اراء و مقالات

الأردن: «تكتيك» الدولة و«رفض» الشارع: كيف ولماذا ألهبت عبارة «الدور الوظيفي» المخاوف والنقاشات؟

عمان – «القدس العربي»: الجدل الذي أثارته عبارة شاردة خرجت وأخرجت من سياقها بعنوان الدور أو “الدولة الوظيفية” تحت قبة البرلمان الأردني، يعكس منسوب التوتر والهواجس والمخاوف التي ترتفع أو ارتفعت عند الأردنيين جراء الشغف الكبير بمراقبة أي ترتيبات أو تحضيرات للمشاركة في “مؤتمر النقب 2” المرتبط في وجدان الأردنيين عموماً بما يسمى صفقة القرن بنسختها الأخبث وترتيبات السلام الاقتصادي بدون حل سياسي.
ما يمكن فهمه سياسياً من حالة جدلية استفزازية شهدتها مداولات القبة البرلمانية على هامش نقاشات الميزانية المالية هو أن الجميع حساس ومضطرب، والمخاوف في المستوى القيادي لطبقة رجال الحكم والدولة موجودة كما هي متاحة عند الناس وممثلي الشعب، خصوصاً أن السجال كان قد أثار الجدل بعد وصلة خشنة في الحوار إلى حد ما بين رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي والنائب الإسلامي ينال فريحات.

حساسية الصفدي

وأثارت عبارة “تحويلنا إلى دولة وظيفية توفر الحماية للكيان الإسرائيلي” حساسية رئيس المجلس الصفدي، فصرح بأنه مستعد عندما يتعلق الأمر بسيادة الأردن إلى مخالفة كل الأنظمة الداخلية، فيما شوهد النائب صاحب العبارة ينال فريحات يصرخ على الميكروفون محتداً على فكرة تقويله ما لم يقله، موضحاً أن كلامه هو عن الاستعمار الذي يحرم الأردن من المنعة ويريد تحويله إلى دور وظيفي وليس عن قناعته الشخصية بذلك. وصرخ الفريحات موضحاً: “عبارة الدولة الوظيفية التي قصدتها، ليست إقراراً مني بها”. وقبل ذلك، كان الصفدي يقاطع محتداً، قائلاً بأن أي كلام عن دولة وظيفية أردنية مرفوض ولن يسمح به، ومشيراً إلى أنه لن يقبل الإساءة للبلاد عبر الإيحاء بأن البلد غير مستقل. وكان عضو كتلة الإصلاح الإسلامية صالح العرموطي، يعاتب الصفدي لاحقاً بسبب فهمه الخاطئ لزميله الفريحات، الذي بادر بدوره لنشر حيثيات مداخلته على صفحته التواصلية مستفتياً الرأي العام ما إذا كانت كلماته توحي بما فهمه رئيس المجلس.
في كل حال، أوضح فريحات لاحقاً، واحتوى الصفدي المسألة، لكن ما يوحي به المشهد عموماً هو أن النخب الأردنية في حالة اضطراب مستوى الحساسية ارتفع إلى حد كبير مع التحديات التي يفرضها إيقاع خطة التهدئة الأمريكية تحت عنوان المجاملة الشديدة لليمين الإسرائيلي المتشدد على حساب الشعبين الفلسطيني والأردني.
لا يلام الصفدي على غضبته تحت قبة البرلمان بسبب حساسية الدور والمرحلة، ولا يمكن توجيه اللوم للنائب فريحات لأنه يحذر ضمنياً مما يخطط له الاستعمار. لكن بين تلك الغضبة ومخاوف فريحات مساحة إضافية من الهواجس تعبر اليوم عن ارتباك الجميع، وهو ما شعرت به “القدس العربي” مباشرة أيضاً على ألسنة شخصيات وطنية وخبيرة متعددة شاركتها في فعاليتين بالأسبوع نفسه؛ الأولى ضمن ندوة مغلقة تماماً على مستوى الخبراء في البحر الميت، والثانية في منزل الناشط السياسي ظاهر العمرو بحضور نخبة عريضة من الشخصيات العامة.
المخاوف كانت واحدة، وعنوانها الأساسي أخطار التكيف مع المسار الأمريكي – الإسرائيلي الجديد، وأيضاً أخطار إنكار الأخطار خلافاً لحزمة اجتهادات هنا وهناك تحاول الربط ما بين دور محتمل للأردن وبين فاتورة مصالحه الأساسية والحيوية. واضح تماماً أن الجدال الذي عبرت عنه الملاسنة بين الصفدي وفريحات ما هو إلا انعكاس لحالة أفقية اليوم من التساؤلات، خصوصاً أن الحكومة مع السلطات لا تتحدثان للرأي العام وللأوساط القلقة، ولا تكشفان عما يجري خلف الكواليس من خطط يراها البعض مجرد انخراط في ترتيبات قد تمس الهوية الوطنية الأردنية، مع أن الأردن -برأي الصفدي، كما سمعته “القدس العربي” مرتين، بصورة منفصلة- لديه كل القدرة والإمكانية لتكريس مصالحه وثوابته خلافاً لأنه يدفع اقتصادياً ومالياً كلفة مواقفه السياسية في حماية القدس وحقوق الشعب الفلسطيني. الصفدي قالها عدة مرات في محاولة منه لتبديد المخاوف العامة: “الأردن أقوى دولة في المنطقة”.
ومن الطبيعي أن يؤمن شخص مسؤول في موقعه مثل الصفدي بذلك، لا أن يقوله فقط.
لكن بسبب غياب الرواية الرسمية الصلبة لما يجري خلف الستائر، ثمة فراغات تتسلل منها المخاوف والهواجس التي أثبت المتحاورون في مبادرة العمرو أنها عابرة للمكونات الاجتماعية الأردنية وتشمل الجميع، فالخائفون على حقوق الشعب الفلسطيني خائفون أيضاً على مصالح الدولة الأردنية.

مربط الفرس

والحوار الصاخب بين الأردنيين اليوم الذي تعبر عنه حادثة القبة ثم نقاشات البحر الميت والشخصيات الوطنية، قرينة إضافية ليس فقط على الحيرة والتساؤل والقلق، ولكن أيضاً على سعي النخب الأردنية الوطنية المحموم لإيجاد وسيلة أو تقنية يتوحد فيها الموقف الشعبي مع الرسمي تجاه الاشتباك والمواجهة، مع أن توحيد هذا الموقف قد يكون المهمة الأصعب. والتوحد هنا بين الموقفين، بمعنى التماثل، صعب جداً ومعقد؛ لأن الاعتبارات التي تتحرك فيها وبموجبها ميكانيزمات القرار والموقف السياسي الرسمي مختلفة تماماً عن البيئة التي تسمح شعبياً أو شعبوياً بالاتهام والتشكيك؟
لكن المنطقي وقد قيل ذلك أمام “القدس العربي” من قبل جنرال عسكري متقاعد وخبير، هو البحث عن آلية تضمن للرسمي مساحة مستقلة من التكتيك والتفاعل في البيئة الإقليمية والدولية مقابل الاستفادة من الموقف الرسمي الرافض لكل الترتيبات المريبة واستخدامه كورقة ضغط في الورقة السياسية الدولية.
هنا حصراً مربط الفرس، والأمر قد لا يتعلق فعلاً بعبارة “الدولة الوظيفية” التي تثير الحساسيات مجاناً بكل حال، بقدر ما يتعلق بدولة خبيرة لديها مصالح ومجسات ولا تؤمن بمجازفات، وتستطيع التسلل والعبور بما يحافظ وسط ألغام الخطط والسيناريوهات على ما يمكن الحفاظ عليه وبصيغة تخدم النظام السياسي والشعب الأردني أيضاً على أساس القناعة بأنهما جسم واحد في النهاية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى