اراء و مقالاتمقالات وآراء

الميزانية… صخب الحوارات خلف ستارة الأردن: دور «الظل» وفطام المساعدات ومخاوف الـ«بانكرز»

يتلقى، في وقت مبكر، رئيس اللجنة المالية لمجلس نواب الأردن «نصيحة حكومية» هذه المرة تحت عنوان الاستعانة بمستشار مالي خبير لمساعدة اللجنة في قراءة بيانات الميزانية المالية، والتي بدأ النقاش فيها وسيكون صاخباً على الأرجح.
تلك نصيحة ثمينة تعكس ثقة الحكومة، أو على الأقل وزير المالية الدكتور محمد العسعس، بالآلية التي اختارها في عرض ميزانية مالية وصفها مبكراً بأنها شفافة وصريحة، والأهم «واقعية». لم يعرف بعد ما إذا كان رئيس اللجنة المالية الدكتور نمر العبادي قد تقبل هذه النصيحة الفنية، خصوصاً أنها تضمنت الاستعداد لدفع كلفة المستشار الخبير-إذا لزم الأمر- من ميزانية رئاسة الوزراء.
قبل عرض تقرير اللجنة المالية رسمياً على المجلس، كانت «القدس العربي» قد استمعت للدكتور العبادي يتحدث، بقدر من الانفعال، عن غموض في بعض البيانات الرقمية، وعن إنفاق مبالغ فيه في بعض المناحي، وعن مسؤولين يقدمون كشوفات في العوائد الضريبية تحتاج إلى وقفة ومراجعة. قالها العبادي مبكراً أمام «القدس العربي»: نعلم في اللجنة المالية الفواصل والفوارق عندما يتعلق الأمر بمشروع الميزانية المالية بين الرأي والانطباع الشخصي، وبين متطلبات الدولة واللجنة تناقش التفاصيل دون تصورات مسبقة.
لاحقاً، أصبح الخطاب بين الحكومة واللجنة المالية أقل صخباً وانفعالاً وأميل للنقاش بهدوء بعيداً عن الاستعراض البرلماني المايكروفوني المألوف في مسألة لا تحتمل الاستعراض أصلاً، حيث يوفر وزير المالية العسعس إجابات سريعة ويستمع لسلسلة لا متناهية من نصائح النواب والأعيان وملاحظاتهم باحتراف ودقة ودون أن يورط الحكومة بالموافقة مسبقاً على أي توصية أو ملاحظة.
حاولت اللجنة المماثلة في مجلس الأعيان الزحام أيضاً، وطرحت عدة أسئلة، وسمع العسعس عضوا خبيراً في الأعيان يقترح، همساً، إعادة النظر بالمبالغ المالية المخصصة لمواجهة الفيروس كورونا وتحديداً في بند اللقاحات حيث أسعار ترتفع بجنون في السوق الدولية والسوق السوداء الموازية، وعلى الحكومة الاحتياط. في الأثناء وقبل نقاشات الميزانية المالية، تبرز تباينات وأحياناً احتقانات في المربع الذي كان دوماً هادئاً عندما يتعلق الأمر بالتواصل بين الطاقم الاقتصادي الوزاري الحكومي والبنك المركزي.
تلك مسألة تحتاج إلى تأمل في ظرف آخر، لكنها رافقت نقاشات الميزانية التي سميت بأنها واقعية، وإن كان لاعب برلماني لديه خبرة مثل الدكتور خير أبو صعيليك وتم إبعاده عن اللجنة المالية البرلمانية يصر على الاحتفاظ بهواجس ومخاوف، وفي ذهنه دوماً ما حصل مع القطاع المالي اللبناني، معبراً عن الأمل في سياسات حريصة ودقيقة تناسب الظرف الموضوعي.
الحوارات صاخبة بين الساسة والوزراء والنواب والأعيان الأردنيين تحت عنوان الملف المالي والسياسي والبرلماني، يحاول العبور هنا وأحياناً يحصل زحام لا يتميز بالخلفية الفنية أو الخبرة ذات المسار التكنوقراطي، والسبب قد يكون له علاقة بعدة عناصر، من بينها رغبة كثيرين في الإفتاء السياسي المالي، وبعض التصدعات في الطاقم الاقتصادي المالي.
ومن بينها أيضاً -وهذا مهم جداً- ظهور ملامح وأحياناً قرائن وأدلة على وجود تأثيرات وبصمات في المسألة المالية لطاقم ظل أو حكومة ظل في الدولة العميقة، تدير بعض الاعتبارات بسبب الظروف المعقدة في المنطقة والتحديات التي يصنعها الظرف الصحي والوبائي. ذلك جديد تماماً في المشهد الأردني، لأن الملف المالي في أوقات الرخاء بقي دوماً في سياق البيروقراط والتكنوقراط.
لكن المعيار الموضوعي اختلف الآن، فاعتبارات المصالح الإقليمية والدولية لها دور، والمحاور لها دور، واعتبارات الأمن الداخلي والإقليمي لها دور، وبصمات فريق الظل في إدارة جريئة لمتابعة ملفات الفساد لها أيضاً تأثير في المعادلة العامة. والقطاع البنكي «البانكرز» قوي ونافذ وله رأي في كل التفاصيل، ولديه شغف بالمشاركة في اللعبة السياسية نفسها، أملاً في أن لا تسعى الحكومة بسبب تعقيدات الأزمة الصحية والظرف المعيشي إلى معالجة مشكلاتها بالضغط على القطاع البنكي، فيما يبذل البنك المركزي جهداً كبيراً في البقاء بحالة سيطرة على الإيقاع.
في المسألة المالية الأثر الأكبر أيضاً، قد يكون مرتبطاً بمستجدات ملف المساعدات والتحديات في عمقه، فقد سمعت «القدس العربي» وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، وهو يرجح بأن المساعدات الأمريكية لن تزيد، والسعودية لن تأتي، والخليجية متمنعة وستبقى كذلك، والأوروبية لن تكون فاعلة.
ذلك تنميط أقرب لما سبق أن أعلنه الدكتور عمر الرزاز رئيس الوزراء الأسبق، عندما صرح بأن المملكة ينبغي أن تدخل حالة الفطام على المساعدات وتبدأ برنامج الاعتماد على الذات، فيما يؤشر الوزير العسعس على أن طاقمه الفني في صياغة الميزانية تقصد عدم المبالغة في التوقعات.
لا بل ثمة ما يؤشر على أن وزارة المالية خفضت قصداً من سقف التوقعات في بياناتها، فيما كان النائب العبادي وطاقمه يديران حوارات بصورة أفقية مع كل المؤسسات والمختصين، مع أن أعضاء اللجنة المالية في أغلبهم خارج الاختصاص والخبرة، لا بل يتم تجريبهم لأول مرة في ميزانية استثنائية مالياً وبظرف مغرق في الاستثنائية.
وسط هذه المعطيات المتشابكة، لا بل الكواليس والأسرار في بعض التفاصيل، ستسمع الحكومة اعتباراً من صباح الأربعاء خطابات ونقاشات وأسئلة تحت عنوان الملف المالي لنواب جدد باحثين عن دور ومقعد وسط زحام الملفات، وأحياناً دون الخبرة اللازمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى