اراء و مقالات

«الدعاء وصلاة الاستسقاء فقط»: «الأمن المائي» الأردني قيد النقاش بعد «الغذائي» و«الاجتماعي»

عمان – «القدس العربي»: ينذر الإعلان الرسمي عن أزمة مياه حادة في طريقها للوجود في الساحة الأردنية بقرب ولادة تجاذب ونقاشات عناوين عاصفة وسياسية هذه المرة ليس لها علاقة بأزمة المستقبل السياسي، ولا بأزمات الإقليم، ولا حتى بالوضع الاقتصادي الحرج معيشياً، ولا بتراجع خدمات القطاع العام، بقدر ما لها علاقة مرحلياً بأزمة مياه الشرب والزراعة والري.
الأزمة عنوانها العريض فاجأ جميع الأردنيين؛ فقد تم الإعلان عند جفاف 6 سدود مائية كبرى في الأردن من أصل 17 سداً كبيراً وصغيراً ومتوسطاً، وسط تصريحات لبعض الخبراء تتوقع جفاف بقية السدود.
وهي مسألة توحي بأن أزمة المياه تطرق كل الأبواب والأجراس الحساسة قريباً جداً وسط حالة عجز ملموسة من وزارة المياه التي لجأت إلى التحدث بشفافية عن الواقع الموضوعي للمياه وتخزينها، في الوقت الذي صعد فيه النقاش على مستوى خبراء ملفات المياه على أمل إيجاد حلول من أي نوع.
الحل الوحيد المتاح أمام أزمة مياه في فترة الانحباس المطري هو ذلك المتعلق بالعودة لسياسة تقاسم المياه ومفاوضات الحصص المائية مع إسرائيل وسوريا، إضافة إلى تحلية المياه.
وهي مسألة يمكن القول إنها مكلفة جداً للجانب الأردني، ولا يمكن الرهان عليها في تدبير الكمية اللازمة للمياه، خصوصاً أن تصنيف الأردن هو أنه من أكثر عشر دول في العالم تعاني من شح المياه. الإعلان عن جفاف 6 سدود دفعة واحدة، كان حدثاً بارزاً في السياق الأردني خلال الأيام القليلة الماضية، وأزمة الجفاف هي أزمة سياسات مائية بالمقام الأول، ولكن فرصة الاستدراك لم تفت بعد، برأي وزير المياه الأسبق الدكتور حازم الناصر. وبرأي خبراء آخرين، لا بد من الانتباه جيداً إلى التعامل مع مسألة المياه وتداعيات الملف في إطار استراتيجية وطنية نشطة وفعالة.
وتظهر وزارة المياه، وهي تميل إلى الشفافية والمصارحة، عدم وجود حلول حقيقية لها لمعالجة أزمة المياه المتوقعة، التي زادت تعقيداً في ظل الانحباس المطري، حيث تأخر الشتاء والمطر كما لم يحصل منذ أربعة مواسم على الأردنيين جميعاً، وأشّرت فضائية المملكة على العجز، وإلى حد ما على كشف المستور مائياً عن مصادر في وزارة المياه قولها مؤخراً بأن الحل الوحيد المتبقي بعد أزمة جفـاف السدود هو الدعاء والابتهال إلى الله سـبحانه وتعـالى وإقـامة الصـلاة.
دون ذلك، لا حلول… هذا ما يقوله كبار الساسة وكبار الخبراء المسؤولون عن ملف المياه. لكن حتى صلاة الاستسقاء التي أقامتها وزارة الأوقاف مؤخراً، تعرضت إلى موجة لاذعة من التعليقات الساخرة، واعتبرت في سياق أزمة مصداقية الخطاب الحكومي، ونشرت تعليقات بالجملة تقول بأن الحكومة الحالية هي السبب في انحباس المطر. وبناء عليه، كانت المقارنات كبيرة في ظل الصلاة التي أقامتها الحكومة للاستسقاء المطري، وإن كان الموسم الزراعي متضرراً للغاية، فيما يعتقد بأن انعكاس أزمة شح المياه على الموسم الزراعي قد يقدمان مساهمة فعاله لاحقاً تنعكس على الاهتمام الكبير بملف الأمن الغذائي أيضاً.
لاحظ الجميع في هذا السياق مؤخراً بأن الحديث عن الأمن المائي أعقب الحديث عن الأمن الغذائي والمخزون الاستراتيجي للغذاء في الأردن، كما أعقب الحديث عما قالته موظفة سابقة في إدارة الرقابة على الغذاء والدواء حول وجود مواد مسرطنة في مواد غذائية أساسية. لكن الأزمة في كل اتجاهاتها تتدحرج بوضوح، فالآن تعقد اجتماعات تحت عنوان تعزيز الأمن الغذائي، وبدأت تعقد اجتماعات فنية وسياسية تحت عنوان صيانة الأمن المائي، ويبدو أن سلسلة من جرائم العنف الاجتماعي ضربت وبقوة مفهوم الأمن الاجتماعي أيضاً، حيث يدعو خبراء متعددون وساسة كبار إلى التركيز على تأثير آفة المخدرات التي تنتشر بتوسع كبير في الأردن على معدلات الجريمة، وظهور أنماط من الجريمة العائلية أو المناطقية البشعة في الأردن لم تكن تظهر في الماضي، إضافة إلى بروز حالات انفلات أمني هنا أو هناك تهدد مفهوم الأمن الاجتماعي.
ويحصل ذلك رغم أن الأمن الاجتماعي كمفهوم، كان قد طورته القيادة الحالية لمديرية الأمن العام التي تشتبك بنشاط وفعالية مع الواقع الموضوعي برفقة تقصير أو عدم تفهم العديد من المؤسسات.
لكن المعالجة الأمنية هنا لا تكفي وحدها، وتحتاج إلى تضافر جميع المؤسسات، وبالتالي كثرة الحديث عن تلامس له علاقة بالحاجة إلى طرح مفاهيم أمنية سواء في الغذاء والدواء وبالصناعة والتجارة، أو حتى بالجفاف والمياه، وكذلك بالأمن الاجتماعي، وهي مسائل يمكن ملاحظتها ببساطة على خطاب وألسنة المسؤولين الأردنيين لا على ألسنة المعارضين فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى