اراء و مقالات

«انزلاق أمني» في الأردن بمقتل 4 من الأمن ومداهمة «الحسينية» تطرح «أسئلة حرجة» على «المنظومة»… فأين الخلل؟

عمان – «القدس العربي» : الأرجح أن الأسئلة الحرجة في المسألة الأردنية اليوم ستطرح على قادة ورموز المنظومة الأمنية في البلاد قريباً بعد سلسلة تطورات في المشهد المحلي، انزلق بعضها إلى السياق الدموي، وفقد بسببها حتى الآن أربعة من ضباط الأمن العام حياتهم، فيما أصيب خمسة آخرون حتى اللحظة ضمن سلسلة خسائر وتضحيات من النوع الذي لا يمكن تجاهله على مستوى البنية الاجتماعية والسياسية في الدولة وبين الناس. تلك الخسائر بالأرواح تقدم في إطار التضحية للحفاظ على الأمن والاستقرار داخل محيط من الجدل والنقاش محلياً وإقليمياً وحتى دولياً.

أسئلة حرجة

لكن حديث التضحيات يلامس كل الجدران الحساسة في التكوين الاجتماعي والعشائري الأردني، والرأي العام عموماً يطرح مبكراً تساؤلاته على المنظومة الرسمية برمتها. وليس من المبالغة القول بأنه سيطالب المنظومة الأمنية المحلية وقريباً بالإجابة على بعض الأسئلة الحرجة، مع أن تلك الأسئلة طرحت في السياق السيادي وعلى مستوى خلايا الأزمة منذ بدأت أو رصدت أول حادثة اعتداء تخالف القانون على حافلة سياحية في الطريق الصحراوي إلى مدينة العقبة، فيما كانت البلاد منشغلة بمؤشرات العصيان المدني وما سمي بإضراب السائقين.
لدى مطبخ الحكومة على الأقل شكوك في أن تطور مسار الأحداث لم يكن طبيعياً، خصوصاً مع ظهور خشونة وعنف أثناء الاشتباك مع إضراب سائقي قطاع النقل حتى وقعت جريمة قتل الضابط الشاب العقيد عبد الرزاق الدلابيح برصاص مجهول جرح جميع الأردنيين عملياً. بعد استشهاد العقيد الدلابيح خفت حدة توترات الشارع واعتصاماته، وأخليت مساحة كبيرة للسلطات المختصة لتعقب المجرمين في حادثة الدلابيح، واستمرت عملية أمنية واستخبارية مهنية نحو 3 أيام خلف الستارة والكواليس إلى أن استيقظ الأردنيون على دراما أمنية جديدة نجمها شخص يشتبه بأنه قاتل العقيد الشهيد في منطقة الحسينية الصحراوية.
يبدو وحسب المجريات المعلنة رسمياً بعد ظهر الأحد، أن المشتبه به الذي قتل أثناء الاشتباك لاحقاً تحصن مع 8 أشخاص من عائلته المباشرة، هم أربعة من الأشقاء وأربعة من أولادهم، وتم التحصن في منطقة معزولة. وفي الوقت الذي داهمت فيه قوة أمنية خططت لإلقاء القبض على المشتبه به، أطلق مسلح الرصاص وبكثافة على القوة الأمنية.
النتيجة مؤسفة جداً من حيث الخسائر هنا أيضاً، فقد تمكن الإرهابي -كما وصفه البيان الرسمي- من قتل 3 من عناصر الأمن وجرح 5 آخرين بنفس اللحظة وبواسطة سلاح أوتوماتيكي رشاش، الأمر الذي قد يضفي تساؤلات مهنية واحترافية لها علاقة بالجانب الفني في عملية المداهمة نفسها، حيث يفترض ألا يتمكن مسلحون حتى وإن كانوا إرهابيين، من قتل وإصابة هذا العدد من أبناء الأمن العام.
بكل حال، تلك أسئلة فنية ميدانية، أغلب التقدير أن المؤسسة نفسها تراجعها اليوم وتُترك طبعاً للجهات والجبهات الخبيرة، مع أن الشعور سياسياً وبيروقراطياً كان مبكراً عندما اندلعت أحداث عنف رافقت الإضراب بأن خللاً عملياتياً ما يحيط بمسلسل الأحداث.
بكل حال، تملك المنظومة الأمنية والسياسية خبرة وفكرة مراجعة ما يحصل والبناء عليه مادامت مديرية الأمن العام تسترسل في القيام بواجبها. لكن المفاجأة الأهم بإعادة نحت وظهور العبارة المتعلقة بحملة الفكر التكفيري وتحديداً في منطقة الحسينية في البادية الجنوبية، فتلك صيغة كانت متوارية ومنذ سنوات طويلة عن أضواء الإعلام، ولم ترد منذ سنوات أيضاً في بيانات رسمية.
الرواية الرسمية هنا تشير بوضوح إلى عائلة مسلحة من التكفيريين تضم 9 أشخاص قتل أحدهم العقيد الدلابيح، ثم استشهد ثلاثة عناصر أمنية أثناء محاولة القبض عليهم. الكلفة البشرية هنا كبيرة وصادمة، والجزء المتعلق بكيفية تشكيل تنظيم إرهابي تكفيري ظهر بالرصاص على هامش إضراب مدني، تحتاج إلى مراجعة في عمق المعادلة هذه المرة، وأغلب التقدير أن مركز القرار السياسي سيراجع وسيتخذ قرارات.
لكن ظهور مجموعات مسلحة تكفيرية أمر مباغت يغذي أسوأ السيناريوهات التي يمكن تخيلها، خصوصاً في منطقة البادية الجنوبية ومحيط مدينة معان، حيث إيقاع الاحتجاج أصلاً، بعيداً عن التكفيريين والمسلحين، مرتفع في مساحتين تتضمنان مظلومية مستمرة؛ الأولى هي الفساد واللصوص، والثانية هي الوضع المعيشي الصعب. وتلك طبعاً مسألة أخرى تزيد التعقيدات في مشهد معقد ومأزوم.
المنطقة التي شهدت سقوط شهداء الأمن وعمليات خشنة بالرصاص وإغلاق الطرق قبل ذلك، يعلم الجميع أن فيها كميات لا يستهان بها من الأسلحة، لكن جزءاً أصغر من تلك الأسلحة بدأ اليوم يستخدم ضد الدولة، سواء ارتبط النشاط الإجرامي بتكفيريين أو إرهابين فعلاً، أو حتى بشركاء لهم في مزيج مع تجارة المخدرات.

ملامح بؤرة ساخنة

تتشكل ملامح بؤرة ساخنة جديدة، والانتشار الأمني في تلك المنطقة سيستمر لفترة أطول، والتحقيقات يفترض أن تتواصل خلف الستائر. لكن زحام الأسئلة ينتهك الجميع اليوم، والتقدير أن الأسئلة الأهم في المنظومة التي ستوجه لمنظومة الأمنية فيما أسئلة المعيشة والاقتصاد في رقبة حكومة تخفق في شرح روايتها مرة تلو الأخرى. زحام الأسئلة يتردد على كل الألسنة في الصالونات والمجالس.
هل حصل نمط من الإخفاق أو سوء التنسيق؟
هل تشهد البلاد عودة للإرهابيين والمتطرفين والتكفيريين المسلحين؟
هل ثمة مؤامرة من جهات إقليمية أو مجاورة؟
هل ثمة صراع بين نخبة الكبار آن أوان التعامل معه وبحزم؟
تلك أسئلة مطروحة على الحكومة وعلى المنظومة التي تخضع للتحديث منذ أشهر، ومن الصعب توقع لجم سؤال بدون جواب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى