اراء و مقالات

بعد تهديد بينيت بـ«التعطيش» رسائل بتوقيع ملكي: مشروع «الناقل الوطني» الأردني أول إفلات من مياه إسرائيل

عمان ـ «القدس العربي»: تحت سقف التصعيد الملموس مع إسرائيل والاحتياجات الملحة الناتجة عن الاحتمالات. وتحت ضغط اللحظة الراهنة في العدوان الإسرائيلي، تخرج القيادة المرجعية الأردنية برسائل في غاية الأهمية بعد عصر الثلاثاء الماضي حيث يجتمع الملك بالطاقم الاقتصادي ونخبة من كبار المسؤولين ويوجه مذكرا ببرنامج التحديث الاقتصادي الذي حاولت الحكومة تجاهله عدة مرات باعتباره خطة العمل.

الأهم صدور توجيه مباشر ومرجعي خلال الاجتماع بإحدى الأولويات المستعدة في تطبيق رؤية التحديث الاقتصادي وهي حصرا منح الأولوية وفورا لبرنامج الناقل الوطني الذي ماطلت حكومات متعاقبة في انجازه.
الناقل الوطني هو مشروع مائي كبير فكرته إقامة مركز لتحلية مياه البحر الأحمر في مدينة العقبة ثم نقلها للعاصمة وبقية المدن.
ثمة أمر ملكي مباشر في هذا السياق الآن وتلك رسالة سياسية بامتياز قبل أي اعتبار فني أو مالي آخر. فكرته الرد على الاستفزاز الذي مارسه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينت عندما هدد الأردنيين بالعطش ضمنا.
كان وزير الخارجية أيمن الصفدي قد صرح علنا الأسبوع الماضي بان بلاده لن توقع اتفاقية ما يسمى بالمشروع الإماراتي والقائم على فكرة الحصول على كميات مياه من إسرائيل مقابل كهرباء منتجة بالأردن وبلغ الاستفزاز مراحل متقدمة في عمان لان بينت المصنف بالاعتدال قياسا بنتنياهو سخر من القرار الأردني ضمنيا عندما قال بأن حكومة الأردن تريد ان يعطش شعبها.
لذلك على نحو أو آخر يرد التوجيه المرجعي الجديد على نفتالي بينت.
لكن الأهم ان مشروع الناقل الوطني من العقبة إلى عمان يعتبر سياسيا اليوم على رأس سلم ليس فقط أولويات الحكومة بل حزمة الرد الأردني قبل حالة المراجعة والتفكك من بعض الاتفاقيات الإسرائيلية.
والأهم حزمة الانتقال فورا للعمل على البدائل بمعنى كسر معادلة سبق ان حذر منها أمام «القدس العربي» وعبرها خبير المياه الدولي والمفاوضات الدكتور دريد محاسنة عندما انتبه لعدم جواز بقاء صنبور المياه الأردنية عند الجار الإسرائيلي السيئ.

تدبير البدائل المائية

بالمدلول السياسي نفض الغبار فجأة على مشروع الناقل الوطني يحسم قرارا إستراتيجيا في الأردن عنوانه الانتقال إلى تدبير البدائل المائية وفورا بدلا من الاستسلام لمعادلة إسرائيل في حصص المياه الأردنية علما بأن مشروع الناقل كان قد استبعد عن التنفيذ عدة مرات أما لأسباب بعضها فني أو مالي أو لأسباب مرتبطة باللوبي المناصر وسط النخبة الأردنية لفترة السلام والتعايش الأبدي مع إسرائيل.
وعليه يمكن القول إن مسألة التصعيد مع إسرائيل بعد عدوانها الخطير دخلت في سياق إستراتيجية العمل وان كان بالتدريج، فالأردن يبحث منذ 3 أسابيع عن بديل عن الغاز الإسرائيلي الذي توقف ضخه وحصرا لقطاع صناعة البوتاس في الأردن.
والأردن يقرر نفض الغبار عن مشروع الناقل الوطني وتحلية المياه في عبارة إستراتيجية وصلبة مناكفة للإسرائيليين فكرتها ان الاعتماد عليهم في ملفات حيوية مثل المياه والطاقة بدأ يخضع لمعادلة جديدة قوامها غطاء سياسي ومرجعي لمراجعة كل الاتفاقيات الموقعة مع الإسرائيليين.
تلك على نحو أو آخر نمطية جديدة في التفكير الأردني الإستراتيجي الذي يتجاوب أو يحاول التجاوب مع القناعات المستجدة الراسخة في عمق عقل الدولة الأردنية.
ولحماية هذا الخط الجديد في التفكير ينبغي للمستويات البيروقراطية تحديدا ان تبدأ بالتخلص الإجرائي من تبعية العلاقة التطبيعية وان تظهر قدرا كبيرا من الالتزام بالرؤية الجديدة والالتفاف حولها وتنفيذها بأسرع وقت خضوعا للقرار المرجعي واحتراما للمطالب ومستقبل الشعب الأردني. وهو أمر ثمة من يشك أو يشكك به الآن حيث نشاط مرصود وملحوظ على مستوى اجتهادات نخبوية تحاول إنتاج محددات للحراك المضاد للاتفاقيات مع إسرائيل بحجج وذرائع متعددة، الأمر الذي في حال الانتباه إليه قد يقود إلى معادلات غير مسبوقة قريبا في معادلات خريطة النخب لأن مرحلة الانسحاب قدر الإمكان وبأقل كلفة ممكنة بعد الغضب من التبيعة لإسرائيل في بعض الملفات الأساسية واضح انها بدأت.
والأوضح ان المسألة لا تتعلق بالبداية فقط بل بمراجعة أشمل وأعمق قد تتخذ شكلا سياديا بالمقابل مع الحرص على تجنب الكمائن والمجازفات دون توفر إمكانية للقول بان الأردن ليس بصدد انقلاب جذري على الإسرائيليين، لكنه بصدد التملص ضمن معادلة محسوبة فيها طبعا قدر من المغامرة من سلسلة بروتوكولات واتفاقيات معقدة كان قد أنتجها وصاغها وضغط من أجلها الأمريكيون قبل غيرهم.
ملف المياه أحد أهم تلك المفاصل.
ومعه ملف الغاز والفرصة أصبحت متاحة لأول مرة لرصد الحكومة الأردنية متلبسة بالدفاع عن نفسها وثوابت دولتها بذلك التملص الفني والديمقراطي أملا في ان ينتبه الإسرائيلي والأمريكي ليس فقط لجدية الأردن، ولكن أيضا لان معادلة تهديد مصالح الدولة الأردنية مع الفلسطينيين بالإرهاب والرصاص وترويج سيناريوهات التهجير والفوضى ونقل الصراع أمر ليس من الصنف الذي تبتلعه المؤسسة الأردنية بدون رد فعل.
ذلك برمته جزء من ما كانت قد وصفته «القدس العربي» سابقا بعملية طارئة تحت عنوان إعادة ضبط الإعدادات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى