اراء و مقالات

الأردن: فانتازيا «لصوص المياه»

أزمة المياه وطنية وكبيرة والبلاد في حالة عطش والملف وضع مؤخرا في حضن التلاعب الإسرائيلي

قد لا تبدو مجرد صدفة لكنها لغز محير بالتأكيد.
تثبت المؤسسة البيروقراطية الأردنية قدراتها الاحترافية، عندما تقرر التحرك فجأة، وإن كان بوقت متأخر وبعد ممارسة أقصى طاقات الصبر وطول النفس على اعتقال من تشاء، وبصرف النظر عن العدد من شريحة النشطاء المتهمين بخدش هيبة الدولة وأحيانا إساءة الأدب.
لكن عندما يتعلق الأمر بوقف نزيف سرقة مخزون المياه تحديدا ثمة من يتباطأ من البيروقراطيين بكل بساطة إلى درجة خذلان الجميع، مع أن طبقة لصوص المياه الجوفية والآبار يعرفها الداني والقاصي.
غريب جدا هذا الأمر فقدرات الأجهزة الأمنية ليست في سياق الشكوك، وتقوم بواجبها بحرفية، وتستطيع خلال دقائق اعتقال اصحاب أسبقيات أم نشطاء وشتامين ومخالفين ومتابعة كل صغيرة وكبيرة لها علاقة بالدفاع عن هيبة الدولة، لكن عندما يتعلق الأمر بسارقي مياه الوطن والناس، ثمة صمت لا يعني بالمحصلة والاستنتاج، إلا أن القرار السياسي وإن شئتم السيادي في الأولى اتخذ، وبشأن المياه لم يتخذ بعد.
السؤال هو: لماذا؟.. ما الذي يمنع حتى اللحظة مؤسسات الدولة من فرض هيبة القانون على مجموعة يقول الخبراء إنها محدودة العدد من تجار المياه في بلد يعاني من العطش، ومؤسساته السياسية والحكومية تضطر حتى تؤمن المياه للشعب للجلوس في حضن العدو الإسرائيلي.
مفارقة أردنية سياسية وبيروقراطية بامتياز لا أحد يفهمها حتى اللحظة.
أذكر ويذكر معي ملايين المشاهدين وزير المياه الذي ظهر على شاشة التلفزيون ليقول بأن مجموعة صغيرة نافذة من الأشخاص تسرق من مياه الدولة سنويا ما قيمته 8 ملايين متر مكعب من المياه الجوفية.
بصراحة سألت مسؤولا مباشرا بعد هذا القرار والاعتراف العلني: من هم هؤلاء؟.. هل اتخذتم إجراءات لتأمين هذه الكمية من المياه المسروقة وإعادتها إلى حضن الخزينة؟
كان الجواب صادما بكل صراحة وعلى شكل إيماءة وهزة بالرأس وعبارة شاردة مبهمة، وبعد أكثر من عام على الإعلان والإقرار تقول «ليس بعد».

أزمة المياه وطنية وكبيرة والبلاد في حالة عطش والملف وضع مؤخرا في حضن التلاعب الإسرائيلي

يكشف مسؤول آخر أمامي بلحظة شفافية أن مسألة سرقة المياه من قبل بعض المتنفذين وخصوصا الجوفية طرحت وتطرح في الاجتماعات السيادية المغلقة، وأن بعض الأمنيين فقط هم الذين يحذرون من السيطرة والانقلاب وإعادة الآبار غير الشرعية إلى حضن الشرعية، خصوصا وأن شاهدا أقسم أمامي بأن بعض لصوص المياه يسيطرون على ما لم يملكوه بموجب القانون ثم يبيعوه لمواطنين والمنشآت السياحية والتجارية، ولبعض المزارع والبيوت دون وجه حق، فيما تعلم وزارة المياه وسلطاتها بذلك وتعرفه بالتفصيل الممل، وهي تقف عاجزة مشلولة ضمن تداعيات مسلسل قرية الفرجة.
لا أحد يمكنه التشكيك بصلابة وقوة ومتانة وقدرة الدولة الأردنية عندما تقرر، لكن السؤال هو متى وكيف وعلى أي أساس وأين تتخذ القرارات، فأزمة المياه وطنية وكبيرة والبلاد في حالة عطش والملف وضع مؤخرا في حضن التلاعب الإسرائيلي، وبالتالي لا أحد يعلم ما هي خلفية وتداعيات ذلك الصمت البيروقراطي المحلي الغريب والمريب، حيث يعلم الجميع بأن السلطات وخلال ساعات فقط وبموجب القانون وذراعه وفورا وبدون كلفة أو نتائج أو تداعيات تستطيع السيطرة على كل قطرات المياه في جوف الأرض.
لكن ذلك لا يحصل فيما لا تشرح الحكومة ووزارة المياه للناس أو للإعلام سبب عدم حصوله وحتى لا نقف عند حدود الاتهام والتساؤل، لا بد من الإشارة لاحتمالية وجود معطيات مقنعة أو معلومات لا يعرفها البسطاء مثلنا خلف هذا اللغز الغريب، فلا أحد يمكنه الاقتناع إطلاقا بأن مواجهة سرقات المياه الجوفية تحديدا يمكن أن تمس بالاستقرار الأمني والاجتماعي.
ولا أحد يمكنه الاقتناع بأن ثلة من النافذين يحفرون الآبار الجوفية ويبيعون المياه بصورة غير شرعية، ويستنزفون الاحتياط الاستراتيجي في جوف الأرض، يمكنهم أن يكونوا أقوى من الحكومة بأي حال.
ويعني ذلك بأن السؤال لا بد من الإجابة عليه، فمن غير المعقول أن شعبا يبحث عن لتر مياه هنا وهناك وينتظر بالشغف المطر ويقلق من سيطرة الإسرائيلي والسوري على حصته، لا بل يشتري المياه من العدو يفترض أن لا يعلم ما الذي يجري في هذا السياق، فكيف تكون مجموعة صغيرة من النافذين ومخالفي القانون مسترخية، وتواصل أعمال نهب المياه هكذا ببساطة وبدون رد فعل إلا إذا كانت الأسباب والخلفيات أعمق مما يعتقد الكثيرون.
المشهد هنا فانتازي بإمتياز. على كل حال نجزم بأن مصداقية الحكومة وفي ملف المياه في حاجة ملحة إلى حزمة إجراءات في إطار القانون، بما في ذلك السماح في بعض المناطق بترخيص آبار جوفية علنا، على أن تباع المياه بإشراف السلطات المختصة.
ثمة إجراءات تحتوي هذه الإشكالية بعيدا عن الصدام الأمني، مع أنه حق هنا حيث ترخيص وتنظيم هذا القطاع، بما يعمم الفائدة المدروسة على أوسع قطاع ممكن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى