اراء و مقالات

الأردن مع «عباس» والسلطة: «الاحتياط واجب» لهذه الأسباب… ومع حماس «الاقتراب بتحفظ وحذر»

عمان- «القدس العربي»: لا مناص عموماً من القول بأن المقاربة الأردنية الرسمية الجديدة التي تتمأسس الآن ويلاحظها المراقبون الخبراء وسط بعض التفاصيل خلف الستارة والكواليس هي تلك المقاربة التي تتخذ قراراً بالمتابعة المدروسة في بعض التفاصيل المنسية او المهمشة أردنياً في الماضي لجهة العمق الفلسطيني الداخلي.
ذلك طبعاً بالتوازي مع اندلاع أزمة هوية الإجابة على سؤال بدأت عواصم أوروبية تردده، بالإضافة إلى ترديده من قبل أطراف فاعلة في العاصمة الأمريكية واشنطن. وهو السؤال المرتبط بهوية «خليفة» الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن نمطية التفكير في عمق المطبخ الأردني اختلفت تجاه هذا الملف الآن لسبب واحد ومركزي يهمس به كبار المسؤولين خلف الستارة والكواليس، وعنوانه العريض هو أن «الرئيس الفلسطيني يكبر في سنه وتزداد المتابعة لمواقفه، كما حصل في ألمانيا مؤخراً، فيما لا يوجد لديه أي تصور أو حتى لدى العواصم العربية الشريكة له أي صيغة أو تصور يحدد من هو خليفته؟».
وهنا يلفت مسؤول بارز نظر «القدس العربي» إلى أن المقاربة الجديدة سببها المقارنة بعهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، فعرفات بالنسبة للعواصم العربية التي تميل إليه أو لا تحب التعامل معه أو ترفضه أو تؤمن به كان لديه مسارات «واضحة ومعروفة» في مسألة البديل والخليفة، يعرفه الإسرائيليون والأمريكيون، وتعرفه أوروبا والعواصم العربية، فقد كان الجميع يعرف بأن من سيأتي بعد عرفات هو الرئيس الحالي محمود عباس.
الوضع مرتبك تماماً الآن، فلا يوجد في تقدير غرفة القرار الأردنية خيار متفق عليه بخصوص شخصية فلسطينية محورية من أبناء الضفة الغربية وحركة فتح يرى الجميع أنها مؤهلة لقيادة مرحلة جديدة، الأمر الذي يضع مصالح دول الجوار، وعلى رأسها الأردن ومصر، وسط حقل من الألغام.
إضافة إلى أن لدى الدول العربية المهتمة بالملف الفلسطيني والتي لها مصالح مرتبطة أساساً به مثل مصر والأردن، قناعة بأن الفراغ الأمريكي في قضايا المنطقة والإقليم الآن يمكن أن تسعى دول مثل روسيا والصين للاستثمار فيه، لا بل التسلل عبره بين الحين والآخر، وهو أمر بتقدير مدرسة السياسة الأردنية على الأقل ينطوي على خطورة بالغة ومجازفة قد لا يحمد عقباها أو قد تؤدي إلى خلط الأوراق والمزيد من الارتباك في المنطقة.
وهنا بطبيعة الحال، تبرز المفارقة الثالثة الأهم، حيث الاعتقاد السائد تماماً بأن مستوى الصراع والتجاذب والاستقطاب وصل إلى مرحلة غير مسبوقة داخل بنية تنظيم حركة فتح، مما يهدد الأوضاع المستقرة عموماً في الضفة الغربية. ويزيد من تهديد الملف الفلسطيني في ظل فراغ أمريكي وتراجع الحديث دولياً وإسرائيلياً وأمريكياً عن حل الدولتين وفي ظل حالة الفراغ وغياب أي استثمار من أي صنف في عملية السلام.
وهنا يخشى الأردن اندلاع انتفاضة ثالثة قد تكون مسلحة أو منفلتة، وتخشى مصر انعكاسات انهيار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية على قطاع غزة، لا بل على حدودها مع قطاع غزة، وعلى طبيعة تحالفاتها وقيمتها الاستراتيجية في التعاطي مع القطاع والمقاومة الفلسطينية كورقة سياسية في حضن المصريين، وفقاً للتعبير الذي يستخدمه القيادي في حركة حماس خالد مشعل.
وفي الأثناء، ثمة انطباعات تتكدس بأن مضي الوقت السياسي بدون تطوع الرئيس الفلسطيني عباس لتحديد برنامج له علاقة ببديله أو خليفة محتمل ومقبول وقابل للصمود والنجاح مستقبلاً هو أمر بات يشكل تحدياً بالنسبة لعواصم الجوار مثل القاهرة وعمان، خصوصاً أن الأسماء التي تحيط بالرئيس عباس ويعمل على زيادة حصتها من النفوذ الآن لا تبدو مقبولة ولا معقولة.
وضمن غالبية السياقات ووجودها قد يثير من الانقسام بين الفلسطينيين وحصراً في صفوف حركة فتح أكثر بكثير مما يثير من الانسجام، بمعنى أن الخصام قد يكون نتيجة لخيارات الرئيس الحالية في مسألة خلافته أو لخيارات الإسرائيليين أيضاً بدلاً من الوئام.
وهي وصفة فوضى بامتياز بالنسبة لصناع القرار الأردني، مما دفع باتجاه متابعة كثيفة في بعض تفاصيل المشهد الفلسطيني.
ومن هنا رصدت حوارات تحاول الإجابة عن سؤال لخلافة عباس لأول مرة مع قيادات بارزة في أقطاب حركة فتح، ومن هنا أيضاً تم توسيع الهامش بقيود محددة مع حركة حماس عبر استضافة زعيمها السياسي البارز خالد مشعل في زيارة عائلية، لكنها امتدت سياسياً قليلاً وقد تستمر لثلاثة أسابيع على أن تؤسس لحالة تواصل جديدة لكنها متحفظة.
المعنى من كل هذه التطورات، أن التصورات الأمريكية ثم الأوروبية تضاف إلى بعض مخاوف الأردن ومصر في مسألة ما بعد عباس، والتي تعدّ الآن الشغل الشاغل لمراكز القرار على الأقل في مصر والأردن، ليس من باب المناكفة أو التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي، ولكن من باب الحرص على أن عباس لن تطوى صفحة وجوده ونفوذه وحكمه بحالة فوضى تقترحها وصفاته الحالية خلافاً لأنه فعلاً لم يقدم أي معلومة أو برنامج لأي من الشركاء العرب توحي بأن جميع الأطراف جاهزة لخليفة عباس أو حتى تعرفه أصلاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى