اراء و مقالات

الأردن… كيف ننزلق لكمين جديد؟

النجاة يتكفل بها الإصلاح الشمولي الوطني. وحبلها مربوط بالعودة للاحتكام الى الدستور وبتحول ديمقراطي دستوري حقيقي بدون حوارات استعراضية يمكن الاستغناء عنها ولا تفيد ولا تسمن من جوع

أسوأ ما يمكن أن يحصل في المشهد الداخلي الأردني بعد الفتنة إياها ليس دفع كلفة التحجيم والاحتواء بل إصرار بعض المسؤولين ومراكز القوى على النضال من أجل منع دفع هذه الكلفة.
الوطن الأردني في حاجة ملحة إلى التعافي اليوم، فالأحداث التي أعلنت في الثالث من شهر نيسان كبيرة وصادمة حقا ومؤلمة جدا، وتدلل في أهم تجلياتها على شروخات حادة لم تعد اليوم في المجتمع فقط وهذا الأخطر بل يمكن رصدها في المؤسسات أيضا.
التعافي الوطني تماما مثل الشرعية الدستورية له القيمة نفسها والاحتياج له مرحليا ملح جدا، وكما أننا لا نقبل كأردنيين لا من الخارج ولا من الداخل أي صيغة تحاول طرح سؤال الشرعية أصلا، ومن حيث الشكل والمبدأ والمضمون ينبغي أن لا نقبل بالتوازي السماح للتيارات العكسية والقوى المحافظة والآراء المرتجفة وشبكة المصالح والشللية بإعاقة مرحلة التعافي.
في الكثير من الأحيان المواطن الأردني أعقل من حكومته. وفي الكثير من الأحيان يمكن سرد عشرات الحكايات والقصص والسرديات عن تمسك الأردني بهويته ومصلحة ترابه واستعداده للتضحية بكل شيء من أجل وطنه ومؤسساته الدستورية، لا بل من أجل قيادته أيضا، في الوقت الذي يستمر فيه المراهقون في الإدارة وأحيانا في الحكومات المتعاقبة- ولا نتحدث عن الحكومة الحالية- بالضغط الأجوف الذي لا مبرر له وباسم الدولة والولاء المسموم على كل تلك المساحات العصبية المشدودة التي تختص بدورها بهوس وشغف المواطن الأردني لاستعادة يقينه المفقود.
نشتم رائحة مريبة بكل صراحة من بعض مدارس السياسة والإدارة التي تسترسل في تضليل القيادة والناس، وهي تعيق اليوم صحوة مفترضة ويقظة ضرورية جدا بعنوان استعادة التعافي.
بناء تصور من أي نوع بعنوان الإصلاح الاقتصادي والإداري بدون شقيقهما السياسي، خطوة فيها من الجهل وإنكار الواقع الكثير خلافا لأنها عبثية بإمتياز، ومن جهتي على الأقل وبكامل الوعي والمسؤولية اعتبرها خطوة متهمة مسبقا وتحاول التأسيس لفتنة حقيقية لم تحصل بعد.
لا يمكن إنجاز الإصلاح وقطف ثماره بالقطعة والتقسيط. ولا يمكن إلا وسط بعض النخبة الأردنية الإدعاء بأن تطوير القطاع العام وإصلاح الإدارة مهمة يمكن عزلها عن تشريع انتخابات عصري ومنصف، وعن عادات وتقاليد هندسة الانتخابات وتزييفها.

النجاة يتكفل بها الإصلاح الشمولي الوطني. وحبلها مربوط بالعودة للاحتكام الى الدستور وبتحول ديمقراطي دستوري حقيقي بدون حوارات استعراضية يمكن الاستغناء عنها ولا تفيد ولا تسمن من جوع

البرلمان الضعيف المشكوك في شرعيته قبل انتخابه يسحب من رصيد النظام ومن يعبث بالانتخابات أو يحاول إعاقة الإصلاح الانتخابي تحت أي مسوغ وفي أي وقت إما جاهل أو جاحد أو متآمر، فلا حاجة لنا بعد الآن بتلك الوصفات المعلبة التي يجتهد بعض القوم فيها للحفاظ على امتيازاتهم الشخصية تحت عنوان، أنجزنا الإصلاح السياسي، والتركيز سيكون على الإصلاح الاداري والاقتصادي. ذلك عبث ضخم ومقلق سيؤدي إلى تغذية تشنجات التمثيل والتدجيل الداخلي وسيبقي بلادنا تحت مشرحة الإعلام الخارجي ودون مبرر.
سمعت كلاما حساسا في بعض غرف القرار عن صعوبة تحقيق خطوات إصلاح سياسي كبيرة بعد الفتنة الأخيرة ومخططها وبذريعة أن الدولة ينبغي أن لا تظهر بأن الفتنة أضعفتها… مثل هذا الكلام خطأ كبير لأن الفتنة أضعفت المؤسسات والمجتمع حقا لا قولا. ولأن تلك الفتنة هي الدليل الأكبر على حاجتنا الوطنية الملحة لتجنب مثيلاتها مستقبلا.
وهو تجنب غير ممكن إطلاقا بدون إصلاح حقيقي وجذري وعميق يتلازم مع الإصلاح الإداري والاقتصادي حتى لا نشهد المزيد من الفتن، وحتى تتوقف عمليات العبث وألاعيب الخارج والداخل، وحتى نشهد حالة، هرمنا ونحن بانتظارها، عنوانها صدور تصريحات من مسؤولين تدعم وتحمي التحول الديمقراطي الدستوري الوطني الأردني بدلا من الوقوف على محطة دعم التحول الديمقراطي في السودان أو نيكاراغوا.
نتوسل أصحاب القرار في عمان بأن لا يفعلوها ونحذر من كلفتها، فقصة صعوبة إنجاز إصلاح سياسي الآن بعد الفتنة حتى لا تفسر بصورة خاطئة أقرب إلى فرية أو كذبة لا بل أقرب إلى قشرة موز تحت أقدام مؤسساتنا وظيفتها تفعيل الانزلاق مجددا باتجاه كمين جديد.
النجاة يتكفل بها الإصلاح الشمولي الوطني. وحبلها مربوط بالعودة للاحتكام إلى الدستور وبتحول ديمقراطي دستوري حقيقي بدون حوارات استعراضية يمكن الاستغناء عنها ولا تفيد ولا تسمن من جوع.
الفتنة التي حصلت غير مسبوقة باعتراف القاصي والداني، والمجتمع الأردني لم يتعاف منها بعد، وعلى الدولة وبسرعة إظهار المرونة الكافية حتى تتعافى هي أولا من تلك الفتنة ثم تنقل الشعب الأردني إلى بر الأمان.
المواطن لا خيار له خارج مؤسساته ونتمنى أن يبدأ العقلاء والراشدون في النخبة وأروقة القرار بفهم الحقيقة التي تقول إن الدولة الأردنية أيضا في الخيار الاستراتيجي أقوى وأصلب وأهم، وشوكتها كبيرة بواسطة مواطنيها وعبرهم.
المريب حقا ليس من يدعو لإصلاح شامل بل من يزعم بفرض «وصفة» على الدولة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى