اراء و مقالاتمقالات وآراء

التعايش أصبح “أكثر صعوبة” بين سكان المناصب العليا في أردن اليوم

قد لا يكون لها علاقة مباشرة بأي جدل تثيره تحقيقات الفساد والمقاولات والضريبة في الحالة الأردنية، لكنها استقالة، وبالمعنى البيروقراطي لها دلالات من الصعب انكارها على مستويات من التجاذب بدأت تخترق أكثر من جبهة في الحالة النخبوية وفي سياق العلاقة المتأزمة بين السلطات الثلاث.

الحديث هنا عن استقالة رئيس النيابة العامة  القاضي والقطب القانوني محمد الشريدة والتي تداولها الأردنيون عبر مجموعاتهم والتي لحقت باستقالة القاضي الأبرز اليوم في الجهاز محمد متروك العجارمة.

 قرر القاضي الشريدة احالة نفسه إلى التقاعد في صلاحية خاصة بكبار القضاة حفاظا على استقلالية السلطة القضائية وبعد أربعة أيام من قرار ممثال للقاضي العجارمة. وهو حق قانوني مارسه القاضيان حرصا على مسيرتهما المهنية واستقلالية القضاء والعدالة.

 وكان يمكن لهذه الخطوة أن لا تثير جدلا من أي نوع لأن سلطة القضاء في الأصل غير مرتبطة بفرد أو شخص. لكن القاضي الشريدة يقرر في كتابه للمجلس القضائي إحالة نفسه على التقاعد بسبب ما وصفه بالنص بـ” ظروف استجدت وأسباب يحتفظ بها لنفسه” فيما يختم العجارمة استقالته الذاتية بالآية الكريمة “والله غالب على أمره”.

 تلك صيغة تثير التساؤل عمليا وتظهر وجود خلافات ما وإن كان الجهاز القضائي لديه دوما قدرة كبيرة على الالتزام بالمعايير القانونية ولا يتأثر بمن يشغل المناصب العليا فيه.

في كل حال بدأ بعض المعلقين يتساءلون على المنصات عن سبب تلك الاستقالات وان كان الرأي العام في العادة يحترم سلطة القضاء ويعتبرها ملاذا آمنا ونزيها في المحصلة الوطنية.

من المرجح أن استقالات القضاء حدث لا يخضع بالعادة لأضواء الإعلام.

لكن إعلام اليوم الأردني يتابع في الواقع كل صغيرة وكبيرة، وإحالة قطبين في القضاء نفسيهما إلى التقاعد حدث بالمعنى الوطني أعقب الرسالة الشهيرة التي أظهرت وجود أزمة بين رئيسي سلطتي التشريع والتنفيذ وهما على التوالي المهندس عاطف الطراونة والدكتور عمر الرزاز.

وتواصل الخلافات في العلاقات بين السلطات إظهار بعض عناصر التجاذب. ويزداد الانطباع الوطني العام بأن بقاء التركيبة في المناصب العليا لسلطات الدولة وأجهزتها في وضعها الحالي يبدو صعبا والإحراج الذي تسبب به الطراونة عندما اتهم الحكومة بالتغول على سلطات القضاء تتسع رقعته وتنمو ويساند ذلك حصول استقالات عملية في العادة تكون مكتومة ولا تثير ضجة في هيئات السلطة القضائية التي كانت وبقيت ولا تزال على الأرجح بعيدة عن احتمالات التسييس والتجاذب السياسي.

قد لا تشكل إقالة أي قاض لنفسه بموجب القانون حدثا كبيرا أو مثيرا فيما تبقى استقلالية السلطة القضائية عنصرا للإجماع الوطني لم تخدشه مؤخرا إلا العبارة التي مرت ببساطة في رسالة الطراونة وتحدثت عن تغول سلطة على أخرى.

 لافت جدا هنا أن السلطتين القضائية والتنفيذية تجنبتا التعليق على ما قاله رئيس مجلس النواب.

 لكن لافت أكثر أن الفرصة أصبحت متاحة أكثر للتوقع والتكهن والتجاذب خصوصا وان الحكومة لا تبدو شفافة وواضحة تماما وهي تتعاطي مع أي مستجدات في المشهد المحلي.

 يطالب في الأثناء العشرات من قادة الرأي والمجتمع بوصفة إصلاح وطني شاملة تمنع تداعيات أزمة بين السلطات وتعيد البث في الروح الإيجابية بالمجتمع وتبلغ الرأي العام ضمنيا بأن الفرصة متاحة للتغيير وإنهاء التجاذب والإستقطاب.

 قد لا يبدو ذلك أولوية الآن على الأقل في مستوى القرار الرسمي لكنه قد يصبح أولوية عند الاقتراب أكثر لاحقا من الاستحقاق الانتخابي وبعد الانشغال التام بالوضع الاقتصادي الصعب جراء فيروس كورونا وهو أمر حاول التنبيه له القطب السياسي والبرلماني ممدوح العبادي مجددا الدعوة لاستقلالية السلطات ورص الصفوف.

 لا يعني رص الصفوف الوطنية شيئا محددا الآن إلا إذا تغيرت تلك المعادلة التي تفترض وهما بأن كلفة الإصلاح الحقيقي والتغيير لا تزال أكثر من كلفة من أي اتجاه معاكس.

 لذلك يمكن القول إن المناخ ملائم في ظل كورونا والأزمة الاقتصادية وقبل الانتخابات المقبلة  لإعادة ترتيب الأوراق الوطنية ضمن منهجية تفتح صفحة جديدة وتعيد إحياء مضامين الأوراق الملكية النقاشية وتستعد لانتخابات نظيفة ومهمة قد تنتهي ببث روح إيجابية في أوصال المجتمع.

 يعلم الجميع اليوم أن التعايش بين سكان الطبقات العليا في الوظيفة الآن أصبح صعبا. وأن مواجهة التحديات الأساسية في ظل التركيبة الحالية مسألة أصعب، وعليه يمكن توقع أن حصول تجاذبات في أعلى السلطات الثلاث بصرف النظر عن أهميتها وجدواها وأسبابها مؤشر حيوي على أن لحظة التغيير ان لم تكن تقترب ينبغي لها أن تفعل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى