اراء و مقالات

عندما زار ملك الأردن «المقامات»: الأزهر – النجف – القدس… ثلاثية هل تلحق بـ«قمة بغداد»؟

عمان – «القدس العربي»: أغلب التقدير أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ولسبب سياسي وجيه، يريد لفت النظر إلى رسالة ما تتسلل بين تطورات الأحداث عندما زار متفقداً المزارات والمقامات الدينية جنوبي بلاده قبل ساعات فقط من زيارته المهمة والتاريخية إلى بغداد على هامش انعقاد القمة الثلاثية التي شهدتها العاصمة العراقية أمس الأحد.
تلك رسالة يفهم دلالاتها من يعلم يقيناً بأن واحدة من أكثر الأزمات صمتاً بين عمان وبغداد هي تلك المتعلقة بموقف الأردن الأمني والاجتماعي والسياسي الرافض لبرامج السياحة الدينية الشيعية حصرياً.
يبدو أن بعض مجسات الإعلام التقطت مبكراً ما هو جوهري في رمزية زيارة الملك للمقامات والأضرحة التي يصنفها الشيعة تحديداً من العراقيين والإيرانيين باعتبارها من المواقع المقدسة لهم، والتي يوجد عدد كبير منها في مدينة الكرك جنوبي الأردن.

أبعاد زيارة الجنوب

قرأ العاهل الأردني الفاتحة في تلك المقامات، وفي الأثناء كانت وزارة السياحة ومعها الإدارة المختصة في الأوقاف في عملية صيانة سريعة لتلك المواقع المقدسة عند الشيعة العرب.
هل يحصل ذلك صدفة؟ الإجابة على السؤال ينبغي أن لا تستبق الأحداث، فزيارة الملك للمقامات بالتأكيد ليست صدفة لكنها بالتزامن والتوقيت السياسي استبقت وقفته المثيرة في بغداد برفقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
الفرضية السياسية والإعلامية هنا تشير بوضوح إلى أن عمان تقول ضمنياً بأنها في طريقها لإزالة تحفظ قديم بكل معايير الهواجس الأمنية على أفكار سبق أن طرحت عشرات المرات، أبرزها فتح مقامات الصحابة جنوبي الأردن أمام الزوار الشيعة. كان ذلك مطلباً ملحاً لحكومات العراق طوال سنوات بعد عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
وطوال تلك السنوات أيضاً كان هذا المطلب يرفض وبصرامة من الجانب الأردني لاعتبارات لها علاقة أولاً بالخلافات السنية الشيعية، وثانياً بالرغبة في تجنب إغضاب السعودية، وثالثاً بالمخاوف الأمنية المرتبطة بالجمهورية الإيرانية.
لسبب ما، ثمة من يعتقد اليوم بأن عمان قد تمنح رئيس الوزراء العراقي الدكتور مصطفى الكاظمي «أفضلية ما» بعد الاتفاق أمنياً خلف الكواليس عبر برنامج خاص يبدأ باستقطاب الزوار الشيعة من العراقيين في المرحلة الأولى على الأقل، إلى تلك المواقع التي كانت محظورة عليهم في الماضي القريب بعد تفقدها ملكياً.
ثمة تنشيط بيروقراطي وفني وتقني بالمناسبة لبرنامج محتمل في هذا السياق، والرسالة في ظل تعقيدات العلاقة الأردنية مع بعض دول الخليج حالياً قد تشمل تلك الشريحة من كبار السياسيين والمسؤولين العراقيين الذين ينصحون طوال الوقت بمجاملة وطرق الأبواب الإيرانية ولو قليلاً حتى تفتح السوق العراقية أكثر أمام الأردنيين.
التقط السفير العراقي في عمان حيدر منصور، رمزية الزيارة الملكية لمقامات الجنوب، ورحب بها علناً في تغريده خاصة، فيما رد عليه مرحباً بالترحيب ابن مؤسسة القصر الأردنية السفير في القاهرة أمجد العضايلة، متحدثاً عن حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم وآل البيت.

تناغم دبلوماسي

هذا التناغم الدبلوماسي قد يعكس ما هو أبعد وأعمق لاحقاً، لأن فتح برامج السياحة الدينية الشيعية جنوبي الأردن وبأي صيغة لاحقاً، خلافاً لأنه مفيد اقتصادياً- يعبر عن سعي عمان للعودة إلى مخاطبة المرجعية الشيعية العربية في العراق من منطلق مفهوم الطرفين حول آل البيت.
القمة الثلاثية في بغداد لها ما لها سياسياً عندما يتعلق الأمر بسياسة التمحور والحرص الشخصي عند ملك الأردن والرئيس السيسي على دعم الكاظمي حصرياً في المعادلة العراقية الداخلية والإقليمية.
وهو الدافع والمحفز من وراء الستارة الذي نتجت عنه المجازفة بقمة ثلاثية تطلبت طوال الأسبوع الماضي احتياطات أمنية استثنائية حتى تنجز وتسجل في رصيد الكاظمي وبدعم وغطاء أمريكي وأوروبي هذه المرة.
المصادر المطلعة جداً تعتقد بأن الغطاء الأمريكي سياسياً توفر لدعم مشروع التكامل التجاري الثلاثي بين مصر والأردن والعراق، ويبدو أن وجود حراك مصري في البحر الأحمر وعسكري أمريكي مكثف على شكل قواعد دائمة في الصحراء الفاصلة ما بين الأردن والعراق، هو خطوة في اتجاه ولادة تكتل جغرافي سياسي ثلاثي سيكون له ما سيكون في الحسابات السياسية الإقليمية قريباً.
وهي حسابات يلفت خبير في حركة واتجاهات اقتصاديات المنطقة وهو ياسر الحنتولي، نظر «القدس العربي» أنها قد تكون الأنسب لبناء إطار سياسي بين الدول الثلاث على أساس اقتصادي أمتن هذه المرة، وعبر مقاربات تخفض كلفة التبادل التجاري وتزيد من إمكانيات التكامل على أساس الاحتياجات وتساهم في التعاطي مع مرحلة ما بعد الفايروس كورونا عندما يتعلق الأمر حصرياً ليس بأمن الحدود فقط، ولكن أيضاً بالأمن الغذائي في دول المنطقة، وأيضاً في مواجهة التحديات التي نتجت عن أزمة الشحن والتبادل التجاري كونياً».
تلك مؤشرات يقرأها الحنتولي وهو يتابع بسرور تفاصيل التفاعل الاقتصادي والسياسي بين الدول الثلاث.
لكن هذا التفاعل، وبرأي خبير ومفكر اقتصادي مثل الدكتور أنور الخفش، خطوة متقدمة قد تؤسس فعلاً لوقائع جديدة في حال ترسيم العلاقات الاقتصادية والاستثمارية على أساس مشروع متجدد في الفكر السياسي يؤدي إلى قدر من الازدهار ويخدم شعوب الدول الثلاثة من منظور التعاون الأمني والاقتصادي والاجتماعي.

خطوة متقدمة

الدكتور الخفش تحدث مع «القدس العربي» مقترحاً تأسيس «مجلس التوازن الاقتصادي العربي» بالانطلاق من قمة بغداد التي يرى أنها مهمة جداً وقد تساهم في تأسيس مقاربة متطورة للاستقرار السياسي في الدول الثلاث وفي الإقليم أيضاً، حيث -يمكن برأي الخفش- التخلص من معيقات ومؤشرات الاضطراب بأي شراكة، واستعادة الدور الريادي والمبادرة والتأسيس لسلسلة مشاريع منتجة.
يتجنب الخفش وغيره من المفكرين الإلحاح السياسي والإعلامي في قراءة التحديات التي تتعرض لها المنطقة. لكن انعقاد القمة الثلاثية في بغداد حدث مفصلي ومهم. وحتى برأي المراقبين السياسيين، قد يؤسس لجديد ما إقليمياً، والأردن على الأقل يبدو متفاعلاً جداً وبحماسة نحو استثمار اقتصادي وسياسي وبنيوي طويل الأمد في العلاقات الأخوية والجغرافية العميقة، كما أبلغ رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة «القدس العربي» مع شقيقين في مصر والعراق.
خلف ستارة الشراكة التجارية والبوصلة الاقتصادية والاستثمار في الكاظمي سياسياً، ثمة ملامسة وهمسات لها علاقة بالبعد الديني في السياق، لكن دون مزيد من التفاصيل الآن، وإن كان البعض يحاول تخيل ثلاثية مصر والأردن والعراق باعتبارها مقدمة لثلاثية الأزهر – النجف- القدس.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى