمها الدبلوماسية الأردنية بقوة، بدلالة أن شخصيات قانونية مرجعية أردنية تعمل بالتنسيق مع دوائر القرار الآن على جمع وثائق وأدلة وتصيب بعض اللوائح والبيانات تحت عنوان الادعاء ضد الجيش الإسرائيلي وتصرفاته خلافاً لأن اللجنة القانونية في مجلس النواب لم تنه أعمالها بعد على صعيد جمع أدلة لمحاكمة رموز كيان الاحتلال كما قرر مجلس النواب بالنص، ولكن أيضاً على صعيد الاستمرار فيما سمي بمراجعة نحو 13 اتفاقية موقعة مع إسرائيل.
وهنا عموماً يمكن القول إن المؤسسة الأردنية تجتهد بتقديم الدليل تلو الآخر وبصفة يومية على أنها في الطرف الآخر أو المقابل للأجندة الإسرائيلية وللتصور الأمريكي معاً في مسألة ملف غزة.
وهذا يفسر عدم تعرض الوقفات الاحتجاجية الشعبية في الشارع الأردني لمضايقات أمنية، كما يفسر قواعد الاشتباك التي يرسمها باسم الدبلوماسية الوزير الصفدي ويلزم نفسه وحكومته بها بعد الآن في الوقت الذي يفسر فيه أيضاً تلك المداخلات الاختراقية السريعة التي تجريها القيادة الأردنية سواء على صعيد بعض الدول والزعامات الأوروبية أو على صعيد ما يمكن وصفه إبقاء الحالة المصرية تحديداً ضمن الإطار المرسوم حتى لا يستثمر بها الإسرائيلي.
التفاعلات تتم بهدوء، لكن تداعيات الموقف الأردني المعلن وغير المعلن في الأروقة الدولية وعبر وسائل الإعلام يجر ذكريات من الخيبة عند رموز اليمين الإسرائيلي، والهجوم على المملكة وموقفها يحضر بين الحين والآخر.
لكن النظرة الأردنية الرسمية العميقة للأزمة الحالية في قطاع غزة والحرب العسكرية الإسرائيلية يبدو لجميع الأطراف والفرقاء أنها في طريقها لتغيير معادلات لا يستهان بها، إما على صعيد نظرة الأردن الإقليمية للمستقبل، أو على صعيد العلاقة الأردنية الفلسطينية، والأهم على صعيد علاقة الأردن بإسرائيل اليوم.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى