اراء و مقالاتمقالات وآراء

بين «همة» الكباريتي و«لسعة» الرفاعي… معاناة في الأردن من «زحام اللجان» وتعدد المرجعيات

استشارات محظوظة وأخرى «بنت البطة السوداء» والرزاز يترأس الجميع

 

 

 يلاحظها ببساطة وعلناً رئيس الوزراء الأردني الأسبق سمير الرفاعي: لا يوجد مبرر لتشكيل مزيد من اللجان الاستشارية بعنوان الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تداعيات فيروس كورونا.
لجنتان كبيرتان شكلتا مؤخراً وانضمتا إلى سلسلة هرمية من اللجان الأصغر التي شكلها الوزراء بهدف إدارة الشؤون العامة في ظل الإغلاق والحظر والفيروس، بآلية التفاهم والتنسيق مع القطاعات الميدانية نفسها. واحدة من اللجنتين الأكبر باسم «التوجيهية العليا».. تلك لم يبادر رئيسها، وهو رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، لعقد اجتماع ولو واحداً فقط، حتى الآن. لكن الرزاز أيضاً هو رئيس للجنة استشارية أخرى موسعة شكلها هو شخصياً.. تلك وخلافاً للأولى ضمت العديد من رموز القطاع الخاص، وكانت محظية بعقد اجتماع سريع بعد 24 ساعة، حسب وزراء في الحكومة.
عملياً، لا يمكن معرفة الفارق بين اللجنتين، لكن من المرجح أن الأولى وبسبب طبيعة دورها ووجود شراكات فيها من بقية المؤسسات أصبحت بنت «البطة السوداء» ويمكن الاستعانة عنها باللجنة المحظية الثانية.

وتمت تسمية «التوجيهية العليا» ولكن بدون تحديد من ستوجه اللجنة ومتى وأين وبماذا، والأهم لماذا؟
في ظل الأزمة الأخيرة وبعد العديد من مصافحات الاجتماعات ينتهي المشهد بـ»تشكيل لجنة» . يحصل ذلك فيما اللجنة الأهم حقاً وهي تلك التي تجمع التبرعات من الأثرياء لصالح صندوق «همة وطن»، تعمل بصمت ومن خارج علبة الحكومة، وتنجز بالحد الأدنى من الاجتماعات وبدون الزحام إعلامياً.
تلك اللجنة يترأسها رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي. وفي آخر إفصاح له، شارف على إعلان نهاية عمل اللجنة الأول عندما تحدث عن جمع 91 مليون دينار سيتم الإعلان قريباً عن كيفية الاتفاق على إنفاقها.
دون ذلك، لا إنجازات مفهومة حتى الآن على جبهة اللجان والاستشارات التي قررتها الحكومة.
كل ذلك ليس مهماً أصلاً، فالرأي النقدي الذي تقدمت به شخصية مثل الرفاعي بصيغة تقترب من لسعة سياسية علناً يشمل «كل فكرة اللجان» من حيث الشكل والمبدأ، وعلى أساس أن مجلس الوزراء موجود وهو صاحب الولاية والكفاية، وأي توسيع قطاعي للاستشارات يمكن أن يجريه كل وزير مختص.
تقدير الرفاعي أن حالة كورونا أو غيرها «لا تستوجب» تشكيل هذا الزحام من اللجان. ومراقبون بالجمة يحاولون التأكيد بأن المجلس الاجتماعي الاقتصادي التابع للحكومة أصلاً «بيت الخبرة المناسب» لتقديم استشارات تستفيد منها الحكومة، خصوصاً أن الناشط في القطاع التجاري خالد نصار يلاحظ بأن عملية التوسع في اللجان الاستشارية خرجت عن سكتها وبدأت تحصل فيها محسوبيات تؤذي كل العملية على أساس أن الرأي العام يطلب الحكومة بالتصرف وتحمل المسؤولية.
بالتوازي، حصول «زحام غير مبرر» في عدد اللجان الاستشارية أصبح علامة فارقة في المستوى البيروقراطي، حيث تعددٌ أيضاً بالمرجعيات والمؤسسات التي تتولى إدارة وتنفيذ التوجيهات يشتكي منه اليوم المواطن والصحافي والتاجر والصناعي. تعدد المرجعيات هنا يعيق الحركة أيضاً في قرارات واتجاهات صغيرة وتنفيذية بيروقراطية الطابع، خصوصاً عند الاصطدام بمعيقات ومشكلات لها علاقة بتطبيق برامج قررتها الحكومة أصلاً على مستوى الأزمة.
تعبر مجموعات إعلامية على تقنية «واتساب» عن جانب من الأشكال عندما يصر العديد من الأشخاص على مخاطبة خلية الأزمة في مركز الأمن والأزمات لمعالجة مشكلة بيروقراطية صغيرة جداً يفترض أن تحل عبر الحاكم الإداري أو وزارة المياه مثلاً وليس عبر لجنة الأزمة أو المؤسسات السيادية.
ثمة زحام مبالغ فيه ايضاً بعدد المسؤولين في التراتبية الإدارية الذين يفترض بهم اصدار «قرار او فتوى» إزاء مسألة طارئة او ولدت بعد اتخاذ قرار أكبر في السياق السياسي.
ومعنى ذلك – كما يقر هنا أحد الوزراء أمام «القدس العربي» – أن الاجتهادات في تطبيق القرار السياسي وأوامر الدفاع تتأثر بطريقة تفسير وفهم وهضم القرار أولاً من جهة شبكة المنفذين التي لا يعرف المسؤول أو الوزير هويتها في بعض الأحيان.
وبطبيعة الحال، يزداد الأمر تعقيداً بسبب حسابات المؤسسات والمجالس المدنية المنتخبة التي تضطر الحكومة قسراً إلى التحدث معها، حيث تبرز هنا حصرياً استقطابات وشللية وحسابات انتخابية خارج الرؤية الشمولية أو المصالح الوطنية، وتتشكل في السياق طبقة نافذين يعرفون بأن المسؤولين يحتاجونهم لإدارة «اليومي» ويظهرون مهارات متعددة في الابتزاز الفني والبيروقراطي في هذه المرحلة.
اكتشف الأردنيون كثيراً في أزمة كورونا الأخيرة مهاراتهم ومشكلاتهم في المسار الإداري. وغرق الوزراء تحديداً في غابة تفاصيل، حيث مناورات تدريبية معقدة بالذخيرة الحية لا يمكن بعد الآن إسقاطها من الحساب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى