اراء و مقالات

سؤال «اللغز الأردني»: لماذا تتشكل «حالة» كلما اقترب «الحل»؟… معارضون «معتزلون» في «الانقضاض»

عمان – «القدس العربي» : ما الذي يميز الجملة المعترضة الجديدة التي يؤسس لها ثلاثي المعارضة الأردنية: ليث شبيلات وأمجد المجالي والدكتور عويدي العبادي، هذه المرة عن غيرها؟
يبدو سؤالاً افتراضياً قبل بقية الاعتراضات.
وفي مقياس السلطة ورجالها ورموزها، لا أحد يريد اقتراح جواب على ذلك السؤال، ليس عجزاً أو ترفعاً، بل انسجاماً مع قواعد الإنكار العامة التي ترى في الشخصيات الثلاثة المشار إليها، حالة كلاسيكية موسمية عاجزة عن تشكيل ما يسميه الساسة الكبار بـ«كتلة حرجة» في المجتمع، تنجح في إخضاع السلطة أو الحكومة، ولاحقاً الدولة ولو جزئياً.
بخصوص المعارضين الثلاثة ومن يلفت نظرهم، لا يزال الاستعراض الجديد على مستوى منصات التواصل التفاعل فردياً وثلاثياً فقط حتى اللحظة، في مقاربة يبدو أنها قابلة للتطور والزحف لتأسيس ما يسميه أحد رموز العمق في عمان بـ«حالة تمنع الحل».
جلست النخبة الأردنية وأحياناً المؤسسة بعدها في عدة محطات مطولاً في هامش الفارق بين «الحل» والتأسيس لـ«حالة شعبوية أو ساخطة أو غاضبة».
ولاحظ الجميع كيف تندفع البوصلة في اتجاه حالة معترضة دوماً كلما برز مشروع لـ«الحل»، حتى وإن كان منطلقاً من رؤية مرجعية.
ثمة من يعتقد دوماً أو يزعم بأن تحريك حالة معترضة تأزيمية وتوتيرية يتم أحياناً من قبل قوى محافظة في الشارع، أو أخرى في الدولة نفسها، لإعاقة أو إعادة تحجيم أي مشروع لحل جذري مثل المشروع الذي ترعاه المؤسسة اليوم بعنوان تحديث المنظومة السياسية، حيث رؤية عميقة وجدية وثاقبة هدفها -في رأي رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، وهو يرد على استفسار مباشر لـ«القدس العربي»- حماية الأردن ومصالح الأردنيين مستقبلاً، وسط تلاطم الأمواج إقليمياً ودولياً. الفايز يرى في التشكيك، بصرف النظر عن مصدره، نمطاً من الاسترخاء في السوداوية والسلبية دون مبرر.
لكن معارضاً وطنياً ومنهجياً وحزبياً مثل الشيخ مراد العضايلة، يرى أن الدولة هي التي تحتاج إلى الإصلاح على أساس أن من يعوقه في الواقع ليس الشعب وليس أحزاب المعارضة، بل مراكز القوى في إطار انقسامات داخلية في البنية الرسمية.
ويعني ذلك أن تقصي التجاذب مسألة قد تصبح مهمة جداً لاحقاً إذا ما أريد التخلص من هوامش الفوارق لخدمة الحل على حساب منع أسباب الحالة. لكن تلك «الحالة» لا بد في تشخيصها وقراءتها بعمق من الوقوف مجدداً أمام تمايز أو تمييز أو حتى تميز المبادرة الثلاثية الطازجة لكل من الشبيلات والعويدي والمجالي، التي من السذاجة السياسية قراءتها دون عمق، وفي سياق الظرف الاقتصادي تحديداً والمعيشي. والأهم في سياق الواقع الدستوري الجديد بعد إفرازات مشروع تحديث المنظومة السياسية، حيث يقر الفايز مجدداً بأن دلالات المشروع لم تشرح جيداً للأردنيين، ويتمسك بقناعته بأن التحول الديمقراطي يحتاج لعدة أجيال إذا ما بدأ الآن هو أن المسألة تربوية واجتماعية وسلوكية بامتياز قبل أي تشريعات أو تعديلات.
«مبادرة» الشبيلات إذا ما جازت التسمية الجديدة، والتي باركها المجالي بصفته رئيساً للجنة المتابعة النشطة بيانياً على الأقل، ثم ساندها علناً العويدي، وهو أحد أعند الحراكيين المعترضين لها، هي ميزة يتيمة مؤثرة، وفيها قدر كبير من التذاكي السياسي، وهو أنها تلقي الضوء على بند واحد في جدول أعمال التحريك الجديد يتمثل في عبارة «استعادة الأموال».
وتصبح تلك العبارة أغلظ وأخشن وأذكى قليلاً عندما تقترن بهدف علني اسمه «الحفاظ على الشرعية وتجديدها»، لكن الرسالة قد توجع أكثر عندما تترافق هذه المبادرة زمنياً مع أزمة اقتصادية طاحنة وحالة جوع وفقر يتحدث عنها الجميع، وهوس اقتصادي وبيروقراطي اسمه «البطالة والوظائف». هنا يصبح الحديث عن استعادة أموال الدولة مغرياً وقابلاً لكل أنماط التسريبات والشائعات.
لكن الدهاء في الطرح يبدأ مع استرسال الإغراء في ظل أزمة مصداقية الخطاب الرسمي مع الناس، وفي ظل الانتهازية التي تحاول الاستثمار في غياب اليقين الاجتماعي، أو تلك التي تحاول التوظيف في مرحلة ما بعد تعديلات دستورية غامضة ولم تختبر سابقاً، وقد يكون أيضاً الأكثر حساسية في ظل حراكات حمالة أوجه تتعاظم تحديداً في البنية القبلية والعشائرية لبعض مراكز القوي التي كانت دوماً في الولاء.
هجوم الشبيلات المكثف على الإخوان المسلمين قبل طرح تلك المبادرة، يعزلهم عنه وعنها، وهو أمر يحتاج إلى التأمل، لا بل قد يشكل بالتحليل فقط وليس بالمعلومة اليقينية حتى الآن نقطة وصل مع الجناح الرسمي المهتم دوماً بإقصاء وتهميش الإسلاميين.
في كل حال، حتى الدكتور العويدي تحدث علناً وهو يؤيد شبيلات عن فوضى رباعية اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية في الطريق.
السؤال يبقى: هل تلك الفوضى مصنوعة أيضاً، وأين ومن سيشارك فيها أو يمتنع عن التصدي لها؟
ذلك حصرياً هو السؤال المحرج الآن، حيث لا مصلحة لأحد لا في الدولة ولا في الشارع الا بالبقاء خلف مساندة المؤسسات، وحيث يظهر للجميع أن القصور الكبير الذي أقر به الفايز وغيره في شرح معطيات تحديث المنظومة للناس، كلفته تزيد مع مرور الوقت وقصور الإنتاجية في المربع الاقتصادي تحديداً.
ليس غريباً أن يتقدم ثلاثي خبير في سياق المناكفة بقيادة شبيلات، بجملة مربكة وفي ظرف دقيق حتى وإن طالها الإنكار الرســمي الموسـمي.
وليس غريباً القول بأن الإنكار نفسه يسترسل، فيما تعود الاعتصامات وتحديداً تلك المتعلقة بالرواتب، إلى عمق بعض المؤسسات والمكاتب، مثل وزارة التربية والتعليم، وصحيفة الدولة الأبرز «الرأي». كما ليس غريباً أن تظهر انتهازية الانقضاض باسم الشعب الأردني على المرحلة ومشروعها، في وقت يصر فيه الكلاسيكيون في القرار ليس على مغادرة الهندسة في الانتخابات، لكن تطويرها بتقنية «البعد الثالث» الرقمية عشية انتخابات البلديات.
الموقف في المشهد المحلي صعب ومعقد.. لذلك، اقتضى التنبيه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى