اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: حماقة «فلاتر» و«تضليل» وطن

بلغت حال أمة العرب حضيضاً تاريخياً جديداً أكثر انخفاضاً من ذلك الذي بلغَته عندما خلصت من قرون من السيطرة العثمانية، إثر الحرب العالمية الأولى

لسبب أو لآخر يقرر «مسؤول ما» وظيفته الأساسية «الإصغاء ونقل» ما سمعه للقيادة المرجعية أن يستمع «لنفسه فقط» ويغرق في سلسلة محاذير تؤدي في المحصلة لـ«حجب الحقيقة» عن مركز القرار.
«الفلاتر» متكلسة ولا تقوم بواجبها… وقد تم تكرار الإشارة إلى ذلك مرارا عندما يتعلق الأمر بتشخيص الحالة الأردنية.
بعد سلسلة تقييمات قد تتشكل الآن يوجد فرصة لمعرفة السبب في تكلس الفلاتر التي يمثلها عمليا في الحالة الأردنية عدد من الذين يحملون صفة «مهم جدا» من كبار المسؤولين والمستشارين.
بصراحة أردنيا طوال الوقت يتردد السؤال التالي: كيف ولماذا وعلى أي اساس يتجرأ مسؤول ما على ارتكاب جريمة مهنية وطنية من وزن «حجب المعلومة عن صاحب القرار»؟
من يفعل ذلك موسميا في بلادنا استلم وظيفته أصلا بطريقة غير ديمقراطية ولم ينتخب بل تم اختياره دون غيره من عباد الله للقيام «بواجب ما».
المرء عندما يغرق بمثل هذه المفارقة الإدارية يصطدم بما قاله يوما في كلية الأركان الحربية سياسي مخضرم ومحنك من وزن زيد الرفاعي: وضع القيادة ـ أي قيادة ـ ضمن خيار استراتيجي واحد فقط في القضايا المهمة… «خيانة».
حتى أخفف من وطأة الكلمة أقول «حماقة».
نسمح كأردنيين جميعا بارتكاب سلسلة من هذه الحماقات دوما وأحسب أن التنوع والتعدد في الرأي والتقدير مطلب أساسي لأي قائد وفي كل المعارك لأن الاستماع مطلوب عندما يتحدث «جنود أحياء» في المعارك ولأن القيادة ـ أي قيادة ـ لها مصلحة في الاستماع لآراء «حرة» متحررة من «التملق والخوف والتردد والتسحيج»، ومعيارها «مهني» بامتياز على الأقل بين الحين والآخر أو على الأقل عندما يكون الموضوع ضروريا جدا.
كان لافتا مؤخرا عنوان مقال نشرته إحدى الصحف الإلكترونية: «هل نفذت وزارة الطاقة فعلا التوجيهات الملكية؟»
لقد تم سابقا نشر عشرات بل مئات المرات عناوين ومقالات وآراء من هذا النوع الذي يحاول إحراج أي وزير أو الحكومة عبر الاختباء خلف سؤال له علاقة بـ«عباءة التوجيهات الملكية».
غريب جدا أن الحكومات المتعاقبة تعتاش أحيانا بعد تقصيرها بالبقاء خلف تلك العباءة.

الأغرب أن من يعارضون سياسات وقرارات تلك الحكومات حتى من أبناء الدولة يختبئون
أيضا في نقدهم واعتراضهم خلف نفس العباءة في متوالية هندسية سلبية بامتياز لا تعالج مشكلة وأصبحت تقليدا بائسا والمتضرر الأبرز منها دوما التوجيهات والعباءة.
لا يوجد اسم لهذه الممارسة في الإدارة الأردنية العليا إلا «تكلس الفلاتر».
لكن الأمر قد لا يقف فعلا عند أي حدود تكلس بل يمتد لحماقات إدارية صعب جدا تفكيكها.
عند التدقيق بالتراتبية الإدارية في الهيكل البيروقراطي الأردني وكيفية اتخاذ القرارات في المعبد الإداري إياه الذي يطالب بهدم جزء أساسي منه اليوم النائب الخبير الدكتور خير أبو صعليك ثمة مفاجآت بالجملة.
تبدأ «أي معلومة» من عند الموظف الصغير فتنتقل للمسؤول الأعلى ويخصم منها قليلا لأن الاعتقاد سائد بأن المسؤول في الإدارة لن يصبح مسؤولا إلا إذا عبث قليلا فزاد أو اختصر من المعطيات التي تصله من موظفي الميدان.
والمسؤول الأعلى يخصم قليلا ويتدخل في الاقتراح أو الفكرة أو التوصية ويجري تعديلات مكياجية قبل رفع الورقة لمن هو أعلى منه.
تقف الورقة نفسها عند مكاتب كبار الموظفين ومساعدي الوزراء والأمناء العامين فتجري تعديلات عليها للمرة الثالثة انطلاقا من أيديولوجيا بيروقراطية بمثابة قانون صامت فكرتها «ان الأردني المخلص هو ذلك الذي لا يوثق العيوب ولا يتحدث عنها حتى على الورق».
قبل «الوزير» بمسافة تكون الفكرة قد «شوهت» تماما، مما يظهر الكثير من الوزراء وكأنهم في حالة «غيبوبة» بعد الاستسلام لما قرره لهم المساعدون والمستشارون وكبار الموظفين.
بكل حال يستمر عرض مسلسل المتوالية الهندسية ذاتها فيحمل الوزير «غيبوبته» الإدارية لمجلس الوزراء فتوضع أمام سلطة التنفيذ معطيات إن لم تكن «مضللة» فهي على الأقل لا تعكس «الواقع الميداني».
غالبا في مثل هذه الحالات يتبنى رئيس الوزراء ما يقوله وزيره والأخير ما قاله الأمين العام أو المساعد والطبقة تلك تتبنى بعد التعديل والإصرار على عدم كشف عيوب الذات الإدارية تنقل المعلومة ليس بالتأكيد بصورتها الحقيقية.
سلسلة لا متناهية من التواطؤات البيروقراطية المضجرة تقود بطبيعة الحال لواحدة من حالتين في الإدارة… إما قرارات خاطئة أصلا وبنيت على مداخلات ليست في مكانها أو قرارات غير قابلة أصلا للتنفيذ.
في الكثير من الحالات تتحول أوراق هذه الاتجاهات إلى هيئات الرقابة ثم تصبح قضايا رأي عام وتحال للقضاء وتساهم في تشويه سمعة البلاد بفساد «كان يمكن أن لا يحصل» بكل بساطة لو بقيت الفلاتر متيقظة ومنتجة ولو أعطي الخبز لخبازه الحقيقي.
ومن لا يتحول لهذا الدرب ينضم إلى المتحف والأرشيف فخوفا من «تحقيقات الفساد» واتهامات الشارع والمنصات يمتنع كبار الموظفين عن توقيع قرارات أو تنفيذها ويغرق الجميع في نفس الدوامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى