اراء و مقالات

«تهشيم» الحوار حول الإصلاح السياسي: الأردن عالق مبكراً بين «فاتورة التنازلات» وانتهازية المعارضة

طبعاً لأسباب يمكن فهمها وهضمها، ولاعتبارات سياسية وتنظيمية داخلية وخارجية، طرح المهندس مراد العضايلة الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة في الأردن، سؤالاً مربكاً بعد إعلان المركز الوطني لحقوق الإنسان عن انتهاكات جسيمة عابت الانتخابات النيابية الأخيرة.
سأل العضايلة على صفحته التواصلية: هل سيفلت من العقاب من ارتكبوا جريمة تزوير الانتخابات وأضروا بسمعة الوطن في الظرف الحساس الذي تعيشه البلاد؟ ويعلم العضايلة مسبقاً بأن من يتحدث عنهم سيفلتون بالضرورة من العقاب. لا بل يعلم، سياسياً ووطنياً، بأن العقاب نفسه لن يفكر به أحد وليس مطروحاً، لكن طرح السؤال وفي توقيت حساس أيضاً لا يقل أهمية عن وقائع وفظائع مخالفات الانتخابات في التوقيت الذي يرى العضايلة أنه حساس.
ثمة ما يدعو للتأمل في خيارات الحركة الإسلامية، لأن العبث بالانتخابات وهندستها حصل أصلاً بعدما جازف العضايلة ومجموعته في قيادة حزب جبهة العمل الإسلامي بدعم قرار المشاركة في الانتخابات في اللحظة الأخيرة، مع أن قواعد الحزب والحركة كانت تستشعر المخاطر وتميل بوضوح إلى مقاطعة الانتخابات.
يسأل أمام «القدس العربي» القيادي الذي دعم خيار المشاركة في الانتخابات زكي بني ارشيد: لو قاطعنا الانتخابات، فهل يعني ذلك أننا في المكان الصحيح؟ ويحاجج بني ارشيد بأن قرار المشاركة في ظروفه العامة والزمنية كان ولا يزال الخيار الأسلم، ويريد الشيخ العضايلة اليوم ما دامت البوصلة اتجهت فجأة نحو ملف الإصلاح السياسي، تحقيق شرطين موضوعيين له حق فيهما كمعارض قبل الانتقال إلى مستوى الحوار وطنياً في ملف الإصلاح السياسي.
الشرط الأول استعادة الثقة ومناخها، والثاني الاستفسار عن محاسبة من عبثوا بالانتخابات من المسؤولين، خصوصاً أن العبث وبإقرار وطني لحقوق الإنسان كان جسيماً وانتهى بتجاذبات بكل الأنواع في المجتمع. وتعرف الحكومة، بدورها، أن شرعنة أي حوار في مجال الإصلاح السياسي مسألة من الصعب إنجازها دون شرطين في المقابل، هما أولاً وجود العضايلة ورفاقه على طاولة هذا الحوار، وثانياً إسقاط معادلة النظام الانتخابي الحالي الذي يقصي مكونات اجتماعية كاملة ومبرمج أصلاً على أساس استهداف حصة الإسلاميين في البرلمان. صحيح أن العضايلة لديه حسابات تنظيمية داخلية اليوم، تدفعه لطرح أسئلة حرجة قد تنطوي على تعقيد للمشهد، لكن صحيح أيضاً أن العضايلة نفسه وعبر «القدس العربي» حذر علناً قبل الانتخابات، من مظاهر العبث في العملية والإجراء التي كانت تقود بالماضي إلى انتخابات منقوصة الشرعية، أو برلمانات بعمر قصير تحل على الأرجح وفي الأغلب قبل انتهاء ولايتها الدستورية.
صحيح، بالتوازي، أن مصداقية أي خطاب له علاقة بالإصلاح السياسي اليوم مهشمة في وجدان الأردنيين، وأن ما كان ينبغي أن تقرره الدولة في الرخاء كلفته ستزيد في أيام الشدة الاقتصادية تحديداً وبصرف النظر عن تلك المقولة التي تفترض بأن الانحناء المفاجئ عبر العودة رسمياً إلى ملف الإصلاح السياسي له علاقة بتجنب ضغوط محتملة من الحكام الديمقراطيين الآن من البيت الأبيض في ملف المكونات والتمثيل والانفتاح السياسي.
سواء كان للأمريكيين دور أو لم يكن، لا أحد يعلم ما هي الوصفة المقنعة التي يمكن أن تقدمها السلطة بعد تشخيص المرض وإثر فترة طويلة من الإنكار؛ لأن الأسباب الدولية والإقليمية، وعلى الأرجح الاقتصادية والمعيشية، هي التي تدفع الحكومة اليوم لمحاولة ترجيح كفة الإصلاح السياسي والبحث فيه، وليست الأسباب الموضوعية القائمة على قناعة في تصور ينسجم مع الانتهازية السياسية لا يوجد أدلة أو قرائن عليه، وقد يزيد من سقف فاتورة التنازلات المطلوبة تحت بند الإصلاح.
وذلك تموضع وتموقع سياسي داخلي ينبغي أن يتنبه قادة المعارضة الإسلامية تحديداً، وحصرياً الغاضبين منهم، إلى ضرورة التعاطي معه دون انتهازية سياسية، ودون محاولة فرض شروط على واقع معقد أصلاً؛ لأن خيار ملاحقة السلطة وهي تتقمص حالة الإصلاح السياسي متاح، ولأن خيار اشعال الشمعة أفضل من الوقوف طويلاً على محطة لعن الظلام، وهو ما نصح به أصلاً ناشط ومفكر سياسي إسلامي هو الدكتور محمد فخري صويلح، عندما دعا لما سمّاه بالاشتباك الإيجابي لتقديم نموذج أردني وطني للإصلاح.
وعليه، يمكن تقديم اقتراحات للغاضبين من العبث السابق الفاضح في الانتخابات ومظاهر الهندسة الغريبة بتخفيف حدة الانفعال والركوب براغماتياً على الموجة الإصلاحية، والمساعدة في تحريك الأمور وتحسين شروط الإصلاح السياسي، لأن ذلك قد يكون المفيد اليوم أكثر من التزاحم مع السلطة وتنقيب دفاتر أخطاء الماضي القريب، مع أن نخبة القرار أنكرت ورفضت الإصغاء طوال الوقت، ولا يوجد ما يبرر قبولها لانتخابات نزع شرعيتها وعلناً أو شكك بها الذراع الرسمي للدولة الأردنية في مجال حقوق الإنسان قبل الخصوم أو المعارضة وقبل حتى العبثيين.
في كل حال، تحاول الدولة فتح صفحة جديدة، وهي صفحة مرهقة ويشوبها الكثير من التشويش، وفاتورتها إذا ما تم تحييد الاجتهادات الضارة باسم الولاء، يمكن أن تكون معقولة ومقبولة إذا ما انطلقت من فكرة الحوار الحقيقي الناضج والاشتباك الإيجابي من السلطة أيضاً، وليس فقط من مؤسسات المجتمع المدني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى