اراء و مقالات

الأردن يجازف مع «المغامرة السورية»: «تحفيز» وليس «إجبار» الأسد

لا يوجد تحديد وترسيم أردني أو عربي لمقولة “العمل المشترك المتدرج” عندما يتعلق الأمر بما وصفه وزير الخارجية أيمن الصفدي بعد ظهر الخميس بـ “أزمة طالت في سوريا وأنتجت كوارث”.
قبل تصريحه الأخير عشية انعقاد القمة العربية بالرياض، كان الصفدي أحد السياسيين الذين يؤمنون بأن الأزمة السورية تشعبت وبدأت تؤذي الجميع في الإقليم، على أساس القناعة بأن حماية منظومة المصالح الأمنية والاقتصادية الأردنية حصراً تطلبت المبادرة الملكية المعلنة منذ أسابيع قليلة، والتي تقود بالخلاصة إلى رفع الشعار المرتبط بتفكيك الحصار الاقتصادي على الجار السوري.
التدرج في اللغة الدبلوماسية الأردنية يعني أن عمان تفهم مسبقاً بأن الحصار المفروض على سوريا لا يمكن تفكيكه حقاً، لا بمبادرة أردنية ولا بخطة عربية. لكن فهم الأردن يتطور باتجاه عمل منهجي يفكك، على الأقل في المرحلة الأولى وتحت سقف إعادة احتضان النظام السوري ودمجه، التأثيرات التي تنتج عن الحصار على دول الجوار، ومن بينها تركيا ولبنان والأردن بالخصوص.
لذلك، راقب الجميع الصفدي بعد ظهر الخميس وهو يعلن بأن بلاده مثل غيرها؛ لا تستطيع تجاوز العقوبات ضد سوريا، لكن ما يستطيعه النظام العربي ضمناً هنا هو العمل مع المجتمع الدولي لرفع تلك العقوبات ولو بالتدريج. ذلك يؤشر على تصور أو خطة أردنية قيد التنفيذ، من المرجح أنها تغذت على تلك القناعة التي قالها الصفدي شخصياً سابقاً في اجتماعات مع الأمريكيين بصيغة “أسقطوا النظام السوري إن استطعتم”، التي لحقت بها صيغة تقول بأن تداعيات العقوبات على الاقتصاد الأردني لم تعد تحتمل.
بحثت عمان في واشنطن بصراحة ووضوح عن هامش يحررها ولو قليلاً من قانون قيصر الأمريكي. وبعرف خبراء الاقتصاد بمن فيهم النائب الدكتور خير أبو صعليك، أن تطبيقات قانون قيصر ونظام قانون العقوبات تؤذي مصالح الجميع.

وضع كارثي

وفكرة التدرج – برأي الصفدي – تتطلب مرحلة وشيكة من التفاعل، لأن ما سيقدم للأمريكيين والغربيين الذين يواصلون حصار سوريا وتوقفوا عن محاولة إسقاط النظام فيها هو خارطة طريق عربية قائمة على التحفيز، بمعنى استعادة الثقة وتدشين برنامج خطوة مقابل خطوة بغطاء القمة العربية والنظام الرسمي العربي. وضمن المنطق القائل بأن الاستمرار في الوضع الحالي أصبح كارثياً ومستحيلاً ولا يخدم إلا الإرهاب وتجار المخدرات، تفترض الدبلوماسية الأردنية أن قمة الرياض العربية ستقترح وتوصي المجتمع الدولي برفع العقوبات عن سوريا، لكن تحفيز النظام السوري للاشتباك الإيجابي مع طرح من هذا النوع يتطلب ما هو أبعد وأعمق من خطة عربية أو توصية للقمة أو مجرد تحفيز، بل الخوض -على حد تعبير الصفدي- في الاجتماعات بعملية صعبة ومعقدة وتفصيلية لكل ما تراكم في الملف السوري منذ 12 عاماً.
بتقدير المؤسسة الأردنية، تلك عملية مضنية ومجهدة ومعقدة، لكنها ليست مستحيلة. وفي أحد اللقاءات كان الصفدي يشرح “التحرك في الأفق المعقد أفضل من لا شيء”. لذلك، تصدر السؤال وسط الخبراء منذ يومين فقط: تحفيز النظام السوري، من أجل ماذا؟ إقناع المجتمع الغربي الدولي بالتدرج في رفع العقوبات، مقابل ماذا؟ طبعاً، الاجابة عن السؤالين مرهونة بجدية الاشتباك.
وبعض التوقعات تفترض بأن خطة المسار العربي إياها، رغم كل عملية التجميل التي تطالها، قد تصطدم بالخيارات والمصالح الأمريكية في الداخل السوري. وقد تصطدم مرة ثانية بغابة التعقيدات الأمريكية الروسية في النظر إلى المنطقة واصطفافاتها وتحالفاتها.
لكن على الأقل ثمة خطة في ذهن دوائر القرار في عمان، وعلى الأقل ثمة تسريبات لملامح تلك الخطة التي يفترض الأردنيون أنها قد -نقول قد- تقنع الأمريكيين وغيرهم من خصوم نظام دمشق بأن احتضان النظام السوري عربياً قد يكون خطوة في اتجاه إعادة تأهيله ولو بشروط في المجتمع الدولي. الأفكار والتفاصيل هنا تتزاحم، والانطباع مبكر بأن نظام دمشق مثلاً أظهر مرونة في توجيه ضربات أمنية وعسكرية قوية لمجموعات تهريب المخدرات في الجنوب السوري، وأظهر تجاوباً مع مقترح عربي تبنته مشاورات جدة وعمان معاً بنقل مخيم الركبان الصحراوي الشهير من مكانه. والأهم أن دمشق ولأول مرة التزمت وتعهدت بأن تبدأ بعثاتها الدبلوماسية في الخارج بتجديد وثائق وقيود المواطنين السوريين العالقين في الشتات.

ملفات شائكة

لا بل إنه بات لازماً في التصور الأردني اليوم معالجة الكثير من الملفات الشائكة عبر النظام السوري وبواسطة التحدث مباشرة معه. والحديث هنا طبعاً عن آلية متفق عليها وطويلة الأمد تسمح بعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وهي خطوة تتطلب في نظر الأردن ليس ضمانات أمنية وسياسية فقط من الحكومة السورية، بل تجهيزات لوجستية تعيد تأهيل مناطق العودة بضمانات تأهيل عربية ودولية. عمان تعتقد بأن عودة مئات اللاجئين من الأردن وتركيا ولبنان إنجاز يمكن البناء عليه في سياق عملية عودة بمظلة عربية ودولية توافق عليها دمشق، وقد يكون ذلك أقرب إلى حلم سياسي. لكن الوزير الصفدي اعتبر مبكراً بأن أي شيء أفضل من لا شيء.
في السياق تحفيزات مرتبطة بأن تطالب الدول العربي نظام دمشق بالصفح والتسامح. وذلك قد يكون أعقد ما في مشروع المسار العربي. والاعتقاد في دوائر العاصمة الأردنية متصدر بأن أفضل معالجة لأزمة الإصلاح أو الحوار السياسي السوري عموماً هي تلك التي تناقش تفاصيلها بوجود النظام السوري، الأمر الذي يظهر نجاعة فلسفة التحفيز المشار إليها.
سألت “القدس العربي” وجهاً لوجه مسؤولاً أردنياً بارزاً عن كيفية إجبار النظام السوري على القبول بالتحفيز ونظام التقسيط الإصلاحي؟
الجواب هنا مباشر ويقضي بأن دولاً مثل الأردن وتركيا، عاجلاً أم آجلاً، ستتحدث مباشرة مع الرئيس الأسد، وأن النظام السوري بعد 12 عاماً من الفوضى والدمار والكوارث يخسر الكثير ولا يعالج مشكلاته رغم الحسم العسكري والانتصار، وأمامه فرصة ينبغي أن يغتنمها، يغازلها الآن النظام العربي برمته.
المسؤول نفسه شرح: في ملف المخدرات مثلاً، أبلغناهم بوضوح أننا سندخل للعمق السوري مراراً وتكراراً إذا لم يقوموا بواجبهم السيادي. وفوق ذلك، بدون تنازلات من النظام السوري، لن يحصل على فلس واحد إذا ما قرر يوماً إعادة الإعمار دولياً، خلافاً لأن دمشق اليوم مفعمة بكل أصناف المشكلات، فالكهرباء مثلاً تشتغل ساعتين في اليوم. والخلاصة أن لـ “أركان النظام السوري” مصلحة في تقديم تنازلات وضمانات. وللعلم، عودتهم إلى الجامعة العربية لا تعني الكثير بالنتيجة إذا لم يلتزموا بالمطلوب، وما نتحدث عنه معهم هو التحفيز وليس الإجبار.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى