اراء و مقالات

الأردن بعد «العقبة»: سيناريو «الانفجار» أقرب… والمستوى الرسمي يقر: «المعضلة في التنفيذ»

عمان – «القدس العربي»: اختصر الرئيس الأمريكي جو بايدن مسافة طويلة أمام صناع القرار المعنيين بما سمي بالقمة الأمنية الخماسية في مدينة العقبة الأردنية، عندما اعتبر “التنفيذ” لما تقرر في القمة وحظيت التوصية به بإجماع المشاركين بها بالغ الأهمية.
ووصف لقاء العقبة في اتصال هاتفي مع الملك عبد الله الثاني بأنه “لقاء تاريخي”، الأمر الذي يعني بأن الحراك الدبلوماسي الأردني النشط في معادلة التقريب بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفي هذه المرحلة الحرجة يحظى بكل الأضواء الخضراء من الجانب الأمريكي.
إشارة بايدن هنا لماحة وسريعة وتختصر الإشكالية الحقيقية في جوهر المسألة، وهي الإشكالية التي لا يريد المبادرون من الجانب الأردني في إظهار حماسة تجاه مثل هذه الترتيبات، الوقوف عندها مطولاً، وهي باختصار معضلة “التنفيذ”.
يوافق عضو مجلس الأعيان الأردني والوزير السابق والمتابع الدكتور محمد مومني، على الاستنتاج القائل بأن “الالتزام والتنفيذ” هو المهم الآن، ملمحاً ورداً على استفسار مباشر من “القدس العربي” بأن الدول الراعية لتفاهمات العقبة لديها الآن مجسات، والعالم برمته راقب هذا الاختراق ولديه قدرات على التقييم.

الكلمة للفلسطينيين

المهم ليس الاجتماع ولا الخروج باتفاق له علاقة بمرحلة انتقالية ومعقدة، بل ما يقوله الشعب الفلسطيني في مدن الضفة الغربية وهو يستجيب لنداء النفير الفتحاوي منتصف ليلة الأحد الإثنين، وهو أن أصحاب الفعل الميدانيين على الأرض اليوم خارج نطاق وفعاليات قمة العقبة.
عملياً، هي تلك الإشكالية الأساسية في هذا السياق؛ فقمة العقبة بالمعنى الجوهري الميداني المباشر تخاطب أطرافاً لا تملك القرار. السلطة الفلسطينية التي يريد الأردن التقريب بينها وبين الإسرائيليين خارج التغطية تماماً، ولا تؤثر في مسارات الأحداث، والبيان الذي صدر بعد أحداث درامية في بلدة حوارة قرب نابلس مساء الأحد باسم أقاليم حركة فتح تحديداً يدل على ذلك؛ فحركة فتح هنا طالبت بالنفير العام في نابلس وبقية مدن الضفة الغربية وبعيداً ليس فقط عن حسابات السلطة الفلسطينية لكن أيضاً عن حسابات الأردن، وقمة العقبة وحتى عن ذلك الأمل الوهمي الذي رسمه طاقم الرئيس الأمريكي جو بايدن. بكل حال، التنفيذ هو الأساس، والحديث عن توصيات لا يمكن تنفيذها ومن طرفين على الأرض وفي الميدان هو المحور اليوم أيضاً.

مفارقات

المفارقات التي رصدت أثناء وبعد لقاء العقبة تقول ذلك، فالمواجهات بين الأهالي الفلسطينيين وقطعان المستوطنين وميليشياتهم المسلحة بحماية الجيش الإسرائيلي، يعني أن حبر الورق الذي كتبت عليه توصيات قمة العقبة لم يجف حتى خرجت تلك التوصيات عن سكتها المرسومة بحكم انفصال الأطراف التي اجتمعت في العقبة عملياً عن الواقع الميداني.
القوى الفاعلة اليوم هي حكومة إسرائيل وميليشيات المستوطنين من جهة، والشباب الفلسطيني المقاوم من جهة أخرى، وكلاهما الميليشيات الاستيطانية وشباب المقاومة لم يجلسا على الطاولة ولن يستضاف أي ممثل لهما في فندق العقبة الذي شهد الحوار. يبقى هنا أن لقاء العقبة مبادرة يمكن أن يشكر الأردن عليها، ومحاولة لإلقاء الحصاة في المياه الراكدة على أمل.
لكن المياه ليست راكدة، والأحداث التي شهدتها بلدة حوارة، ثم امتدت إلى بقية نابلس ومحافظات الخليل وبقية مدن الضفة الغربية المحتلة خلال ساعات تثبت مجدداً بأن القرارات لا يمكن توفير ضمانات حقيقية عليها.
وهو أمر صنفه الرئيس الأمريكي بايدن عندما تحدث عن أن التنفيذ بالغ الأهمية.
التعقيد أصلاً بالتنفيذ وليس في اتخاذ قرارات أو إجراء مشاورات ووضع التوصيات على الطاولة، حيث الأطراف الفاعلة مجدداً هي صاحبة الكلمة الأولى، وهي أطراف لا علاقة لها لا بالعقبة ولا بالمجتمعين حول طاولتها.
يظهر ذلك أهمية الحراك الدبلوماسي الأردني، لكن إخفاقه على الأرجح في تحقيق مكاسب سياسية فورية لا بل ظهور تلك النصوص المرتبطة بتوصيات لها علاقة بمرحلة انتقالية وكأنها معزولة عن سياق المشهد الواقعي، فلا المستوطنون ولا جيش الاحتلال ولا حكومة اليمين الإسرائيلي معنيون بالتنفيذ.
وفي المقابل، الشعب الفلسطيني يتولى المسألة وقرر -كما قدر السياسي البارز الدكتور ممدوح العبادي- الانخراط في المقاومة، وما وصف أردنياً يوماً بأنه مخاوف انهيار النظام القانوني، أصبح بمثابة مرحلة حقيقية أو أقرب إلى الواقع الموضوعي.

إخفاق القمة

وأخفقت قمة العقبة بصرف النظر عن نبل أهدافها الخلفية وغير العلنية، في تجنب سريع لخيار انهيار النظام القانوني، الأمر الذي يعني أن كل السيناريوهات حمالة أوجه ومفتوحة اليوم. لكن انهيار النظام القانوني في الأراضي المحتلة يعني وجود محتل ومستوطنين، ويقابلهم شعب يقاوم ويدفع الثمن. وهي جزئية ليس من العدل مطالبة قمة العقبة بالانتباه لها أصلاً.
والأصل في مسار الأحداث اليوم ليس اتخاذ قرارات ولا وضع توصيات، لكن زوال الاحتلال نفسه، كما يؤكد وزير البلاط الأردني الأسبق مروان المعشر وهو يشير إلى أن جوهر الصراع والمشكلة في الاحتلال، وما دام الاحتلال مستمراً فالسلام والتهدئة والمفاوضات مسائل معلقة في التفكير الرغائبي. ومسار الأحداث في حوارة ونابلس والخليل حتى فجر الإثنين، يثبت مجدداً بأن المخاوف التي عبر عنها أكثر من 30 خبيراً أردنياً في ندوة مغلقة بالبحر الميت حقيقية وجذرية ولا بد من التوقف عندها، حيث سيناريو الانفجار هو الأرجح في الداخل الفلسطيني.
ويفترض أن يقابله في عمان سيناريو المخرج، وبمعنى المخرج للمصالح الحيوية الأردنية، وهي مصالح ثبت بالوجه القاطع اليوم أن قمة العقبة على أهميتها وظروفها والوعود والالتزامات التي وردت فيها، ليست بصدد ترسيمها أو الحفاظ عليها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى