اراء و مقالات

حتى ملف «التصنيع والأمن الغذائي»: لجنة «أردنية» بعد أخرى ووثائق لا أحد يعرف أين وضعت؟

عمان- «القدس العربي»: تتكرر العبارة نفسها في مسودة وثيقة رسمية أعدها الطاقم الذي يدير الشأن الاقتصادي على هامش عصف ذهني يراد به علناً تحرير الإمكانات لتحديث المنظومة السياسية.
العبارة التي تقول نقلاً عن الملك عبد الله الثاني شخصياً وتوجيهاته المباشرة، بأن الأولوية بالنسبة له في العام 2021 كانت أمن الأردنيين وغذاءهم. بناء على تلك الأولوية، وقبل أكثر من عام ونصف وفي بؤرة الاشتباك مع تداعيات الفايروس كورونا، عقدت اجتماعات سيادية بالجملة، وتم تشكيل لجنة استشارية تتولى التصنيع الغذائي والبحث في تطوير الصناعات الغذائية، وصدرت عدة توجيهات ملكية تقرأ مستقبل خارطة مشكلات التزويد وسلاسل الغذاء. لكن مجدداً، وفي الربع الأول أو نهاية الربع الأول من العام 2022، تمرر وثيقة رسمية العبارة نفسها المرتبطة بالأولوية الصادرة في التوجيه الملكي.
لافت جداً أن ذلك يحصل رغم أن شيئاً لم يحصل منذ أكثر من عام ونصف على صعيد تلك الأولوية، بمعنى أن التوجيه الملكي المباشر وهو يقرأ مسار الأحداث يحدد بعد تشخيص الإشكالات طريقة تطوير الأمور والاتجاهات الصحيحة، ثم يمضي الوقت تباعاً دون أن يلتفت جميع المسؤولين التنفيذيين إلى أن الحكومة والسلطات الإجرائية والبيروقراطية لم تلتزم حتى بالأولوية المرجعية. موقف يكرر نفسه تماماً، حيث يعلم الجميع بأن لجنة استشارية أخرى لها علاقة بالتصنيع الغذائي كانت قد وضعت تقاريرها أمام المستشار المختص في الديوان الملكي آنذاك، الدكتور كمال الناصر.
لكن أعيد تشكيل لجنة بالاسم نفسه تتولى الموضوع نفسه دون أن يعلم أحد حتى اللحظة ما هو مصير وثيقة التوصيات الأولى، حيث ذاكرة قصيرة للمسؤولين الأردنيين تحديداً في المستويات الاستشارية، أقرب إلى ذاكرة السمكة، وحيث وثائق بالجملة توضع على الرف، وتعود عملية تغليف الهواء أو تغليف الغبار، كما يسميها أحد المستشارين المختصين، بصيغة أقرب إلى طهي الحصاة على النار. ومجدداً، رغم أن التحديات أصبحت أكبر والظروف قاسية أكثر وما قرأته البوصلة الملكية قبل عامين، فما يحصل تحديداً في مسألة أزمة الغذاء على المستوى الكوني.
واحتمالية تأثر الأردن، كغيره من الدول، بمرحلة ما بعد فيروس كورونا وتوجيهات بالجملة وخطط تحفيز اقتصادية عبرت حكومتين وهي تتحدث عن الانشغال والاهتمام بالتصنيع الغذائي، حيث الأغوار جاهزة للزراعة، والإمكانات موجودة، ورؤوس المال الوطنية أيضاً جاهزة لكن لا أحد يعلم ما الذي يحصل في مثل هذه المفاصل عندما يتعلق الأمر بالتخطيط الاقتصاد، ولا أحد يعلم لماذا تتكرر نفس السيناريوهات في تجاهل إجرائي أو سقوط بيروقراطي عند مستويات التنفيذ حتى للقضايا التي لا يوجد خلاف عليها لا سياسياً ولا أمنياً ولا وطنياً، والتي عنوانها الحاجة الملحة لمقاربة وطنية وأفقية أكبر هذه المرة تتعامل مع التحديات، كما يصرح ويقول وزير المالية في الحكومة الدكتور محمد العسعس، وهو يقترح بأنه آن مرحلياً أوان جذب الاستثمارات وتمكين القطاع الخاص من الشراكة مع الحكومة في إيجاد ملاذات آمنة تسمح بالحفاظ على وظائف الأردنيين، وتنمية الوظائف وبرامج التشغيل عبر التنمية الاقتصادية، حيث المؤسسات المانحة دولياً مع الأردن ومع التصحيح الاقتصادي في الأردن، وتبارك هذه الخطوات وجاهزة للمساعدة، كما يقول العسعس فيما تناقشه «القدس العربي».
لكن لا توجد خطة محددة من أي نوع لا عند الوزير الذي يتولى الطاقم الاقتصادي في الحكومة، ولا حتى عند الدوائر الاقتصادية في المؤسسات السيادية التي تعيد طحن المياه عملياً، وتعيد مراكمة الوثائق، وتترجم بعضها الآخر، فيما لا تتخذ أي إجراءات حقيقية على الأرض من أي نوع.
كانت تلك مفارقة لا بد من التوقف عندها عندما يتعلق الأمر بتحرير الإمكانات والتخطيط لتحديث المنظومة، حيث وثائق وتوصيات باسم الأمن الغذائي سابقة وعمرها الآن نحو عامين، ولا أحد يعلم ما الذي فعلته الحكومة من أجلها، وحيث -من جهة مقابلة- تركيز مرجعي شديد على جزئية التصنيع الغذائي والتوسع في هذا الإطار، دون أن يعلم أحد ما الذي أنجز، خصوصاً في العام 2021، وحيث -للمرة الثالثة- تشكيل لجنة تلو الأخرى بطابع استشاري سرعان ما تذوب توصياتها وفعالياتها تحت أقدام السلطة التنفيذية، إذ لا أحد يعلم للمرة الثالثة من المسؤول عن ماذا ومتى بصورة محددة. نسبياً، تلك -رأي الخبير الاقتصادي المتخصص أنور خفش- أقرب وصفة لمراكمة الإخفاق والفشل.
واليوم يصبح تضليل القيادة والناس هو الجوهر إذا ما استمرت هذه الطريقة بإدارة الأمور، خصوصاً في الملف الاقتصادي، حيث لا يملك الأردن -بتقدير الخفش- ترف الوقت ولا ترف التريث ولا التردد، وحيث وصفة إجراءات يعلم الجميع أنها تحتاج لتشخيص مفصل ودقيق ويخلو من التقية في اختيار الكلمات أو المخادعة والمراوغة، وحيث الجديد تماماً بعد مراكمة الفشل وتجميع المخفقين، الذين تسببوا بالإشكالات ثم مطالبتهم بإيجاد حلول لمشكلات أنتجوها هم، بقيت مرحلة توريط مركز القرار وتوريط المؤسسات السيادية بشأن مثل تلك المواصفات التي تتحدث عن تحديث تحرير إمكانات غير موجودة أصلاً، بينما ينبغي أن تتحدث وبصراحة عن إيجاد إمكانات من حيث الأساس ثم التحدث عن تحريرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى