مقالات وآراء

بريد «الحراك الأردني»: البحث عن «قائد رمز» وعبيدات في طريقه لقبول المهمة و«التغيير» بدلاً من «الإصلاح»

نكهة الإسلاميين يتولاها الفلاحات وغياب «غامض» للمصري وواضح لـ «الإخوان»

 

ساعات قليلة جداً فصلت بين الرسالة التي وصلت بريد مكتب «القدس العربي» من المعارض الأردني المعتدل الشيخ سالم الفلاحات، وبين ظهوره شخصياً ولأول مرة على منصة النقابات المهنية إلى جانب رئيس الوزراء الأسبق والمخضرم أحمد عبيدات على طاولة تتحدث عن ولادة «تجمع التغيير الوطني الأردني».
يمكن ببساطة هنا إدراك الرابط بين الرسالة التي وصلت من الشيخ الفلاحات وتتحدث عن اجتماع لـ70 قيادياً في الحراك بحث ولأول مرة وبصورة مفصلة تشكيل «هيئة قيادية للحراك الشعبي والوطني»، وبين ظهور الرئيس عبيدات شخصياً على منصة باسم التجمع الوطني للتغيير.
الرابط هنا ملموس، فجميع أطراف الحراك المتشتت والمنفلت كانت تنادي طوال الوقت بوجود شخصية وطنية مركزية تحتوي الحراك وتقوده إلى مساحات إنتاجية.

الشيخ الفلاحات، وأمام «القدس العربي»، قال أن عبيدات شخصية مقدرة وقديرة. قبل ذلك، استفتى معارضون وحراكيون المعارض البارز ليث شبيلات، فطالب بالمزيد من الجدية مسانداً الرمزية التي يتمتع بها عبيدات.
عبيدات نفسه وبسجله الحافل في المعارضة، وتحديداً لاتفاقية وادي عربة، يمكن الاستنتاج هنا بأنه «قبل المهمة». ويمكن الاستنتاج بأن عبارة التجمع الوطني للتغيير، بصرف النظر عن ما تثيره من زوابع هنا وهناك، بمثابة المفتاح الحقيقي لتدشين مرحلة جديدة في الشارع الأردني من المرجح أن يحاول عبيدات قيادتها.
حصل ذلك بعد حضور لمرة واحدة شارك فيه عبيدات في لقاء تشاوري في القصر الملكي بمعية أعضاء نادي رؤساء الوزارات السابقين.
المسألة اليتيمة التي نقلت عن ما قاله عبيدات أمام الملك عبد الله الثاني في ذلك اللقاء تمثلت في التأشير على أن قضية التبغ والسجائر تحديداً والمتهم عوني مطيع: «.. أكبر بكثير يا جلالة الملك مما عرض أمام الرأي العام وأكثر خطورة».
بمجرد اعتلاء عبيدات منصة النقابات المهنية، بناء على موعد مسبق ومحدد، ومن أجل إطلاق مشروع التجمع الوطني للتغيير، يمكن القول بأن ما يصفه الفلاحات بمشروع توحيد الحراك في طريقه للولادة وبصيغة تضغط بوضوح وفي مرحلة حساسة على العصب الحيوي للدولة.
ليس سراً أن مؤسسات الدولة الأردنية في العمق تقدر أن الحراك المنفلت والمتطرف أفضل بكثير من حراك منظم تقوده شخصيات بارزة من طبقة رجال الدولة وخبرات مهمة في المجتمع والبنية النقابية والحزبية في المجتمع من النوع المتخصص بحراكات شعبية مؤثرة وعميقة وراشدة.
وليس سراً أن السلطة لا ترحب بعودة رجل من صنف عبيدات إلى الواجهة الإعلامية والوطنية؛ فأول ما قاله الرجل عند الإعلان عن تجمعه الجديد هو إسقاط اتفاقيتي وادي عربة والغاز الإسرائيلي المسروق. يبدو أن جهة ناشطة في الحراك تمكنت أخيراً، وبعد جهد كبير، من إقناع عبيدات بامتطاء المرحلة وعلى أساس التخلص من الشطط المسموم في الانفعالات الحركية، ووضع برنامج معارض ومناكف يمكن تسويقه على أساس خدمة الدولة والنظام والاستقرار. لكن الدولة تعاني مرحلياً من حجم يكفيها من الضغط الداخلي والخارجي، وقد لا تكون في حاجة إلى خدمات عبيدات وتجمعه، الأمر الذي يفسر مستوى الارتياب الرسمي بالمبادرة الجديدة التي غاب عنها فجأة ودون سبب واضح حتى الآن على الأقل شريك عبيدات الأساسي في المشروع، وهو رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.
المصري تغيب عن لقاء إشهار التجمع الذي كان يتحدث عنه طوال سنوات. وعبيدات أعلن بأن شريكه المصري تغيب قسراً لأسباب صحية خاصة، لكن تلك قد لا تكون الرواية الدقيقة لمسار الأحداث، خصوصاً وأن المصري هو الذي أجل منذ أسبوعين فعالية إشهار التجمع، وهو الذي قرر اختيار النقابات المهنية للإشهار، وهو الذي تقصد إبعاد التجمع عن بعض الشخصيات المثيرة للجدل قبل غيابه المفاجئ والقسري.
لوحظ بوضوح، وكما رصد المحلل السياسي اليساري اللامع أسامة الرنتيسي، وجود حزب يساري وقومي واحد في الحفل وغياب واضح لحزب جبهة العمل الإسلامي التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
لوحظ أيضاً أن النكهة الإسلامية في التجمع بقيت على مقدار حصة حزب الشراكة والإنقاذ برمزية مؤسسه الشيخ سالم الفلاحات. رسائل التجمع الملغومة لم تتضح بعد للعموم، والأسئلة أثيرت مبكراً بعنوان غياب المصري والإخوان المسلمين وأربعة على الأقل من أحزاب اليسار الكبيرة، وكذلك بعنوان «التغيير» بدلاً من «الإصلاح».
حصل ذلك في الوقت الذي أبلغ به البريد الإلكتروني للشيخ سالم الفلاحات «القدس العربي» بأن 70 قيادياً في الحراك أقسموا على الترفع عن المغانم والتزاحم على المغارم وعلى توحيد جميع صيغ العمل الوطني وعلى ميثاق شرف للحراكيين.
تلك أفكار جديدة تماماً لم تختبرها السلطات الأمنية سابقاً، ونوقشت في منزل الناشط والنقابي الدكتور سامي الخوالدة وبالتزامن – وهذا الأهم – مع تمهيد الأرض أمام مبادرات وشراكات تحاول الاستثمار في رمزية الرئيس عبيدات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى