اراء و مقالات

أخطر رسالة إسرائيلية للأردن و«السلطة» في «أحداث جنين»: بدأت سوابق «تحريك ديموغرافيا المخيمات»

عمان – «القدس العربي»: عملياً، لا يمكن ولا بأي صيغة سياسية قراءة مسار عملية “البيت والحديقة” الإسرائيلية العسكرية المتطورة ضد مخيم جنين خارج سياق التصور الذي باتت المؤسستان الرسميتان الأردنية والفلسطينية تحديداً في أقرب نقطة احتكاك معه.
وهو ذلك التصور الذي يفيد بأن عملية التحريك ببعدها الديموغرافي بدأت فعلاً في الضفة الغربية وعلى إيقاع خطة عسكرية وأمنية بضمان سياسي من حكومة اليمين الإسرائيلي قوامها تجاهل كل النداءات الدولية وحتى الغربية في المجال الحيوي لملف الاستيطان، ثم التشدد عسكرياً.
لاحظ الجميع أن الإدارة الأمريكية بدورها، ورغم كل ما قيل عن رعايتها للقاءي شرم الشيخ والعقبة اللذين ناقشا عملياً بروتوكولاً أمنياً جديداً طالب به الفلسطينيون بدعم من الأردن، تثبت المعطيات على الأرض بأن الجانب الإسرائيلي يحظى بغطاء أمريكي، وهو يغادر كل منطقة التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية. لا بل خطته في ضرب البنية التحتية للمقاومة وإعادة تغيير المعالم الجغرافية والديموغرافية لمخيم شهير مثل مخيم جنين، تحظى فيما يبدو بغطاء من الإدارة الأمريكية؛ بدلالة التصريح الذي صدر معرباً عن تفهم احتياجات إسرائيل الأمنية وحقها في ممارسة ما تفعله ضد الفلسطينيين في جنين.
ذلك عملياً لا يضرب فقط مصداقية الإدارة الأمريكية ولا مصداقية الحكومة الأردنية الرسمية والسلطة في الحديث عن البقاء خلف الباب الأمريكي. والتحرك دبلوماسياً ضمن المجتمع الدولي عبر تذكير الأمريكيين بالوقائع على الأرض، لأن الموقف الأمريكي عملياً يوفر الغطاء لأول عملية تقويض مباشرة لما تقرر ووقع عليه الإسرائيليون في لقاءي العقبة وشرم الشيخ، وقد باتت تلك قناعة شبه أكيدة عند المؤسسات الرسمية الأردنية رغم أنها لا تقول بذلك.
واحدة من أهم تجليات الحدث الفلسطيني المتطور سياسياً على الأردن والسلطة الفلسطينية، هي تلك الأبعاد الخطيرة التي تنطوي عليها الحرب المعلنة على جنين ومخيمها ليس بمعناها الأمني، فالجانب الإسرائيلي يصرح بأنه أبلغ الأردن والسلطة بالعملية قبل وقوعها، ولكن في الجوانب التفصيلية المتمثلة بتحريك الديموغرافيا داخل مخيم جنين، بمعنى أن العدو الإسرائيلي لديه ضوء أخضر أمريكي ومن حكومة اليمين للعب بالورق الأكثر حساسية والأكثر خطورة، وهي تحريك السكان من مكان إلى آخر؛ بدلالة مغادرة أكثر من ثلاثة آلاف من المقيمين في مخيم جنين وهدم المباني، كما صرح للجزيرة القطرية رئيس بلدية جنين.
هنا الاحتلال وبغطاء أمريكي وفيما يبدو مع صمت عربي، ينهي حالة وجود لمخيم للاجئين شمالي الضفة الغربية، وهذا يعني أن لديه أضواء خضراء بعد الآن تسمح – في حال تنشيط وتفعيل المقاومة في أي جغرافيا فلسطينية في الأراضي المحتلة – بتحريك السكان، خلافاً لنقلهم من مكان إلى آخر.
وهو أمر قد ينتهي تماماً بما توقعه باحث أكاديمي أردني بارز في جلسة سياسية نقاشية علمية حضرتها “القدس العربي” بضيافة الوزير والأكاديمي الدكتور أمين محمود، وهو الدكتور وليد عبد الحي وبحضور “القدس العربي”، حيث كان وبعد قراءات معمقة لمراكز البحث والدراسة الإسرائيلية العميقة يشير إلى أن عملية التحريك الديموغرافية خطر حقيقي على الأردن، لا بل يلمح إلى أن بعض القراءات وتقديرات المواقف والتحليلات الإسرائيلية توحي ضمناً بأن على الأردن أن يستعد لعملية تحريك ديمغرافية هذه المرة.
حقاً، المؤسسة الرسمية الأردنية والبيروقراطية معها لا تقول بذلك، لكن ما يحصل في مخيم جنين يهز الصورة والغربال ويعيد إنتاج المشهد والموقف بطريقة من الصعب إنكار مخاطرها بعد الآن.
المسألة لم تعد تتعلق بقصف مخيم ولا بما تسميه إسرائيل احتياجاتها الأمنية، لأن محاصرة المخيم وتحريك السكان فيه ثم هدم البيوت يعني أن اليمين الإسرائيلي بدأ بسلسلة من برنامجه المعلن عملياً والقاضي بحسم الصراع في الأراضي المحتلة، ما يعني تلقائياً سقوط سيناريو عملية السلام مع حل الدولتين برمته، كما صرح في محاضرة له الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، كما يعني أيضاً أن اتفاقية وادي عربة في أسسها المرتبطة أيضاً بمشروع اليمين وضم الأغوار ومنع قيام الدولة الفلسطينية ثم تقويض السلطة الفلسطينية لم تعد قائمة. وهو ما يعني، أخيراً، بأن تفاهمات العقبة وشرم الشيخ أصبحت مضحكة أكثر مما هي مجرد أوراق يتلاعب بها الإسرائيليون ويلهث وراءها رموز الدبلوماسية الفلسطينية والأردنية معاً، بدلالة التصريح الثنائي ما بين أمين سر منظمة التحرير حسين الشيخ ووزير الخارجية أيمن الصفدي.
وهو تصريح ظهر فيه أن الخطاب الدبلوماسي الأردني يحاول تقمص تلك العبارات التي لا تعني شيئاً والتي تصدر عن قيادات السلطة الفلسطينية مثل طلب الحماية للشعب الفلسطيني وتوجه المجتمع الدولي لإنصاف حقوق الشعب وتوفير الحماية له ووقف الانتهاكات.
رسائل مخيم جنين ملغزة للغاية وتضرب معها كل مفاهيم عملية السلام، لا بل تقرع بالنسبة للأردن ومن زاوية أردنية مباشرة جرس الإنذار والخطر الأكبر، لأن العملية الأمنية في جنين إسرائيلياً انتهت بإخلاء منازل المخيم من سكانها على أساس أن القصة أمنية الطابع، فيما أصلها وجذرها تحريك لمجموعة من السكان يسمح وسط انشغال العالم بأوكرانيا وإيران وكل ملفاتهما بفكرة تقبل المجتمع الدولي للذرائع الأمنية الإسرائيلية وهي تنتهي بتحريك السكان من هنا إلى هناك.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى