اراء و مقالاتمقالات وآراء

محاصصة مكونات وعشائر أم «مطابخ»؟ الأردن: خاسرون كبار للانتخابات «يعاتبون» والرد «أقاربك خذلوك»

 

قرايبك وأبناء عشيرتك لم يقفوا إلى جانبك»… تتردد هذه العبارة الساحرة في مضمونها الاجتماعي والسياسي ضمن منطق «تطييب الخواطر» على لسان أي مسؤول رسمي يعاتبه أو يستفسر منه أو يسأله من خسر الانتخابات أو فقد مقعده البرلماني في الأردن، جراء فوضى الهندسة التي يتحدث عنها الجميع الآن.
عبارة أشبه باعتذار بيروقراطي غير مقنع، وأقرب إلى صيغة إبرة تخدير لتبرير ما لا يبرر، خصوصاً من جهة المرشحين الذين يعتقدون أصلاً بأنهم في موقع معاتبة الدولة والسلطة، أو في موقع عدم تقبل الخسارة بصرف النظر عن نسبة التصويت ومصداقية الاقتراع. هؤلاء تحديداً قد يكون عددهم بالمئات، لأن شبكة التواصل مع قوائم المرشحين والمختارين، وحتى من يتبرعون بأنفسهم كمرشحي حشوات في ظل قانون بائس للانتخابات، تتهندس أصلاً على أساس الرغبة في رفع نسبة الاقتراع دوماً، الأمر الذي يدفع منظومة تحفيز كل العشائر والعائلات في مختلف المحافظات نحو المشاركة.
عملية التحفيز تلك، ورغم نشاطها الشديد، شملت حتى عرض صفقة على شكل ضمانات بالنزاهة ورغبة في التأسيس للمشاركة، الحركة الإسلامية، وفقاً لما ذكره القيادي فيها الشيخ مراد العضايلة لـ»القدس العربي» سابقاً حول مضمون لقاء تحفيزي جمعه بوزير التنمية السياسية في الحكومة موسى المعايطة. المعايطة نفسه اجتهد مراراً وتكراراً في حث الأردنيين على المشاركة في الانتخابات المثيرة للجدل.

منظومة «التحفيز» أربكت النتائج و108 من أعضاء البرلمان السابق الخبراء خارج المسرح

ومنظومة «التحفيز» تلك في العمق البيروقراطي تنجح في حشد عدد هائل من المرشحين، من الطبيعي أن يفوز بعضهم ويخسر أغلبهم، لكنها منظومة تنتهي أيضاً بتجاذبات وبعدد كبير من الغاضبين؛ لأن الشك بمصداقية العملية الانتخابية هو بالنتيجة محصلة لوعود وعمليات تحفيز أفقية انتهت ببناء أوهام المشاركة والفوز.
في كل حال، انتهى الموسم الانتخابي، وبدأت التداعيات وهي صعبة ومعقدة إلى حد كبير، ليس فقط سياسياً ولا دستورياً لا بل أيضاً أمنياً واجتماعياً. الأرقام تقول بعد التحفيز الهندسي غير المتقن عملياً بأن 69 نائباً في البرلمان السابق خسروا الانتخابات بعدما شاركوا فيها. وتقول الأرقام إن 108 نواب في المجلس السابق خارج معادلة التشريع الآن، ويشمل ذلك من خسروا أو من لم يشاركوا أصلاً . وتلك طبعاً حقائق رقمية سياسية لا تقف عند حدود نحو 100 وجه برلماني جديد لا يعرف الرأي العام ولا المؤسسات عن غالبيتهم شيئاً محدداً، وهي غالبية مرتبكة مبكراً وقد تذهب بأي اتجاه.

سؤال إلزامي

السؤال يصبح إلزامياً هنا.. كيف ستدير السلطة العلاقة مع نحو 100 وجه جديد؟.. كيف وعلى أي أساس ستدار الأمور بعدما خرج من المعادلة 108 قيادي تم اختبارهم سابقاً في عملية التشريع ولديهم خبرة ولا حاجة لدفع كلفة ما يسمى بالجهل البرلماني لو كان موجوداً؟
عملياً، لا يجيب المطبخ السياسي في الحكومة الأردنية عن هذه التساؤلات، والوقائع تقول بأن المطبخ السياسي والانتخابي برمزيته القيادية في الحكومة والهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات يساري النكهة والأصل واللون، فالوزير المعايطة يساري سابقاً، ورئيس الهيئة الدكتور خالد الكلالدة يساري وحراكي سابقاً. يخلع اليساريون بوضوح، عندما تستقطبهم المواقع والسلطة، الزي المعارض لكن نتائج الانتخابات قالت وبملء الفم إن برلمان 2020 الأردني الذي سيؤسس للمستقبل في ظل ظروف دولية وإقليمية واقتصادية وصحية معقدة لا يخلو فقط من تمثيل إسلامي حقيقي أو من تمثيل محافظ وتقليدي وتكنوقراطي حقيقي.
ولا يخلو فقط أيضاً من أي رمز له علاقة بالتيار المدني أو الليبرالي، لكنه يخلو في الوقت ذاته من أي تمثيل رمزي له علاقة بالأحزاب أو باليسار بكل تعبيراته أو بالصف القومي أو بالمدارس السياسية الفكرية، فكل المشهد اليوم يقتصر على 100 وجه حائر وجديد، لأن الاجتهاد في عملية الطهي العميقة كان يتحدث عن مجرد قشريات على أساس فكرة تقول أو قالت بأن مجلس النواب السابق ينبغي أن تغيب عنه الشمس، وبأن الوطن يحتاج إلى وجوه جديدة.

الغاضبون كثر

لم يفز أي يساري بأي مقعد، وخرج من المعادلة 108 نائب من البرلمان السابق، ولا يوجد أي مقعد باسم التيار القومي المعروف، وتم إقصاء أو تهميش مكونات اجتماعية وعشائرية كاملة.. تلك ملامح برلمان الأردن الجديد في واقع المزاعم والنقاشات التي قد تخلو من أدلة وقرائن، وتكثر من التضجر والتذمر.
كان المطلوب من الإدارة الجمهورية الأمريكية إعادة توصيف برلمان الأردن بعيداً عن المقاولات والمال السياسي، لكن في الإجراء والتنفيذ روقب المال وبقوة، وغاب أصحاب رأس المال بدلالة أن الهيئة المعنية حولت ملفات رشوة إلى القضاء والنيابة. ولا أحد يعرف ما الذي حصل بصورة مفصلة أو لماذا حصل؟
لكن الغاضبين كثر، وكان الهوس ملموساً بأن ترتفع نسبة المشاركة والتصويت إلى ما بعد الرقم 27 % والفلتان لم يعد بالإمكان إنكاره في فوضى غرف العمليات، وردة الفعل على عملية انتخابية غريبة انتهت بخروج مكونات واسعة من المسرح تبدو مبكرة. وعلى سبيل المثال، يرصد مختصون وأمام «القدس العربي» بأن المسألة لا تتعلق فقط بنتائج عزوف التصويت على مسار تفريغ مواقع ومقاعد تخص غرب الأردنيين، فعشائر وقبائل لم تحظ بتمثيل في مدينة الكرك جنوبي البلاد، ومقاعد مدينة إربد في الشمال خلت بعد النتائج ليس فقط من الإخوان المسلمين لا بل من ممثلي ما يسمى بـ»خرزات» مدينة إربد، حيث عائلات معروفة ومشهورة خارج المعادلة تماماً.
يبدو أن تساؤلاً يتجول أيضاً وسط المثقفين في أوساط المخيمات، حيث لا تمثيل بسبب النتائج والعزوف دون أن يعني ذلك عدم وجود أسباب أخرى.
قانون الانتخاب الحالي بتركيبته يضعف الكفاءة، وبدأ يثير الشك حتى داخل طبقة رجال الدولة والسياسة.
مؤسسة الحكومة حائرة، وأذرع الدولة العميقة لا يوجد لديها أجوبة، وعدد من أغضبتهم نتائج الانتخابات أكبر بكثير من عدد من أرضتهم، والسلطة طبعاً لا تستطيع إرضاء الجميع، وتلك النسخة المفرقة اجتماعياً من الانتخابات خلطت الأوراق وانتهت بعدم وجود مشرعين حقيقيين في برلمان الأمة أصحاب خبرة ومن الوزن الثقيل، باستثناء بعض من عادوا من كبار مشرعي المجلس السابق، ويتم استهدافهم ايضاً أو استبدالهم.
خلافاً لذلك، كانت تركيبة مجلسي الأعيان والوزراء قد أثارت الجدل قبل الانتخابات مع جواب متكرر بعنوان المحاصصة التقليدية. لكن المحاصصة التقليدية والمألوفة والتي يألفها الأردنيون عموماً ترنحت في نسخة الانتخابات الأخيرة لصالح ما يسميه أحد الخبثاء والمخضرمين أمام «القدس العربي» بمحاصصة عصرية حديثة، ليس من بين المكونات ولا المناطق ولا العشائر، بل بين المطابخ المتعددة المتزاحمة في مستويات القرار والتنـفيذ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى