اراء و مقالات

الأردن بعد «مسارات الفتنة»: إدارة مخاطر ومخاسر… وتطلعات لـ«طي الصفحة»؟

عمان- «القدس العربي»: قد لا يتعلق الأمر بقرارات مدروسة بعمق ودقة في إطار ترتيب سياسي لتداعيات مرحلة ما بعد الفتنة أو مشروعها في الأردن، بقدر ما يتعلق هذه المرة ببرنامج عمل أصبح أكثر وضوحاً تحت عنوان «إدارة المخاسر أو إدارة المخاطر» التي تنتج في الأبعاد المحلية وحتى السياسية والإقليمية وفي ظرف اقتصادي وصحي حساس جداً، عن الكشف عن تفاصيل تلك المغامرة.
بهذا المعنى، يمكن القول وباختصار بأن القرار المهم الذي أعلنه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعد ظهر الخميس، والقاضي بالإفراج عن غالبية الموقوفين على ذمة التحقيق في قضية الفتنة وقبل الوصول إلى مرحله المحكمة أو التحقيق القضائي، هو قرار سياسي بامتياز قبل أي اعتبار آخر، بعدما خلطت الفتنة بالكيفية والطريقة التي تم الإعلان عنها وبزحام العديد من المسؤولين والمحامين للتعامل مع الميكروفون الأوراق، وبصورة ليس سراً الآن في عمان القول بأنها ألحقت ضرراً كبيراً في مصالح الدولة. الضرر المشار إليه كان يمكن اشتمامه وتلمسه مباشرة في أروقة ومجالسات كل النخب الأردنية.

الخسارة الأولى

الضرر الأكبر كان عبر التوثق من أن ملف الفتنة دفع باتجاه سلسلة كبيرة من المقالات في الصحافة العالمية التي كانت دوماً صديقة للأردن، بصورة اندفعت فيها وسائل الإعلام الغربية تحديداً لتشريح المشهد الأردني بكل تفاصيله وبعيداً عن الفتنة.
وصلت غرفة القرار، وحتى وصل مجلس السياسات المركزي للدولة الأردنية إلى بعض الاستنتاجات الخاصة، مما نتج على سمعة البلاد من تسليط أضواء الإعلام الخارجي، فكانت الخسائر أكبر من المتوقع هنا، والسبب -على حد تعبير سياسي مخضرم وثقيل الوزن مثل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري- وجود حدث كما فهمت «القدس العربي».
بمعنى أو بآخر، الطريقة التي تم تضخيم الحدث عبرها ساهمت إلى حد ما في وضع الأردن تحت الأضواء الكاشفة، فكان عنوان الخسارة السياسية والإعلامية الأكبر؛ لأن الحديث انتقل في الإعلام الدولي من التركيز على الحدث، مع أنه يمثل عملية أمنية كلاسيكية وصغيرة ومحترفة، إلى التركيز على واقع ملف الحريات في الأردن والأسباب التي تدفع بعض الأوساط العشائرية للترحيب بولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين، وإلى تسليط الضوء على المناخات التي تؤسس لحالة نقد للسلطات ولقرارات الدولة الأساسية.
كانت تلك، ومن باب التحليل السياسي بطبيعة الحال، ورقة الخسارة الأولى خصوصاً بعد ما تبين بأن الأمير المتهم الآن بالطموحات والأوهام كانت لديه القدرة على تسجيل وثائق صوتية، لا بل تسريبها، مما لفت أنظار الإعلام الغربي لوجود حالة انقسام وصراع مبالغ فيها بطبيعة الحال في الأردن، وزائفة في بعض التفاصيل. ومما ساهم في إنتاج نوع من الندية الذي لا يناسب الشرعية الأردنية ولا حتى المزاج الشعبي، وهي ندية تغذت على أخطاء وعثرات أو زلات لسان بعض المسؤولين، كما وصفها رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في لقاء خاص حضرته «القدس العربي» عند الإشارة إلى مسألة توصيف المعارضة الخارجية.
بمعنى أو بآخر، الخسائر كانت كبيرة على مستوى السماح بإنتاج مادة تجاذبية في الحالة الداخلية والأمنية الأردنية ساهمت في تغذية عدد كبير من المقالات ولفت الأنظار للملف الداخلي والإصلاح الأردني ولانقسامات وتجاذبات المجتمع الأردني، مما تطلب تدخل المؤسسات المرجعية مرة أخرى لإعادة ضبط الإعدادات.

إعادة إنتاج المشهد

والانتقال من مستوى هذه الهجمة الإعلامية التي لم تكن متوقعة بطبيعة الحال، رغم أن المجتمع الدولي بأهم أطرافه تضامن وبقوة ووضوح، موجهاً رسالة خاصة مع القيادة الأردنية ومع مؤسسات الدولة الأردنية ومع حالة ثبات الأمن والاستقرار في الأردن.
في المقابل، ثمة مخاطر أو مخاسر أخرى كان لا بد من الانتباه لها جيداً، فالحديث عن فتنة تتورط فيها شخصيات بارزة جداً بعضها تقلد مواقع مهمة وتضم نخبة من أبناء العشائر المتقاعدين العسكريين البارزين، خلط بعض الأوراق المتعلقة بمؤسسة ولاية العهد تحديداً، حيث كانت القصص والروايات تنسج خصوصاً مع وجود أكثر من 50 ألف حساب تواصلي إلكتروني غامض بصيغة الذباب الإلكتروني يدعم القلاقل في الأردن ويحاول مضايقة الحكومة الأردنية.
بالتالي، خشيت الكثير من الأوساط -وقد سمعت «القدس العربي» ذلك مباشرة من سياسيين كبار- من أن تؤثر مسارات الأحداث على دور وصلاحيات وحضور مؤسسة ولاية العهد، حيث الدستور واضح في هذا الاتجاه.
وعبر عن ذلك المخضرم عبد الرؤوف الروابدة في لقاء بالقصر الملكي عندما قال بأن الدستور الأردني واضح، حيث يوجد الملك ومعه نجله ولي العهد لا يوجد التباس بهذا المعنى من أي نوع.
بمعنى أو آخر، قد تكون تلك من الدوافع السياسية التي دفعت الملك عبد الله الثاني لإعادة إنتاج المشهد بطريقة ذكية، وتعمل -كما قال السياسي الدكتور ممدوح العبادي لـ»القدس العربي»- على «تنفيس الاحتقان» وتفعيل القيم الأردنية المتوارثة.
بعد التركيز الشديد على عزل ملف الأمير حمزة بن الحسين، واعتباره من شؤون العائلة الداخلية والتصرف على هذا الأساس، ثم إخلاء سبيل المتورطين أو المتهمين من أبناء العشائر بهدف منع الاحتقان العشائري والحيلولة دون وجود تزاحم محامين قد يؤدي إلى الضجيج والإثارة على المستوى الإعلامي وعلى مستوى منصات التواصل الاجتماعي. وبعد حسم ملف الأمير ثم التحدث باللغة التراثية التي يعرفها الأردنيون بخصوص المتهمين من أبناء العشائر والمكونات الاجتماعية… بقي الأمر القضائي واستمرار التحقيق القضائي بمساره القضائي مرتبطاً بمتهمين كبيرين في هذه القضية، هما الشريف حسن بن زيد، والدكتور باسم عوض الله، الأمر الذي يعني بأن الدولة الأردنية لا تريد التراجع عن كل فكرة أو ملف حصول فتنة لها مواقيت ولها أبعاد تحريضية للشارع الأردني، لكن في الإطار القانوني ستتابع القضية المتعلقة بعوض الله وبن زيد، وسينتظر الجميع ما يقرره القضاء في هذا الاتجاه.
بالوقت نفسه، معيار مصالح الدولة الأردنية يمكن التعامل معه في سياق نتائج التحقيق مع بن زيد وعوض الله، الأمر الذي يعني بأن مصير المتهمين قد يكون مرتبطاً بجهات خارجية دفعت باتجاه التأسيس للفتنة في الأردن وحرضت عليه. ومسألة الجهات الخارجية هنا سيحسمها القضاء، كما قال رئيس الوزراء الخصاونة أمام «القدس العربي» لكن القضاء نفسه لديه حسابات مرتبطة أيضاً بمصالح الدولة الأردنية. وبالتالي، الإفراج عن المعلومات والتعاطي معها ستحدده المصالح بعد انتهاء مرحلة التحقيق القضائي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى