اراء و مقالات

الأردن وسجل «المفارقة القديمة»: زواج قسري مع «السلطة» وعلاقة «عن بعد» ومداعبة موسمية لحماس

عمان – «القدس العربي» : حتى الآن لا جديد على الملف الغائب الحاضر بعنوان حركة حماس مقابل المعادلة الأردنية. قبل أسابيع وفي ظل المستجدات الإقليمية، وصلت ملاحظة إلى مكتب رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، تقترح لا بل تنصح بالتواصل بأي طريقة مع القيادي في حركة حماس الشيخ إسماعيل هنية، ولو من باب المجاملة.
تلك الملحوظة كان لها علاقة بتأكيد للمرة الثانية من جهة الشيخ هنية نفسه، لرغبته بزيارة عمان ولقاء أهلها بصيغة رسمية يمكن أن تكون سياسية ويتخللها لقاء مع رئيس الوزراء. مصدر الملحوظة أحد السياسيين الأصدقاء للحكومة الأردنية. ولم يعرف بعد مصير تلك الملحوظة، لكن الانطباع حتى اللحظة يشير إلى أن عمان حكومياً تحتفظ بموقفها من كلفة وفاتورة أي تواصل مع حركة حماس، على الرغم من كل ما يقال عن مصالح الأردن وانقلاب إسرائيل على المصالح الأردنية للعليا، وعلى الرغم من كل ما يقال عن مستجدات المشهد الداخلي الفلسطيني حيث تجلس حركة حماس على الطاولة وبقوة، وأيضاً على الرغم مما يقترحه كثيرون في الشارع الأردني دون رؤية علاقة ما من أي نوع خارج الطابع الإنساني مع قادة المقاومة الفلسطينية، أو على رأي السياسي مروان الفاعوري، مع ممثلي نصف الشعب الفلسطيني، في ظل الاستنزاف للقدرات والطاقات الأردنية الذي تمارسه السلطات على أساس تفعيل وتنشيط وإبقاء وصمود وصلابة العلاقة مع السلطة الفلسطينية.
في آخر محطة بين عمان وحركة حماس، ثمة موافقة ضمنية وبمعيار أمني على الأرجح وسياسي على حضور قادة الحركة إلى عمان للمشاركة في تشييع جثمان القيادي البارز والراحل المهندس إبراهيم غوشة.
حضر الشيخ إسماعيل هنية وحضرت نخبة من قيادات حركة حماس، لكن الحرص كان كبيراً من القيادي خالد مشعل وهنية ورفاقهما على عدم مخالفة أي بروتوكول أو ملاحظات بهذه الزيارة وردت بسبب هذه الزيارة من جهة الحكومة الأردنية.
وهنا حصرياً، رفض قادة حماس حتى تلبية دعوات شخصية خلال أيام قليلة قضوها في العاصمة عمان، لا بل اعتذروا لرفاق لهم سواء في التيار الإسلامي الأردني أو حتى من الشخصيات السياسية الأردنية عن تنظيم أي لقاء تناقش فيه أي قضايا. لكن الأمور لا تنضبط؛ فأثناء تشييع جثمان الراحل غوشة كانت الهتافات خارج المسجد وهي تستقبل الجثمان قوية وصارخة وخارج نطاق مسؤولية حركة حماس باسم جموع من المواطنين الأردنيين كانت تهدف للمقاومة.
كانت تلك ملاحظة أكبر من أي إمكانية لإنكارها أو تجاهلها، لكن الحكومة الأردنية تجاهلتها مجدداً، وما يسمع من مقربين من رئيس الوزراء على الأقل أن الباب قد يفتح لاحقاً لتواصل سياسي محدود مع بعض قادة حماس، وإن كانت المسألة مرتبطة بالحسابات الإقليمية.

التواصل السياسي

وعندما لاحظ القيادي مشعل تحديداً وهو يستقبل في إسطنبول نخبة من الشخصيات الأردنية الوطنية بحضور «القدس العربي» أنه يحاول فهم ما الذي يمنع الشقيق الأردني من التواصل السياسي وحتى الاستثمار فيه كورقة سياسية، كان يصر على أن «الأخوة في الأردن الأقرب لنا، ونحن معنيون بكل تفاصيل المصالح الأردنية الحيوية والأساسية لا بل بالأمن والاستقرار الاجتماعي في الأردن». ثم سأل أحد الحضور عن مفارقة الاستثمار السياسي حيث تقيم دولة ضد الحركة مثل مصر علاقات واتصالات وأحياناً تنسيقات، وتستقبل قادة المقاومة وتحادثهم، فيما لا تفعل عمان، مع أن القاهرة تستفيد من الأمر.
تلك طبعاً كانت مفارقة، لكن الرد في الإفصاحات والشروحات التي يتقدم بها لاعب سياسي محنك دبلوماسياً لديه خبرة واسعة ومطلعة على تفاصيل الملف مثل الدكتور الخصاونة رئيس الوزراء، يؤشر -حسب مقربين منه- إلى مقاربة تختلف عما تستطيع دولة كبيرة في الحجم والتأثير والجغرافيا والتاريخ والكثافة البشرية مثل مصر ليس بالضرورة أن تستطيعه دولة مثل الأردن، فالحسابات مختلفة وقد تتباين هنا. ومستوى الاقتراب من كل تفاصيل القضية الفلسطينية عند دولة مثل الأردن هي أكبر بكثير من مستوى الاقتراب المصري أو غيره من التفاصيل، حيث الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ والإقليم تفرض نوعاً من التوازن في إدارة مصالح الأردن.
لكن في المقابل، لا يوجد عداء تجاه حركة حماس على الأقل في المؤسسات البيروقراطية والسياسية الأردنية هذه الأيام، وثمة إشارات رأى قياديون في الحركة أنها إيجابية، صدرت مؤخراً ويمكن الاستمرار في تأمل وتمني أن يراكم عليها.
من بين ذلك، الموافقة على تقديم بعض الباحثين المقربين من حركة حماس بوضوح وعلنية من أوراق عمل خلال الندوات رخصت في عمان، وبينها طبعاً السماح باستقبال قيادات في الحركة وبعض أبنائها لأسباب إنسانية، وبينها وقف التحقيق مع بعض الأشخاص الموقوفين بتهمة التخابر مع حزب غير مرخص، والمقصود هو حركة حماس، ومن بينها أيضاً -وقد يكون أهمها- تبادل المعلومات وتقديرات أمنية الطابع بين الحين والآخر والإصغاء.

حماس – الأردن

الملف لا يزال في المستوى الأمني ولم يتطور بعد إلى مستوى الاشتباك السياسي، فالقيود موجودة ومتاحة وبكثرة بين الحين والآخر، وحماس لا تفقد الأمل في أن ترى قريباً قياداتها في إطار مباحثات رسمية مع مسؤولين أردنيين كبار وبصورة مباشرة، خصوصاً أن القنوات الأمنية الأردنية تميزت وباحتراف عندما تواصلت مع الشيخ هنية وبعض رفاقه إثر معركة سيف القدس، ولو من باب الحرص على التقديم والاستمرار في تقديم المساعدة الأردنية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث المستشفى التابع للقوات المسلحة الأردنية هو عنوان الاطمئنان؛ لأن العلاقات يمكن أن تتطور في المستقبل.
وهو كلام سمعته «القدس العربي» مباشرة من خالد مشعل وإسماعيل هنية في عدة مناسبات، لأن الخدمات التي تقدمها المؤسسة العسكرية الأردنية عبر المستشفيات الميدانية في غزة جليلة ومقدرة وتحدث فارقاً في تقديم الرعاية للبسطاء والمحاصرين من أبناء القطاع.
تلك مسألة تحسبها مؤسسات حماس لصالح الدولة الأردنية، لكن على المستوى الداخلي يطالب كثيرون، ومن بينهم القطب البرلماني خليل عطية وزميله صالح العرموطي وغيرهما، بأن تتطور هذه العلاقة لا على أساس بقاء التحالف والبيض الأردني في سلة السلطة الفلسطينية فحسب، بل أيضاً على أساس سياسي مصالحي براغماتي هذه الأيام؛ لأن المقاومة التي تمثلها حماس يمكن التواصل مع جناحها السياسي على اعتبار أنها تجلس اليوم وبقوة على الطاولة، مما قد يحتم ولو نسبياً، تجاوز حالة «العلاقة عن بعد» والملامسة والتوازن قياساً بعلاقة الزواج الإجباري مع السلطة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى