اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن يسأل: لماذا تحدثت الملكة رانيا؟.. «رسالة حارة» تكشف بؤس الطاقم والأدوات

اشتباك إلى الأمام وغطاء من الدولة العميقة وعتاب لضمان الدستور

 

 تبدو القصة أبعد وأعمق مما تظهر على سطح الحدث. ثمة أسباب بالتأكيد دفعت شخصية من وزن الملكة رانيا العبد الله للتحدث علناً ومن القلب وبشكل جريء جداً يشتبك مع كل التفاصيل التي تقال أو تحاك ضدها وضد دورها في الداخل.
صعب جداً سياسياً تخيل أن رسالة نوعية وصريحة إلى حد صادم من نوع تلك التي صدرت بتوقيع الملكة شخصياً، أمس الخميس، خطوة يمكن أن تبرز دون ضوء أخضر مرجعي أو دون توافقات وغطاء من مؤسسات الدولة العميقة.
الأهم سياسياً وإعلامياً هذه المرة أن اللحظة التي تقرر الملكة شخصياً فيها الاشتباك والرد على التقولات وما تسميه الافتراءات تكشف ضمنياً بأن الرهان المرجعي على أن تقوم الحكومة بهذه المهمة يسقط في الاختبار. يسقط أيضاً في الاختبار طاقم وجهاز كامل يعمل في المؤسسات السيادية أو حتى في الديوان الملكي أو في مكتب الملكة أو في مؤسسات لها علاقة بمبادراتها الاجتماعية. والانطباع هنا واضح بأن الملكة الأردنية، على أقل تعديل، قدرت بأن كل الطاقم الذي يدير شؤون مبادراتها لا يقوم بما ينبغي أن يقوم به في الرد والشرح والتعقيب والتوضيح، الأمر الذي دفعها هي شخصياً للحسم ومغادرة الصمت وعلى أقل تقدير قول كلمتها الختامية من باب طمأنة الأردنيين على «الاحتكام الدستوري».
ليس سراً على الإطلاق هنا أن دور الملكة وبعض مبادراتها والمؤسسات التي تحمل اسمها كان مثاراً للجدل، وبصورة أكثر من المألوف في العامين الأخيرين. وفي البرلمان سأل العام الماضي النائب غازي الهواملة عن دور الملكة في ظل الدستور.
وفي البرلمان أيضاً، وقبل أشهر، وجه القطب الإسلامي نقيب المحامين الأسبق، صالح العرموطي، سؤالاً حول هوية معهد تدريبي للمعلمين يحمل اسم الملكة. لاحقاً، وفي مشهد شهير، أجابت الملكة علناً على سؤال العرموطي، فتقبل الرجل الإجابة وشكر الملكة، لكنه أبلغ «القدس العربي» بأن السياق الدستوري ينبغي أن يحسم المسألة، مشيراً إلى أنه لا يزال في انتظار أن تجيب الحكومة، انطلاقاً من وظيفتها وواجبها، على سؤاله الدستوري.

لاحقاً أيضاً، وقبل أيام، استضافت أكاديمية الملكة لتدريب المعلمين العرموطي نفسه حتى تشرح له كل ما يريده. كانت تلك خطوة متأخرة من إدارة الأكاديمية، لكنها في الاتجاه الصحيح، ليس لأن ملف الأكاديمية طرح في عمق النقاش والمعلمين وإضرابهم مؤخراً، ولكن لأن نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة ظهر علناً على شاشة تلفزيون يعبر عن خشيته من أن تبتلع الأكاديمية صلاحيات وزارة التربية والتعليم.
والنقطة الأخيرة هي طمأنة الملكة، في رسالتها المثيرة جداً على الرأي العام، على أساس عدم وجود نوايا لابتلاع وزارة التربية والتعليم أو غيرها، وعلى أساس أن كل ما يتعلق بمبادرات التعليم تم ونضج وولد تحت سقف الوزارة.
وليس سراً في المقابل أن سؤالاً بدأ الأردنيون يطرحونه مؤخراً، حيث لا أدوار دستورية منصوصاً عليها للملكة بعنوان «كيف انحرف نقاش إضراب المعلمين فجأة باتجاه مبادرات لها علاقة بالملكة في التعليم».
يبقى ذلك من أسرار المرحلة. لكن الأهم اليوم أن الأردني يواجه، ولأول مرة منذ تاريخ تأسيس المملكة، رسالة باسم المحبة والعتاب صادرة عن ملكة وتشرح، لا بل ترد على الاتهامات بدقة وحرفية عالية وتشتبك، بحيث تتهم من جهتها أيضاً، خصوصاً عندما تعلق الأمر بحديث رسالة الملكة عن الراغبين باستعراض عضلاتهم أو بالبطولات الزائفة أو بالمساس بسيد البلاد عبر ذريعة اسمها افتراءات ضد الملكة.
بوضوح شديد، تحدثت رانيا العبد الله كملكة وكأم وزوجة، وقالت أنها في الخمسين من عمرها اليوم، وتقصدت بذكاء واضح التفصيل والتشبيك والقياس في الرد على كل الشائعات وما سمته بـ افتراءات ضدها. ثمة خلفية دفعت الملكة للتصرف بنفسها إزاء حملة شائعات طالت حتى عائلتها الشخصية، ولأول مرة تقر رسالة بتوقيع الملكة بوجود شائعات ومشكلات لا بد من توضيح ملابساتها.
الأهم أن ذلك حصل خلافاً لكل المألوف الأردني، ويعكس إحساس الذرائع صناعة القرار بأن حجم الأزمة والتقولات في الشارع اليوم وصل إلى منسوب من الصعب السكوت عنه.
وبالتالي، منسوب يتطلب أن تتحدث الملكة شخصياً في مشهد جديد ومستجد وغير مألوف يعني الكثير في دلالاته اليوم، وقد يعني أكثر في المرحلة اللاحقة، خصوصاً أن الأردن يعيش أصلاً مرحلياً في منطق الهزات الارتدادية الناتجة عن ضائقة مالية واقتصادية حادة وبوصلة إقليمية ودولية حمالة أوجه واحتمالات.
لماذا قررت الملكة رانيا العبد الله التحدث شخصياً والرد؟ ..هذا السؤال سيبقى عالقاً لفترة قصيرة إلى أن يتصاعد الدخان الملكي الأبيض في اتجاه خطوات داخلية أكثر حزماً وحسماً، وفي وقت وشيك وقريب على الأرجح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى