اراء و مقالات

«فتية» مخيم جنين «يدحرجون» أيضاً «الكرة» في العمق الأردني: هاجس «الترانسفير» يصعد

عمان ـ «القدس العربي»: دون بقية الأحزاب والتيارات والشخصيات، فقط مجموعة «واتساب» المفعمة بأسماء الشخصيات والتي أسسها الوزير السابق والناشط والإعلامي والسياسي محمد داوودية، التقطت فيما يبدو ما هو جوهري في مسألة الحدث الأخير في مدينة جنين الفلسطينية.
الجوهري عملياً في قياسات حزمة المصالح الوطنية الأردنية العليا تلك المتعارف عليها أو التي لا يمكن الاختلاف معها، هي الألغاز غير المباشرة في حملة اليمين الإسرائيلي العسكرية المنفلتة على مخيم جنين أو على الشعب الفلسطيني الأسير، وفقاً للبيان المشار إليه باسم أكثر من 300 شخصية وطنية أردنية بينها حشد كبير من أصحاب ألقاب الدولة وبصورة نادرة ولأول مرة.
وهنا، ما قدّر الخبراء أنه جوهري ومباشر لا يمكن شموله بفضيلة النكران أو بالأداء السياسي الذي طالبه يوماً سياسي كبير مثل طاهر المصري بوقف إنكار المخاطر، حيث أول ما التقطته مجسات المجموعة التي تفاعلت مع مبادرة داوودية في عمان هو الترانسفير والتهجير وأخطاره على الأمن الوطني الأردني. ذلك بيان أردني لنخبة سياسية واسعة، كثير من رموزها شاركوا في إدارة الدولة في الماضي ويشاركون حالياً.
وما تؤشر إليه بيانات الشخصيات الوطنية عملياً هي تلك الصفحة المسكوت عنها حكومياً ورسمياً في عمان ورام الله حتى اللحظة في الجزء المرتبط بأحداث مخيم جنين، والمقصود طبعاً تحريك أهالي المخيم وتهجيرهم قسراً مجدداً داخل الضفة الغربية، بمعنى الترانسفير المتذاكي الذي يضرب في أول ملامساته طبعاً ودوماً الأمن الوطني الأردني.
في التفاعلات على مجموعة «واتساب» التي شاركت «القدس العربي» فيها في سياق مبادرة داوودية هنا، وهو من الناشطين السياسيين والبارزين المعتدلين، كانت الإشارة واضحة ولا يمكن إنكارها؛ بأن طرد سكان مخيم في الضفة الغربية قسراً هو أقرب إلى خطة واستراتيجية لا علاقة لها بضرب البنية التحتية، كما تزعم إسرائيل للمقاومة في مدينة جنين. وهي بالتأكيد عملية استراتيجية مقصودة وخطرة تتجاوز مسألة تفكيك كتيبة جنين المقاومة.
لأول مرة عملياً وفعلياً، يوقع نخبة من أصحاب الألقاب والأكاديميين وممثلي العشائر الأردنية من شريحة أبناء الدولة وليس من أصحاب الرأي الآخر على بيان فيه من العمق والرسائل ما يكفي تحت عنوان توجيه التحية للملك عبد الله شخصياً وموقفه وثوابته وجهده، برفقة التحذير الذكي من آلة عسكرية إسرائيلية منفلتة تحاول التأسيس لعملية الترانسفير والتهجير.
قد ينطوي شكل ومضمون ومنطوق ذلك البيان على انعكاس لإحساس مراكز القرار في الدولة بمخاطر ما يفعله اليمين الإسرائيلي. المسألة لم تعد أمنية أو مرتبطة بتفكيك مجموعة مقاومة هنا أو هناك بقدر ما هي مرتبطة باستراتيجية أعمق لليمين الإسرائيلي، تعتدي على كل ما هو أردني سواء رسمياً أو شعبياً.
لم يقل بيان الشخصيات الصادر اعتباراً من الثلاثاء والمفتوح للتوقيع بصورة صريحة ومباشرة، إن المنظومة البيروقراطية الأردنية أصبحت مصالحها مرتبطة في المعادلة الفلسطينية سواء رغبت بذلك أم لم ترغب، ومرتبطة وبعمق بمستجدات المشهد الداخلي الفلسطيني وبأولئك الفتية في مخيم جنين، لا بل بمن وراءهم ومن يدعمهم أيضاً.
ولا يوجد ولو مسؤول وسياسي بيروقراطي واحد يمكنه أن يقر بهذه الحقائق والوقائع الجديدة. لكن وجود نخبة من أصحاب الألقاب الوزارية وأعضاء السلطة التشريعية في بيان يدعو إلى مقاربة بمستوى الخطر، مؤشر حيوي على أن قواعد اللعبة تغيرت حتى للنخبة الأردنية، وعلى أن خطاب التسوية السياسي الذي توفي ودفن وتفحمت جثته اليوم أصبح من الخطر جداً السماح له بالبقاء، ما يعني أن الدولة الأردنية مطلوب منها وبإلحاح، وكما قال لـ«القدس العربي» السياسي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة، التصرف على أساس الحقائق التي أظهر بعضها مؤخراً تدحرج الموقف في جنين.
فكرة العياصرة عن الحقائق تشمل التأكد والتوثق من جثة ما يسمى بعملية التسوية. وفي الوقت الذي دفنت فيه اتفاقية أوسلو ستلحقها اتفاقية وادي عربة، ثم التيقن في الحقيقة الثانية المهمة من أن معادلة الطاولة الآن تغيرت أيضاً، فالمقاومة هي الموجودة وهي مصدر الفعل والمناورة والمبادرة. وينصح العياصرة بأن يلتقط الجميع هذه الرسالة بوضوح؛ لأن البقاء في دائرة الغموض والتردد قد ينتهي بإيذاء الوطن والذات.
واحدة من الصدف التي لا يحبها المتعلقون ببقايا عملية التسوية تلك التي تقول إن كل ما جرى من تفاصيل خلال يومي المعركة الإسرائيلية ضد فتية المقاومة في مخيم جنين يتدحرج أيضاً في الأردن، لأن الاحتفاظ بقناعات قديمة أصبح مؤذياً للغاية.
وإذا ما بقي صامداً لفترة قصيرة من الوقت تحت ضغط المجتمع الدولي والمساعدات الأمريكية، فهو يلفظ أنفاسه أو سيلفظها قريباً، كما يقدر العياصرة وغيره من المتابعين. وتدحرج حدث جنين في الحالة الأردنية كما لم يحصل من قبل، وهذه المرة على المستوى الوطني والعشائري والنخبوي وليس في سياق الشعبويات فقط.
وتلك حالة قد لا تعني الكثير الآن على الأقل أردنياً حصراً، لكنها ستعني بالضرورة لاحقاً إذا ما قرر الأردن إدارة مصالحه، وهي حيوية جداً بالمناسبة وأساسية انطلاقاً من التدحرجات المستجدة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى