اراء و مقالات

«تذكرة في اتجاه واحد»… المراجعة الأردنية في «المحظور»: كيف «فرّطنا» في مبدأ سيادة القانون 2011 وماذا حصل للإدارة عام 1988؟

عمان – «القدس العربي» : «ابتداء من عام 2011 توسعنا في التسويات الأمنية على حساب سيادة القانون؛ خوفاً من الربيع العربي». لاحقاً، يمكننا القول بأن «الدولة العميقة فرطت عام 2011 في مبدأ سيادة القانون»، وقبل ذلك في عام 1988 ولأسباب سياسية أيضاً حصل «تفريط في الإدارة لصالح نظريات إقصاء للمهنية».
تلك لا تبدو عبارات سياسية أو يمكن أن تصدر عن مصادر القرار ونخبة من رجال طبقة الدولة الأردنيين لأغراض الإعلام، لكنها أيضاً ليست لأغراض الاستهلاك، وتشكل اليوم ما يمكن اعتباره أساساً لمراجعة جذرية تجري خلف الستارة تحت عنوان كيف أديرت الأمور، وكيف كانت تدار وكيف ينبغي -وهذا الأهم- أن تدار بعد الآن؟

«الصعود إلى الشجرة»

ظهر الأحد، كتب وزير الثقافة والشباب الأسبق الدكتور محمد أبو رمان عن عملية «التحديث» الجارية الآن.. «تذكرة في اتجاه واحد.. العودة صعبة ومكلفة». وطوال الوقت، تسمع «القدس العربي» من سياسي محنك مثل ممدوح العبادي، مقولة «لم نكن في الماضي كما نحن الآن». ويبدو في التحليل، وقد سمعت «القدس العربي» العبارات العميقة المشار إليها على لسان أحد أبرز نخب طبقة رجال الدولة مؤخراً، أن الفرصة متاحة لمراجعة هادئة إلى حد ما لا تقف عند حدود تشخيص المشكلات اليوم، بل تضع حلولاً ومعالجات. والمطلوب، في رأي السياسي الرفيع نفسه، بعد الآن ليس فقط النزول عن الشجرة، لكن وضع وصفة شعبية وخريطة طريق لتجنب الصعود إلى الشجرة مرة أخرى.
السؤال هو: ما الذي يعنيه الحديث اليوم عن التفريط عام 2011 بمبدأ سيادة القانون لصالح تسويات أمنية على أمل احتواء حالة التلغيم التي امتلأت بها رئة الشارع في ذلك الوقت، لا بل حاول بعض قادة الحركة الإسلامية آنذاك استثمارها واستغلالها ودفعت النظام والدولة لسلسلة كبيرة من التنازلات؟
سؤال قد يكون من الصعب الإجابة عليه الآن، لكن أعراض هذا التفريط وتداعياته ونتائجه هي التي يتعامل معها الجميع الآن، حيث ترهل إداري وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
ويقول خبير استراتيجي مثل الدكتور عامر السبايلة، إنه يؤشر إلى انهيار المنظومة الإدارية، وحيث سلسلة من الاحتقانات والمشكلات، وحيث -وهذا الأهم- غياب واضح وملموس يقر به الجميع بمبدأ مصداقية الخطاب الرسمي والحكومة والسلطة في مواجهة عملية تحديث للمنظومة السياسية أو إصلاح للمنظومة الإدارية أو تمكين للمنظومة الاقتصادية.
يتفق كثيرون من أبناء الدولة الأردنية الأوفياء والمخلصين على أن الأسئلة ما زالت مطروحة، ويتفق عضو البرلمان عمر العياصرة مع «القدس العربي» بأن الإجابة عن الأسئلة الأساسية والمفصلية والمرجعية هي المطلوبة قبل الانتقال إلى محور من محاور تحديثية، فيما الحاضنة الاجتماعية -برأي العياصرة وغيره- لا تزال في حالة إما حرد أو حيرة؛ وبمعنى آخر قلق على المصالح والمصير وقلق على الدولة التي يؤمن الأردنيون بها في كل الأحوال.

اعترافات نادرة

ثمة اعترافات نادرة تبرز اليوم عند المراجعة التي تجري بهدوء وبدون صخب ولا تتعلق فقط بما يقوله مسؤولون كبار عن التفريط لصالح تسويات أمنية منذ عام 2011 بمبدأ سيادة القانون خوفاً من تداعيات وتدحرجات ما سمي بـ»الربيع العربي» أو «الربيع العبري»، على حد تعبير عضو البرلمان السابق والناشط السياسي المعروف محمد الحجوج.
المسألة تتجاوز في اتجاه اكتشاف وتشخيص بعض المشكلات الأساسية، ومن بينها الإصرار على توقف حالة إنكار المشكلات كما كان يحصل في الماضي، والتوصل إلى خلاصة قوامها أن الإدارة العامة الأردنية تغيرت عام 1988 حصرياً، لأن الاعتبارات المتعلقة بشراء الولاءات على حساب الكفاءة والمهنية هي التي قفزت منذ ذلك الوقت.
التوقيت هنا لا يعني سياسياً الكثير عند التدقيق في هذه العبارة التي سمعتها أيضاً «القدس العربي» من أبرز رجالات الدولة والقرار اليوم، بمعنى الانتقال في المنظومة الإدارية والسياسية والبيروقراطية لمستوى التركيز على الولاء في ذلك العام بدلاً من المهنية والكفاءة.
وهو على الأرجح العام الذي أعقب قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية.
وهنا تم التأسيس لنظرية قيلت حتى من قبل محافظين شرسين في مراكز النخبة والقرار داخل اجتماعات سيادية، وحتى في القصر الملكي، تحت عنوان «الولاء أهم من الكفاءة، سيدي».
في كل حال، مسلسل الاعترافات بدأ يكتمل على نحو ملحوظ ومرصود في الحوارات العميقة التي تجري بعيداً عن أضواء الإعلام أو التداول العمومي.
واحد من تلك الإقرارات التي تقول بأن الكثير مما يحتفل حتى مركز القرار بإنجازه لا يمكن إنجازه الآن، ويحتاج إلى مزيد من الوقت والتدرج، لكن بالمقابل ثمة خطوات تحولية وتغييرية يمكن إنتاجها وحمايتها بإرادة سياسية الآن، الأمر الذي يبرر الانطلاق اللافت جداً للنظر تحت عنوان الإصلاح الثلاثي في تحديث المنظومة السياسية وتمكين الرؤية الاقتصادية، وفي معالجة ما يمكن معالجته من مشكلات الإدارة العامة، حيث صدر أمس الأحد تقرير مثير في هذا السياق.
تلفت مثل هذه العبارات والمراجعات والتقييمات نظر المراقب الحصيف. وهي اليوم قرينة على أن سلسلة من العقائد البيروقراطية والأمنية والتجارية هي التي على المحك، وهي التي ينبغي أن يطالها التحديث قبل الانتقال إلى المستويات التنفيذية لعملية التحديث أصلاً، حيث قوانين غير مكتوبة أو مسكوت عنها، وقواعد عمل واشتباك يعرفها الجميع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى