اراء و مقالات

التهجير المعاكس في خدمة «الرد على ترانسفير إسرائيلي»… هل يمكن للأردن أن يفعلها؟

عمان ـ «القدس العربي»: «إذا هجّروا الفلسطينيين في الضفة الغربية، تصبح خياراتنا مفتوحة، وبينها التهجير المعاكس». تلك عبارة لم تسمعها «القدس العربي» من أي سياسي أو بيروقراطي أردني عند محاولة تحصيل إجابة عن سؤال مسكوت عنه بعنوان: إذا فعلتها عصابة تل أبيب الحاكمة وبدأت بضرب الفلسطينيين ودفعهم للضفة الشرقية… ماذا سنفعل؟
العبارة نفسها تصبح بمحتوى استراتيجي أكثر وأكبر عندما تصدر عن جنرال متقاعد وبارز من النخبة العسكرية العميقة، لديه خبرة عميقة في «لعبة إسرائيل والعلاقات الحدودية معها». مبكراً، لاحظ السياسي المخضرم الدكتور جواد العناني، أن كلمة الملك عبدالله الثاني كانت حاسمة مؤخراً في منابر الأمم المتحدة بعنوان «ظروفنا لا تسمح باستقبال أي لاجئين جدد». تلك برأي العناني رسالة أردنية مباشرة، لكن السؤال: هل تلك الرسالة مقدمة «اعتذارية» صلبة عن أي تسهيلات يمكن أن تطلب لاحقاً ضمن أي مشروع دولي مشبوه يطالب الأردن بـ «استقبال لاجئين ونازحين جدد».

ثلاثة تطورات

العناني كان منذ العام الماضي وقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، أول سياسي مخضرم نشر مقالاً علناً حدد فيه ثلاثة تطورات ستدفع بالأردن إلى الاشتباك «عسكرياً» مع إسرائيل، وهي: محاولة حسم هوية القدس والمسجد الأقصى، ثم الاعتداء عسكرياً على المملكة، وثالثاً تهجير الفلسطينيين شرقاً. في المقابل، العبارة التي تكررت أكثر من غيرها على لسان القيادة الأردنية ووزير الخارجية أيمن صفدي من صبيحة يوم 7 أكتوبر هي تلك التي تلفت نظر الأمريكيين والإسرائيليين بأن «أي تهجير قسري في اتجاه الحدود سنعتبره بمثابة إعلان حرب». بصورة مفصلة وعميقة أكثر، يصبح السؤال: ما الذي تعنيه عبارة «إعلان حرب» هنا؟
واضح أن النخبة الأردنية الحاكمة وتلك التي «على الرصيف» ليس لديها أي تصور مدروس ومنقول عن «الإجابة» على سؤال ضخم ومهم بهذا الحجم، فواحدة من الإشكالات التي تشير لها شخصيات وطنية كبيرة، من بينها طاهر المصري وأحمد عبيدات وحتى عبد الرؤوف الروابدة، هي تلك التي تقول «لا نعلم ما يجري وكيف تفكر الدولة.. لا أحد يتحدث معنا». تلميح العناني في تعليقه مثير: قريباً… عند ملامسة الاحتياجات الملحة جداً، فعلى عتبة الربيع تأسيس مطبخ والتحدث مع الجميع محطة لا يمكن تجاهلها ولا بد منها. والإجابة مطلوبة أردنياً على السؤال الملح: «التهجير إعلان حرب»… ما الذي يعنيه ذلك؟
ليس سراً أن «القدس العربي» طرحت سؤالاً مماثلاً على رئيس مجلس الأعيان المحنك فيصل الفايز، فكانت الإجابة ملموسة وأوضح من غيرها: «شعبنا مسالم ويحب السلام… مؤسساتنا كذلك وقناعاتها وسلوكها… الأردن بلد مبدئي وأخلاقي يؤمن بالقانون والعدالة ويجتهد دوماً في «ثقافة السلم والسلام» والحرص على «ترويض الذهن الإسرائيلي المختل».
الإضافة هي الأهم في شرح الفايز: «لا نستطيع مواجهة إسرائيل عسكرياً طبعاً، لكن ذلك لا يعني أننا نقبل الضيم ضدنا أو ضد أهلنا في فلسطين، ولا يعني أننا «لن نرد على المعتدي» إذا ما فكر يوماً بالمساس بمملكتنا وقيادتنا وشعبنا وجيشنا وعشائرنا هنا». وللذكير فقط، يقترح ركن بارز في السلطة التشريعية وهو يبتسم: «الشعب الأردني مسلح ولا يقبل المزاودة أو المساس بترابه ووطنه».
تشبه الصيغة هنا أهزوجة «يا ويل اللي يعادينا». وهي تقترب من صيغة تحدث بها علناً الوزير أيمن الصفدي، عندما قال: «لا أحد يطالبنا بشن حرب عسكرية ضد إسرائيل» لكن لاحقاً شرح الصفدي لـ «القدس العربي»: «وهذا لا يعني إلا أننا دوماً قادرون على الدفاع عن بلدنا وثوابتنا وخياراتنا». «ينبغي ألا يختبرنا سيادياً أحد» هذا هو التعليق الذي يفضله الفايز. لكن الخيارات «المعاكسة» إذا حصل تهجير قسري -ويأمل الأردن من العالم أن يستدرك ولا يحصل- تبقى خيارات مطروحة.
وفي التجلي الاستراتيجي العسكري، يقرأ الفريق الركن المتقاعد الجنرال قاصد محمود، تهجير الفلسطينيين -إن حصل يوماً- باعتباره «تقويضاً مباشراً» لاتفاقية وادي عربة، ومساساً «أمنياً وعسكرياً» بالحدود، يستلزم سيناريوهات رد قد لا تقف عند حدود مواجهة عسكرية فقط لإعلان الحرب الجديد.

«ورقتان غربي النهر»

وما يقترحه السياسي والبرلماني ممدوح العبادي، أن تقويض وادي عربة خطوة في «اتجاهين».. كذلك محاولة المساس بالتهجير في حدود الأردن التي يفترض أن اتفاقية وادي عربة حسمتها. بالانعكاس العسكري في خبرة الجنرال محمود، تقول الفكرة إن الإسرائيلي إذا حاول العبث بحدود الأردن فذلك يعني أنه يعبث بحدوده، الأمر الذي يجعل ـ في رأي الجنرال الخبير ـ أن حماية مصالح الأردن الأساسية مرتبطة بورقتين غربي النهر، هما: المقاومة، وصمود الديموغرافيا الفلسطينية.
بسقف هذا المنطق، بدأت «القدس العربي» تفهم الخلفية التي دفعت الدولة العميقة في الأردن لإقرار برنامج «تعزيز صمود الفلسطيني في أرضه» وهو برنامج أعلنه الملك شخصياً في رئاسة الأركان. مهم هنا ما يقال خلف الستائر للأمريكيين والأوروبيين بعنوان «إذا عبثت إسرائيل بالحدود الأردنية ودفعت المهجرين إليها، فليس هناك ما يمنع إطلاقاً، في المقابل، من فتح الأردن لحدوده بالاتجاه المعاكس». وبالتوازي، فالأهم ما لا يقال بعنوان «إذا حصل تهجير، فإن الجيش الأردني لا يستطيع مواجهة الشعب ومنعه من العودة إلى وطنه الفلسطيني».
عملياً، فيما تتحدث إسرائيل عن وجود أكثر من 300 ألف أردني يحملون وثائق أردنية في الضفة الغربية يمكن مطالبتهم بالمغادرة، في المقابل تتحدث الأوساط الأردنية العميقة عن وجود نحو 4 ملايين فلسطيني على الأقل في الأردن ما بين لاجئين ونازحين، سيصبح حقهم بالعودة لأرضهم استحقاقاً فورياً إذا ما حصل «ترانسفير» من الضفة الغربية في اتجاه الضفة الشرقية لنهر الأردن، وهؤلاء لن تواجههم الدولة الأردنية، وقد تفتح لهم الحدود.
أما كيفية العودة والفوضى التي سترافقها، فتلك مسألة يمكن أن تترك لتوقيتها.
توثقت «القدس العربي» مؤخراً من أن هذه العبارات والقواعد لا يرددها السياسيون في عمان، بل مترسخة في وجدان رموز المؤسسات العميقة والسيادية، الأمر الذي يؤسس للانطباع بأن عبث إسرائيل مع الأردن سيكون «مكلفاً للغاية».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى