اراء و مقالات

إغلاق وفتح مراكز تحفيظ القرآن الكريم في الأردن: استنساخ «أزمة ومغامرة جديدة» أم خيار «دولة»؟

عمان – «القدس العربي»: لا يبدو وزير الأوقاف الأردني الشيخ محمد الخلايلة، معنياً ومهتماً بالحملة الصاخبة التي تعترض على إجراءات وزارته الأخيرة بخصوص مراكز تحفيظ القرآن الكريم، بدلالة أن طاقمه رد على الصخب بالإقرار بإغلاق عشرات المراكز، ثم الإعلان عن افتتاح مئات المراكز الجديدة بإشراف الوزارة.
لكن يبدو في المقابل، أن تلك الحملة بدأت تتخذ طابعاً سياسياً وانتقلت أو كادت، كما حذر نواب بارزون، إلى مستويات «الغضبة الشعبية» كما صرح علناً عضو البرلمان النشط ينال فريحات، فيما الحكومة لا تزال في حالة الصامت ودون أي اهتزاز معلوماتي عندما يتعلق الأمر ليس بإجراءات وزارة الأوقاف المرتبطة بإغلاق مراكز متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم، لكن بشرح وتوضيح خلفية تلك القرارات التي تحولت الآن إلى قضية رأي عام وتتدحرج وتنشغل بها مواسم التفاعل في منصات التواصل الاجتماعي.
بعد أسبوع صاخب من الاتهامات السياسية التي طالت وزارة الأوقاف ووزيرها، لا توضيح ولا رد ولا تعليق على مسار الأحداث لا من قبل جهاز تلك الوزارة ولا من قبل بقية أجهزة الحكومة، الأمر الذي يوحي بأن ما تقرر – بعيداً عن الأسباب والخلفيات في مراكز تحفيظ القرآن الكريم- هو قد يكون على الأرجح خيار دولة وليس خيار حكومة، مما يستنسخ تجربة طالما حذر منها مراقبون ومحللون بارزون، من بينهم الدكتور عامر السبايلة، حيث تنتج الأزمات وتبقى دون حلول ومقاربات ومعالجات، لكي تلد أزمات أخرى أصغر وتستمر.
حصل ذلك مع تعاطي الحكومة في الماضي أو حكومات سابقة مع ملف نقابة المعلمين الذي شكل في إطار اشتباك الدولة مع أزمات القطاع العام إشكالية حقيقية تفرعت إلى عدة أزمات أشغلت الجميع بها، ويبدو أنه يحصل اليوم فيما يختص بمراكز تحفيظ القرآن الكريم، التي كانت دوماً من بين المراكز التي تبث قيم التسامح والاعتدال، وفقاً لما ورد في مذكرة وجه عبرها عضو البرلمان المخضرم خليل عطية أسئلة دستورية لوزير الأوقاف الخلايلة ووصلت «القدس العربي»، وطلب الإجابة عنها.
سأل عن الأسس القانونية التي اعتمدت عليها وزارة الأوقاف عندما قررت إغلاق العشرات من مراكز التحفيظ. وقبل ذلك، حذر فريحات رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في رسالة علنية، من غضبة شعبية تحت عنوان محاولة إبعاد الاردنيين عن قرآنهم الكريم وعن هويتهم الإسلامية.
المشهد يعيد إلى الأذهان ما كان قد سجله الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة عبر «القدس العربي»، من ملاحظات بعنوان السعي لتغريب المجتمع والمساس بهويته الوطنية القومية الإسلامية. وقد صدرت تحذيرات من ذلك الحزب، وهو أكبر أحزاب المعارضة الوطنية الداخلية، من الاستمرار في اتخاذ خطوات تستفز الشعور الديني والهوية الدينية الإسلامية للشعب الأردني.
العضايلة جدد تحذيره من أن تلك استفزازات قد يدفع ثمنها الجميع، وبالتالي فإن خلط الأوراق في بنية اتجاه المجتمع ومشاعره الدينية ذات القداسة الكبيرة وهويتها الإسلامية في رأي الشيخ العضايلة، هو مغامرة كبرى ليست في مكانها، معتقداً سياسياً بأن الشعب الأردني يستطيع الدفاع عن هويته الإسلامية، ومتقدماً بملاحظات متخصصة لها علاقة بندوات أو نشاطات في وزارة الثقافة أو فعاليات ترعاها مؤسسات رسمية تحت عنوان ثقافة المساواة بين الجنسين أو حتى في سياق إجراءات وزارة الأوقاف.
ملف مراكز تحفيظ القرآن الكريم بهذا المعنى يتدحرج كقضية رأي عام، ومؤخراً أضفى عليه الحراك الشعبي في مدينة معان جنوبي البلاد، نكهة سياسية مباشرة؛ فقد تجمع العشرات من المصلين في مسجد مدينة معان الكبير الجمعة الماضية، وألقيت خطابات بعنوان المساس بالهوية الإسلامية للأردنيين، والتنديد بقرارات وزير الأوقاف في هذا الاتجاه، مع أن الوزير ظهر مرات عدة ليشرح دون تقديم سردية متكاملة خلفية قرارات وزارته على أساس تنظيم هذه المراكز التي وصل إغلاق بعضها -حسب ما خطب به بعض أهالي مدينة معان- إلى أكثر من 60 مركزاً، أو على أساس حصول مخالفات خارج القانون فيها، وسعي إحدى الجماعات الإسلامية للتحكم بها، والمقصود طبعاً مجدداً هنا الإخوان المسلمون الذين دخلوا في حالة كمون تكتيكية طوال الوقت منذ أكثر من عام بعيداً عن أي صدام سياسي مع الحكومة.
مسألة إغلاق مراكز تحفيظ القرآن الكريم مرشحة للتفعيل والتنشيط على أساس الجمل الاعتراضية سياسياً بعد الآن، وما لا تقوله الحكومة لكل المعترضين والمناقشين مسألتان، أو ثمة سؤالان لا تجيب عنهما: الأول، ما الذي دفع الحكومة للتحرك في هذا الاتجاه أصلاً؟ والثاني هو ما الذي يدفع الحكومة لاتخاذ قرارات من هذا النوع، مستفزة في توقيت حساس أغلب التقدير، أن القرار لا علاقة له هنا حصراً بالحكومة أو بوزارة الأوقاف، وأن جهات نافذة أخرى في الدولة لديها تصور أمني ديني سياسي جديد؟ وهذا على الأقل ما تشعر به كثير من الفعاليات، وتحذر منه كثير من الشخصيات ومن بينها الأمين العام لمنتدى الوسطية العالمي المهندس مروان الفاعوري، وغيره من الشخصيات المحسوبة على الصف الديني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى