اراء و مقالات

نواقص «أردنية» في مسار التحديث والتمكين والإصلاح الإداري

عمان- «القدس العربي»: توحيد مسارات تحديث المنظومة والتمكين في الأردن، يأتي بالتوازي مع ورشة عمل عاصفة على مستوى كل المؤسسات وبالعنوان الأعرض، وهو المئوية الثانية للدولة الأردنية.
ما الذي تعنيه هذه العبارات التي بدأت تتردد على لسان كل الساسة والوزراء والمسؤولين في الأردن؟
خلال ساعات فقط مضت، تدخل الحكومة الأردنية وبقوة محور الاشتباك عبر سلسلة من التصريحات لبعض رموزها التي تؤكد ما كانت توقعته “القدس العربي” مرات عدة في الأسابيع القليلة الماضية، بعنوان الدور المحوري للتحولات التي ستنجز على أكثر من صعيد في العام 2023.
العام 2023 هو عام التحول في تنفيذ تلك الخطط المعلنة والتي حظيت بإجماعين، كما لاحظ مبكراً أثناء نقاش على بعض التفاصيل رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.
الاجماع الأول عبر سلسلة توافقات “داخل الدولة” وأفرعها وأجنحتها.
والثاني في صفوف نخبة أعرض قليلاً من ممثلي المكونات الاجتماعية والتكنوقراطية.
مجموعة من الوثائق موجودة الآن وتميزت في ثلاثة أنماط من الإرادات، الأول هو الإرادة السياسية بدلالة النص على تلازم المسارات الثلاثة، ليس فقط في خطاب العرش الملكي الأخير أثناء افتتاح الدورة العادية للبرلمان، ولكن في كل أدبيات الملك عبد الله الثاني شخصياً، سواء التوجيهية داخل بلاده أو التي تشرح بعض الخطوط العامة والأساسية في الخارج، وحتى أثناء اللقاءات الدولية.
الإرادة الثانية كانت على الأرجح هي إرادة التوافق بين النخب، حيث قطاعات كبيرة من الخبراء وممثلي التيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اشتغلت في ورشة عمل مكثفة طول العام 2022 وأنتجت الوثائق الثلاث المرتبطة بتحديث المنظومة السياسية والاستعداد لمرحلة إدارة الأحزاب للمشهد البرلماني، ولاحقاً الحكومي، وورشة عمل التمكين الاقتصادي، ثم لجان انشغلت بهموم الإصلاح الإداري وخرجت بتوصيات جريئة إلى حد ما.
ما الذي يعنيه كل ذلك بصورة مباشرة؟
هذا هو السؤال الذي ينتظر الأردنيون بشغف إجابة وافية عليه، خصوصاً أن عملية جراحية ضخمة من هذا النوع تتطلب خططاً تنفيذية على الأرض يصر القصر الملكي عليها وبصورة علنية، خطوة قد تنطوي -برأي التيار المحافظ ومواقع القرار الكلاسيكي في النخبة والأوساط السياسية وفي دوائر صناعة القرار- على مجازفات أو خطوات غير محسوبة.
لكن الحديث عن الخوف والتردد تقريباً انتهى على مستوى دوائر المؤسسات، ولا مجال للتراجع، والجميع يتحدث بنفس اللهجة اليوم تقريباً على المستوى الوزاري وعلى مستوى النخبة السياسية، وفقاً للقياس الذي اقترحه يوماً الوزير السابق والرئيس الحالي للهيئة المستقلة للانتخابات موسى المعايطة، وهو يصر على أنه آن أوان طي الصفحة وفتح صفحة جديدة والمضي قدماً إلى الأمام.
ثمة مؤشرات قوية اليوم في المشهد السياسي والنخبوي الأردني بالقياس تؤكد أن الوثائق الثلاث المرجعية هي الأساس.
وقد لمست “القدس العربي” هذا الخطاب من نقاش مفصل مع رئيس مجلس النواب الجديد أحمد الصفدي، الذي اعتبر التوجيهات الملكية للجميع واضحة ولا مجال للاجتهاد خلف أو وراء النص، واعتبر تلازم المسارات جزءاً من عملية وطنية شاملة تحظى بالرعاية المرجعية، وإنه على بقية المؤسسات بما فيها مؤسسة مجلس النواب أن تقوم الآن بدورها وواجبها. وهو أمر -برأي الصفدي، طبعاً- يتطلب ليس فقط التحضيرات والارتقاء إلى مستوى الرؤية التي تم التوافق عليها وحظيت بإرادة سياسية، ولكن الانشغال بالتفاصيل وترتيب الأوراق ومأسسة العمل البرلماني نفسه.
طموح الصفدي ينتقل إلى مستوى تهيئة أرضية مجلس النواب والعمل اللجاني وقطاعات التشريع والنقابة للمرحلة التي وصفها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول بعنوان التمهيد لإجراء انتخابات حزبية في المستقبل القريب، ومعنى ذلك أن البرلمان ينبغي أن يهيئ نفسه.
لكن على الجبهة الوزارية ثمة خلية عمل ونشاط تعمل بإيقاع متسارع وواضح الملامح، وقد أعلن الوزير الشبول الناطق الرسمي باسم الحكومة مجدداً عن تلازم المسارات وعن حرص الحكومة على القيام بواجبها في إطار هذا التلازم ما بين التحديث والتمكين والإصلاح الإداري، وفي الوقت نفسه لاحظ الجميع بأن وزيراً بارزاً في الحكومة، هو وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية وجيه العزايزة، تحدث أيضاً عن تلازم المسارات الثلاثة وعن ارتباط فكرتها بمئوية الدولة الأردنية الجديدة والتوجيهات الملكية، ولكن كان حديث العزايزة هنا هو في كلية الدفاع ومع نخبة من الخبراء والأهم من العسكريين.
المعنى من هذه الدلالات واضح؛ فحكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة لديها تكليفات وتوجيهات واضحة الملامح عندما يتعلق الأمر بتلازم المسارات، وورشة العمل في الأردن منشغلة وبنشاط في التفاصيل الآن.
وما يبدو عليه الأمر هو أن الوثائق الثلاث تحظى بإرادة سياسية هذه المرة، لكن غير الواضح بعد مقدار انسجام والتزام البنية والمنظومة البيروقراطية خصوصاً على صعيد العقيدة الإدارية التي كانت في الماضي، والعقيدة الأمنية التي استقرت لنحو نصف قرن وتظهر مرونة حيوية الآن.
ثمة نواقص في المشهد لا يستعجلها الرأي العام، وثمة تراجع في ملف الحريات العامة، وثمة رسائل من التيارات المحافظة في المجتمع تعارض مساري التحديث والتمكين أو تتحفظ عليهما.
لكن كل ذلك عملياً متوقع، ويبدو أن العملية مستمرة، وينشط الطاقم الوزاري للخصاونة في قول ذلك مؤخراً وبكل اللهجات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى