اراء و مقالات

أغوار الأردن ورفح المصرية تواجه مخاطر «التكيف» مع الخطط الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين

الحدود مع فلسطين المحتلة تتحول من «سلمية» إلى «ساخنة»

عمان ـ «القدس العربي»: تغيير صفة الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة من «سلمية» إلى «ساخنة» بالتوازي مع إعلان رسمي إسرائيلي بالسعي للسيطرة عسكرياً على محور فيلادلفيا. اللافت سياسياً ليس هذه التحرشات الإسرائيلية الاستراتيجية بحدود فلسطين مع الأردن ومصر، بل صمت العاصمتين عمان والقاهرة حكومياً عليها بدا واضحاً أن إعلام اليمين الإسرائيلي بدأ حفلة التبشير بالتوجهات الحدودية التي لا تعني أمنياً وإقليمياً إلا «تصدير أزمة إسرائيل» الداخلية بالقوة العسكرية إلى أكبر بلدين في الجوار العربي يفترض أنهما حليفان للسلام ووقعا اتفاقية سلام.
في الحالتين مخالفة مباشرة للاتفاقيات «تختبر» قدرات مصر والأردن على الرد والتصدي، فبناء أسوار أمنية مدرعة بذريعة «تهريب الأسلحة» عبر الأردن يقود إلى «أسرلة منطقة الأغوار» بمعنى ضمها عسكرياً، في مخالفة صريحة لا تقبل الالتباس لاتفاقية وادي عربة التي تترنح أصلاً ووصفها وزير الخارجية أيمن الصفدي قبل أسابيع بأنها «ورقة في متحف يعلوها الغبار».
قد لا يعني الوصف أن عمان بصدد تقديم خدمة لليمين الإسرائيلي بإلغاء اتفاقية وادي عربة، لكن رئيس مجلس الأعيان والسياسي الأردني المخضرم فيصل الفايز، نصح على هامش نقاش مع «القدس العربي» مؤخراً بالانتباه إلى أن إسرائيل «قوضت عملية» اتفاق أوسلو.
وبالمقياس نفسه، تعدّ عودة محور فيلادلفيا إلى سيادة الجيش الإسرائيلي مخالفة أكثر صراحة لكامب ديفيد، ومعناها المباشر إعادة احتلال المعابر في رفح ومنطقة الحدود.
تلك تطورات حادة في الخطط الإسرائيلية لا تقرأ بجدية حتى الآن في عمان على الأقل بقدر ما تعكس -برأي سياسيين رسميين- وقائع التراجع الاستراتيجي الكبير الذي حصل بعد 7 أكتوبر في العمق الإسرائيلي.
تحويل معابر الأغوار إلى صفة «ساخنة» أمر مريب للغاية حتى برأي السياسي والخبير الأردني الدكتور محمد حلايقة، وشهية الأطماع والسعي لتصدير الأزمة ملموسة في مناخ حكومة بلطجية اليمين في تل أبيب.
لا مجال لقراءة عودة هذه «الأطماع الحدودية» في الجوارين الأردني والمصري إلا في باب «الاحتيال مجدداً» والرغبة في استغلال الحرب والعدوان ووقائع التكيف المصري مع الحصار الاقتصادي في اتجاه «عودة التهجير».
وهنا حصراً تبرز مخاوف الأردن العميقة من «مؤشرات التكيف المصري» بعد ملامسة المعادلة المصرية التي تتصور بأن القاهرة مع «إخراج حماس من المعادلة» في قطاع غزة في نهاية الأمر، فيما يخشى الأردن أن ينتهي المشهد بإخراج الشعب الفلسطيني عبر الحدود مع رفح وتبقى حماس وحدها تقاتل وسط بقايا الركام.
السياسي الأردني لا ينفي وجود «قلق سياسي» من احتمالية بروز مفاجآت «تكيف مصرية» بأي لحظة تسمح لـ «سابقة التحريك الديمغرافي» بالولادة، بحيث سرعان ما تنتقل عدواها إلى الضفة الغربية، ثم الأغوار.
فرضية تلك «المفاجآت المصرية» مستقرة في عمق التفكير الأردني السياسي والإقليمي، وإن كانت حكومة عمان تكتمها.

الحدود مع فلسطين المحتلة تتحول من «سلمية» إلى «ساخنة»

وإعلانات الأطماع العسكرية الأخيرة في خاصرة الحدود مع الأغوار ورفح عبث كبير في العصب الحيوي للاستراتيجية الأمنية الأردنية وليس المصرية، ورغم الإعلان الثنائي عن «التنديد والرفض» فإن عمان لا تبدو واثقة جداً بأن لا يغير المصريون وجهتهم.
ومن حسن حظ أصحاب النوايا السيئة الآن، أن كيفية رد مصر على أطماع نتنياهو العلنية بالعودة لاحتلال محور فيلادلفيا أصبحت المعيار الذي يجب مراقبته للإجابة على السؤال الأردني التالي: هل تسمعنا القاهرة فقط الكلام الذي نرغب بسماعه، أم أنها بصدد التكيف؟
إذا تكيفت القاهرة «أمنياً» مع مطلب نتنياهو، فسيتم «خنق» المصالح والمخاوف الأردنية، مع أن قناعة عمان راسخة بأن سياسة القلعة الأمنية والأسوار المكهربة في رفح والأغوار تعني ضمناً أن «الطرف الإسرائيلي» ذاهب لسيناريو «التنظير للتهجير القسري والطوعي» أيضاً.
يريد الأردن أن يخوض معركة ضد سيناريوهات التهجير، لكنه يريد أكثر أن يتوثق من أن مصر معه على الخط نفسه، والأهم أن «الأصدقاء في واشنطن» ـ وفقاً للحلايقة وآخرين ـ لم يعودوا «مصدر ثقة» في تأمين وضمان المصالح الأردنية الحيوية.
والمعنى: إذا اتجه اليمين الإسرائيلي للمعادلة التي يقترحها السياسي ممدوح العبادي بـ «تهجير أذكى وأنعم» قوامه الضغط على الناس في القطاع والضفة اقتصادياً، سيحصل المحظور بدون سيناريوهات حرب.
لذلك، يقدر: «نعم، واشنطن في التهجير ليست مصدر ثقة».
عملياً، صمت عمان والقاهرة عن تسريبات صحافة يمين إسرائيل بخصوص كتفي الأغوار ومحور فيلادلفيا، يثير الارتياب ويبدو الصمت مبرراً وكأن العاصمتين مدركتان إلى أن المسألة لا تتعدى تهديدات فارغة لا مكان لها في الواقع من الجبهة اليمينية التي تترنح في تل أبيب.
على الأرجح، الشارع في العاصمتين «لا يشتري» هذه الرواية.
وفي عمان على الأقل التي تتميز قياساً في القاهرة بحراك شعبي فاعل ومخاوف وجرأة الجملة الاعتراضية أكثر، يريد الشارع أجوبة على أسئلة المخاوف ويريد أن يعلم قبل ذلك أن دولته «ستقاتل» سياسياً ودبلوماسياً على الأقل في حال «ضم الأغوار» بذريعة وجود تهريب أسلحة من مجموعات إيرانية، في «كذبة صريحة» للعمق الإسرائيلي، صديق عمان القديم.
منذ 7 أكتوبر، لم تحصل أو ترصد أي حالة اختراق واحدة من جهة الأردن تبرر تغيير تصنيف الحدود من «سلمية» إلى «ساخنة».
ويعلم الإسرائيليون مسبقاً أن فصائل المقاومة في غزة لا تجازف بنقل ولو أسير واحد إلى الجانب المصري من الحدود، ولا تستطيع إدخال «زجاجة مضاد حيوي» واحدة، على حد تعبير نقيب الأطباء الأردني الدكتور زياد الزعبي، فما بالك برصاص وأسلحة وذخائر!
باختصار، إسرائيل الجريحة تريد «شرعنة» التهجير قسراً وطوعاً باقتراحاتها المستجدة على الأغوار ورفح.
وقد يتطلب الأمر «قمة جديدة» تعقد في القاهرة ترسل موقفاً «أكثر خشونة» باسم البلدين وبصيغة إجرائية تتجاوز كلاسيكات الشجب والاستنكار المتراكمة منذ يوم 7 أكتوبر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى