اراء و مقالات

الأردن: لماذا «الاستدراك»؟… معاناة مع «الشريك العربي المتقلب» ومزيد من الرسائل للإيرانيين

عمان – «القدس العربي» : واضح تماماً من التصريحات الأخيرة التي تقلص من اهتمام المملكة الأردنية الهاشمية بمقترحات لها علاقة بتأسيس حلف ناتو شرق أوسطي جديد، والتي صدرت على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي مؤخراً، بأن عمان تقصدت مجدداً أن تعيد إنتاج الموقف لتخفيف حدة الحماسة الإيرانية حصرياً ضد المصالح الأردنية، ولتصويب توضيحات وشروحات التقطت بطريقة خارج سياقها إلى حد ما في الوقت الذي يسترسل فيه مطبخ القرار الأردني في لفت النظر مجدداً إلى أنه لم يغادر منطقة الحرص على عدم التورط إطلاقاً بسياسة المحاور العسكرية في المنطقة، لا بل يدعم -وهو ما ورد على لسان الملك عبد الله الثاني عدة مرات- سياسة التعاون وتحديد الأولويات والاحتياجات بين دول المنطقة.
الحديث عن حماسة الأردن لأفكار لها علاقة بحلف الناتو شرق أوسطي جديد شغل الأوساط السياسية ليس محلياً فقط. لكن على المستوى الإقليمي أيضاً، خصوصاً أن الانطباع تكرس بعد ما فهمت تصريحات أردنية خارج سياقها بأن حلف الناتو المشار إليه في طريقه للتأسيس، مع أن الرسائل التي وردت من المؤسسة العسكرية الأمريكية حصرياً اعتبرت بأن المطروح على الطاولة اليوم ليس تأسيس أحلاف عسكرية جديدة، لكن وضع خطط دفاعية لها علاقة بالأمن الحدودي وبمراقبة المسيرات إذا ما استخدمتها جهات إرهابية وبتنسيق خطط دفاعية ليس أكثر ولا أقل.
لكن الحيثيات تراكمت في هذا السياق حصرياً خلال الساعات والأيام القليلة الماضية.
وبدا واضحاً أن الأردن يعيد مراجعة موقفه من هذه المسألة بعدما رشحت معطيات تشير إلى أنها؛ أولاً لن تطرح على طاولة لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بزعماء المنطقة قريباً، وثانياً يبدو أن المعسكر العربي الذي يحاول الأردن البقاء في حضنه أو عند أقرب مسافة منه بشكل عام ليس متحمساً لمواجهة عسكرية علنية بهذا المعنى مع الإيرانيين، وليس متحمساً بالرغم من فعاليات السلام الإبراهيمي التي حذر منها الأردن عدة مرات في الماضي القريب للتعامل مع الملف الإيراني تماماً وفق الأجندة الإسرائيلية خلافاً لأن الحضن العربي نفسه يعاني من التقلب، الأمر الذي يربك توجهات عمان أحياناً.

خلف الكواليس

عمان كانت قد نبهت خلف الستارة والكواليس لكثير من التحفظات وهي تحاول تسليط الضوء مجدداً على ملف القضية الفلسطينية قبل بقية الملفات، بدلالة ما قاله الملك عبد الله الثاني علناً قبل زيارته الأخيرة للولايات المتحدة منذ عدة أيام، وهو يؤكد بأن القضية الأولى بالنسبة للشعب الأردني ولقيادته هي القضية الفلسطينية، ولا يوجد أي قضية أهم منها.
ويعني ذلك بوضوح أن الأردن يحدد الاحتياجات والبوصلة على أساس أولويات لا تزال القضية الفلسطينية على رأسها، بمعنى أن تحجيم نفوذ إيران في المنطقة ومشروعها النووي على الأقل ليس في نطاق الاهتمام الأردني.
وبالتالي، لا تتفاعل عمان مع أفكار وصفت خلف الستارة والكواليس بأنها انتحارية أو انتهازية من الجانب الإسرائيلي الذي يعتبر الطرف الوحيد الذي يوتر ويؤزم الأجواء تحت العنوان الإيراني في المنطقة الآن.
لكن خلف الستارة والكواليس أيضاً معطيات تشير إلى أن دولاً شريكة للأردن، لا يبدو أنها متحمسة للتصعيد العسكري في مواجهة الإيرانيين على الأقل في هذه المرحلة، مع قناعتها بأن منظومة الدول الخليجية ستدفع وحدها ثمن أي مغامرة أو مجازفة عسكرية يشارك فيها حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة إلى جانب إسرائيل.

هدف الاستدراك؟

ومن هنا برزت التوضيحات الدبلوماسية الأردنية التي قالت بالنص إن مسألة انضمام الدول العربية إلى إسرائيل في تحالف ناتو جديد ليست مطروحة ولم يطرحها أحد ولا حتى أي من مسؤولي الإدارة الأمريكية. الهدف من هذا الاستدراك مجدداً إعادة تدوير الزوايا، على حد تعبير وزير الاتصال الأردني الأسبق صخر دودين.
وإعادة تدوير الزوايا هنا يعني بالضرورة أن الأردن يراسل إيرانيين مجدداً على أساس أنه ليس معنياً بالصدام معهم ولا بالتحريض ضدهم، لكن عليهم -كما قال الوزير الصفدي- الانتباه لتلبية احتياجات الدول العربية ووقف سياسة الاعتداء على مصالح الدول العربية أو المساس بمصالح الدول المجاورة.
وتلك كانت في العادة العبارات التي يقولها الصفدي وغيره من المسؤولين تجاه طهران، لكن الظروف والاعتبارات يبدو أنها مختلطة الآن، والوزن الإقليمي لبلد مثل الأردن مرهون بعدة تقاطعات وتعاكسات تؤثر على الدور والوظيفة، وبالنتيجة على المصالح. وبدا واضحاً للجميع أن الشارع الأردني ابتداء من حزب جبهة العمل الإسلامي أكبر أحزاب المعارضة ومعه نخبة واسعة من طبقة رجال الدولة الأردنية كانوا ضد أي مشاكل تنتج عملاً عسكرياً أو تحريضياً عسكرياً ضد الإيرانيين على اعتبار أن مصالح الأردن في بلدين مجاورين كبيرين، هما سوريا والعراق، في حضن الإيــرانيين عـــملياً.
وهذا في حد ذاته ما دفع البوصلة الأردنية لإعادة التركيز مرتين على الأقل في الموضوع الإقليمي السياسي، والسياسي الدولي مؤخراً، على القضية الأساسية المحورية، وهي القضية الفلسطينية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى