اراء و مقالات

«المتغير» الأردني: «لاءات ملك» وشعب يهتف لـ«القسام» وعودة لافتة «الإخوان المسلمين» في خدمة «الوصاية»

وسط معطيات تتبدل في ظل الحاصل في فلسطين وبشكل متدحرج

عمان – «القدس العربي»: يفترض الآن أن تستثمر السلطات السياسية وحتى الأمنية الأردنية على مستوى الدولة والمؤسسات العميقة وعلى مستوى الحكومة، هذه اللحظة الراهنة التي نادراً ما تحصل عبر مزيج من موقف مختلط ومتماثل إلى أكبر حد يمكن رصده في المشهد السياسي الأردني، حيث موقف رسمي إلى جانب الموقف الشعبي تماماً في نفس الموقع عندما يتعلق الأمر بالقدس والمقدسات الإسلامية، وحتى بالاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة، والأهم في الوصاية الهاشمية.
تكتشف نخبة رجال الدولة والقرار الأردنية بأن الزخم الشعبي يندفع في اتجاه التضامن مع القدس بصيغة إستراتيجية هذه المرة تؤكد بأن الشارع الأردني يدعم الوصاية الهاشمية الأردنية ولا يريد التفريط فيها، فهي الأساس في معادلة المصالح الحيوية الأردنية، كما فهمت «القدس العربي» من النائب الذي تبنى مذكرة لطرد السفير الإسرائيلي خليل عطية.

استثمار أردني

عطية وبقية أعضاء مجلس النواب معنيون الآن بالوقوف خلف تأكيدات ولاءات الملك عبد الله الثاني. وخلف النواب زخم شعبي بكل تعبيراته ومكوناته السياسية. وفي اللحظة التي رفعت فيها أعلام فلسطين بكثافة في بعض مسيرات واعتصامات ووقفات احتجاجية في العاصمة عمان، كان العلم الأردني إلى جانب العلم الفلسطيني في بعض المخيمات وبعض المحافظات وحتى في التحركات العشائرية والمناطقية التي هتفت للأقصى، وأبلغت جميع الأطراف بأن الأردنيين -بصرف النظر عن خلفياتهم السياسية وعن مناطقهم ومكوناتهم الاجتماعية- موحدون تماماً تجاه القضية الفلسطينية.
مستجدات في غاية الأهمية تحصل على هذا السياق في الحالة الشعبية الأردنية، والفرصة متاحة أمام مركز القرار والحكومة الأردنية للاستثمار السياسي والدبلوماسي في اللحظة الشعبية، حيث إجماع غير مسبوق على قضية واحدة وزخم شعبي يفرض إيقاعه في الواقع الاجتماعي والسياسي، ويقف خلف خيارات الدولة في ملف القدس، ويعمل بنفس الوقت على تجاهل الخلافات الأخرى وأي تجاذبات لصالح التركيز لحظياً على مسألة القدس والمسجد الأقصى.

وسط معطيات تتبدل في ظل الحاصل في فلسطين وبشكل متدحرج

لم يعد سراً إزاء هذا الواقع المستجد بأن السلطات السياسية تستطيع فعلاً الاستثمار في المساحة التي يوفرها وقوف الشارع الأردني مع أهالي القدس، خصوصاً هذه الايام التي تشهد وضعاً اقتصادياً صعباً، وصحياً أصعب، وتجاذبات لها علاقة بملفات الإصلاح والفساد، وغيرها من الملفات التي كان يخرج للشارع من أجلها المواطن الأردني، فيما يخرج الآن خلف قيادته وبنفس الموقف وفي إطار حالة تضامنية تحرص على الممتلكات العامة وتتجنب الفوضى بالتوافق مع رجال الأمن والدرك، وهي حالة اجتماعية نادرة قابلة «للتكييش» السياسي.
ويعتقد أن أي محاولة سياسية للاستثمار في مزاج الشارع الأردني اليوم ستؤثر بالضرورة على بقية الملفات. فإزاء الموقف المتقدم الذي يتخذه القصر الملكي الأردني، يستطيع المواطن الأردني الاحتمال أكثر في الاحتياجات الاقتصادية وفي الأزمة الاقتصادية والمالية، لكن في الوقت نفسه، فإن هذا التوحد بين الموقفين الشعبي والسياسي ينبغي للحكومة أن لا تفرط به، وتعتبره خطوة جديدة ومحطة بناء يمكن على أساسها التفاهم على أن الملفات الأساسية والمصالح العليا للدولة لا يوجد خلاف لا معها ولا عليها.
وهي قيمة أكدها القيادي في الحركة الإسلامية الشيخ زكي بني ارشيد عندما ناقشته «القدس العربي» بمعطيات العلاقة مرحلياً في هذا التوقيت الحرج الذي تستهدف فيه مدينة القدس ويعمل فيه العدو الإسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.
الشيخ بني ارشيد يعتبر القدس مساحة مغلقة على التجاذب والخلاف، ويرى ويقدر بأن الموقف الشعبي الأردني داعم لخيارات وموقف الدولة ما دامت صلبة.
يمكن بهذا المعنى ترصد تلك المستجدات التي تطرأ على حالة التعبير السياسي والزخم الجماهيري الأردني، خصوصاً أن أهالي مدينة القدس وبعدهم المقاومة الفلسطينية المسلحة وعبر صواريخها ورشقاتها تعدّ عناصر ساهمت في توحيد حتى الأردنيين.
قبيلة المليون الأردنية، وهي قبيلة بني حسن، أصدرت بياناً قالت فيه بأن الشعب الفلسطيني ليس وحده في معركة الدفاع عن الأقصى، وبأن على الفلسطينيين أن لا يحصلوا فقط دون غيرهم على شرف الدفاع عن القدس والأقصى.
نظمت اعتصامات ووقفات ومسيرات في مختلف المحافظات والأوساط القبلية والعشائرية الأردنية، ورفعت أعلام فلسطين في الكرك، وفي مادبا رفعت إشاره النصر الخاصة بالمقاومة الفلسطينية.
وفي مدن ومحافظات الشمال والجنوب تجمع الأردنيون خلف موقف واحد من مختلف مكوناتهم الاجتماعية، والأهازيج الفلسطينية تحديداً المتعلقة بالثورة الفلسطينية رددها أهالي مدية معان في اعتصام متأخر حتى فجر الأربعاء، وشهدت مختلف مناطق المخيمات والمحافظات مسيرات ووقفات احتجاجية تجمع كلها تقريباً على أن المعادلة تغيرت الآن، والأردنيون -كما شرح النائب عطية والشيخ بن ارشيد- موحدون تماماً عندما يتعلق الأمر بالقدس والمسجد الأقصى وجوهر الصراع مع اليمين الإسرائيلي.
بطبيعة الحال، يمكن القول بأن المقاومة الفلسطينية فرضت نفسها في عمق إيقاع الزخم الشعبي الفلسطيني، وأصبحت لاعباً أساسياً على الطاولة حتى في قضية القدس، كما ألمح النائب عمر العياصرة، وهذا وضع تموقعي جديد في الخارطة السياسية من المرجح بأن الجانب الرسمي الأردني يلتقط إشاراته مع تكرار هتافات مسيرات الأطراف لكتائب القسام.
الساحة المحلية شهدت تطوراً لافتاً أيضاً في تصدر وحراك الحركة الإسلامية، وتحديداً تحت لافتة الإخوان المسلمين الذين يقودون الآن الزخم الشعبي الأردني في حالة تناظر وتخاطر مع المقاومة الفلسطينية وحركة حماس والمرابطين في المسجد الأقصى.

لافتة الإخوان

بدا واضحاً للجميع أن لافتة الإخوان المسلمين في الأردن، رغم كل الجدل حول رخصتها وشرعيتها القانونية، تحركت وبرزت وظهرت لا بل قادت مبادرات الشارع الأردني في أكثر من موقع، وهي لافتة في حالة اعتصام مفتوح الآن، وتشرف على كثير من النشاطات والفعاليات، ولم يعد صدفة -حسب الشيخ بني ارشيد- أن العلاقة مع السلطات بالنسبة للإخوان المسلمين وقوى المعارضة الوطنية أصبحت أقرب للتوافق، خصوصاً أنه لا خلاف الآن من أي نوع؛ لا على أمن واستقرار المملكة والحفاظ عليهما، ولا على دعم الوصاية الأردنية والهاشمية على المقدسات في القدس، ولا على ضرورة تثبيت صمود الأهل والتضامن معهم في القدس الشريف وفي قطاع غزة.
لافتة الإخوان المسلمين تتحرك الآن بحرية في الشارع الأردني بعد سنوات من الجدل والإقصاء والتهميش، وهذا وضع جديد فرضته إيقاعات جلوس المقاومة على الطاولة، وفرضته احتياجات الحكومة الأردنية لموقف شعبي يستثمر في اللحظة الراهنة لصالح مقاربة جديدة تؤكد اللاءات الملكية الأردنية العلنية في موضوعة القدس.
استراتيجياً وفي إطار البوصلة الأردنية الثابتة وموقف المزاج الشعبي الأردني الذي اختلط فيه وفي تعبيراته علم الأردن بالعلم الفلسطيني وأحرقت فيه إعلام العدو الإسرائيلي، ثمة مستجد لا يمكن إسقاطه من الحسابات السياسية الاستراتيجية، فالزخم الشعبي الأردني يضغط على الحكومة باتخاذ إجراءات ضد العدو المحتل، والإجراءات في طريقها للتمحيص والدراسة وفقاً لبوصلة المصالح. ومركز القرار في الدولة والأجهزة الأمنية لا يعارضان تعبير الأردنيين عن موقفهم؛ لأن أي معارضة هنا كما المعتاد والمألوف في ظل أزمة معيشية حادة وإحباط سياسي عام، ستكون فاتورتها كبيرة على الوضع الداخلي الأردني. ثمة معطيات تتغير في هذا الاتجاه وبشكل متدحرج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى