اراء و مقالات

مفارقة أردنية: تحديث المستقبل عبر «وصفات الماضي» والإصلاح بنكهة «الحرس القديم»

عمان – «القدس العربي»: لا تزال وصفات الترتيب القديمة في المشهد السياسي والمحلي والنخبوي هي التي تحكم الاعتبارات بالرغم من مواجهة اختبارية شرسة لعهد «تحديث المنظومة السياسية». ليس صدفة أن العبور الآمن بوثيقة ومخرجات تحديث المنظومة السياسية خلط بعض الأوراق.
وليس صدفة أن تمكين هذا العبور يحتاج في مفارقة أردنية بامتياز إلى تلك الوصفات وطرق التنميط والتقميش القديمة التي حضرت وثيقة تحديث المنظومة أصلاً، إما لمواجهتها أو لإعادة إنتاجها والاشتباك معها، مما يثبت مرة جديدة حجم نفوذ وتأثير وجذور تلك الوصفات الكلاسيكية، التي لا يمكن القول بأنها ديمقراطية حقاً أو حتى مهنية ومنتجة، وإن كانت باقية على قيد الحياة السياسية وتتمدد. ذلك اختبار صعب للغاية عنوانه هذه المرة ليس تحول حراس البوابة المحافظين إلى أدوات متقدمة في المعركة من أجل التحول الديمقراطي، ولكن تمكنهم بالمقابل من السيطرة على المشهد، لا بل الحاجة الملحة لهم وخلافاً لمنطوق ومضمون تحديث المنظومة أو حتى أهدافها الأبعد.
مفارقة يمكن رصدها بكل الأعين والمجسات عندما يتعلق الأمر في حاجة إلى الطرق القديمة في تنفيذ ترتيبات على مسارين، الأول له علاقة بما سمي مبكراً بأحزاب الأنابيب من حيث النشأة والتكوين والولادة خارج الرحم. والثاني له علاقة بنزع الدسم مبكراً من جوهر تحديث المنظومة العميق عند محاولة تركيب أو إعادة ترتيب مجلس النواب ضمن أولويات الحرس القديم والتيار الوطني المحافظ.
ينزع الدسم بهذه التقنية من المحتوى والمضمون السياسي لتحديث المنظومة. وهو ما حذر منه عضو اللجنة الملكية ونقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي في وقت مبكر وهو يتحدث لـ«القدس العربي»عن عدم الوقوف عند محطة صياغة محتوى وطني جديد فعال فقط والانتباه لتصرفات القطاع العام والشخصيات الرسمية ولمستويات الاشتباك والتنفيذ. يغيب سمارة الزعبي عن المشهد بعد اجتماعات اللجـنة التي لم يكـن مرتاحـاً في أواخرهـا.
وفي إطار حسابات موزونة على بيكار انتخابات غامضة في النقابات المهنية، يحاول رئيس اللجنة التي صاغت المخرجات والوثيقة سمير الرفاعي، إظهار نوع من المبادرة في اتجاه تكريم شخصي لعشرات الأعضاء في عشاء سياسي خاص يبدو أن الهدف من بقاء المنظومة ووثيقتها في ذاكرة الحالة والوطن.
لكن بصرف النظر عن المستقبل الوشيك لنقاشات مجلس النواب أو أي عضو في اللجنة، ثمة من يخشى كلفة الافتقاد إلى مقاربات ووصفات عصرية فيها ولو قدر من الديمقراطية عندما يتعلق الأمر بكلفة القياس والاشتباك والترتيب والطهي للأحداث على المسار القديم، مما قد يؤدي ومبكراً إلى نزع بعض الدسم من وثيقة افتقدت -كما أصر الوزير والبرلماني محمد الحلايقة، عدة مرات- إلى الحاضنة الاجتماعية والشعبية، ملمحاً إلى أحد أخطاء التكتيك والتحضير المؤثرة والعميقة.
قد تحتاج اللجنة والوثيقة إلى أدوات الماضي ومقارباته في الاشتباك مع الواقع الموضوعي تأسيساً للمستقبل، وهو ما يعني غياب تكافؤ الفرص على الأقل في مشروع تركيب مواقع الصف الأول في مجلس النواب قبل ساعات فقط أو أيام قليلة من انتخابات رئاسة البرلمان عشية انعقاد دورة عادية مثيرة للجدل.
يتضمن ذلك التدخل المباشر للسلطات ومراكز النفوذ في ترتيب مشهد يفترض ألا يرصد التدخل فيه ما دام الأمر معنياً بما هو أهم مفصلياً، حيث عبور آمن للمخرجات. لكن حتى الأوساط النافذة والعميقة في لجنة التحديث، قد تضطر إلى طلب التدخل هنا، وقد يكون ذلك ما حصل برأي نواب بارزين يعتقدون الآن بأن الإنصاف والعدالة غابا في لحظات التحشيد والتحضير لانتخابات رئاسة مجلس النواب. تحدث النواب هنا اليوم عن وصفات وتوصيات تشكل محاولات تدخل في ترتيب مشهد انتخابات رئاسة مجلسهم، ويبدو أن الحديث يدور عن تقليص فرص بعض المرشحين لرئاسة المجلس مقابل تعزيز فرص مرشحين آخرين على إيقاع سيناريو يفترض تراتبية الأداء في سياق تمرير وصفة مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وعبر خصوم قدماء لنظرياتها في الماضي والاشتباك بنكهتهم.
طبعاً، تؤشر مداولات النواب ومجالساتهم إلى القوى المباغتة التي رافقت إعلان النائب المخضرم عبد الكريم الدغمي، عن ترشيح نفسه لرئاسة المجلس، وعن شعور نواب آخرين يؤيدون المرشح الدكتور نصار القيسي تحديداً بعد فترة طويلة من إعلان ترشيح لذاته لتقليص فرصة مرشحهم.
وهذا يعني أن المشهد منفلت حتى هذه اللحظة عشية التحضير لانعقاد الدورة العادية للبرلمان. وفي السياق الحزبي وعلى مستوى النشطاء، يمكن القول بأن أحد الاتهامات أو الملاحظات التي يتم تداولها تلك المتعلقة باللجوء إلى وصفات قديمة في محاولة تكوين وإنشاء أحزاب سياسية عبر تقنية الأنابيب والولادة خارج الرحم. وقد أدى التفاعل أو النشاط على هذا المسار إلى الجدل الذي رافق، على مستوى الرأي العام ومنصات التواصل، ولادة أحد الأحزاب، مما اضطر الديوان الملكي لإصدار تصريح أو بيان ينفي فيه أي صلة بينه وبين الأمين العام لحزب تحت الإنشاء والتكوين أعلن الشكر للأجهزة الأمنية والديوان الملكي، فيما أصر بيان الديوان هنا على أن الديوان لا يتدخل ولا علاقة له لا بهذا الحزب أو بغيره. وعموماً، يمكن القول وبشكل واضح، بأن اللجوء إلى أدوات ووصفات الماضي أصبح يشكل عبئاً على المحتوى العميق لوثيقة تحديث المنظومة السياسية.
وهو أمر يفترض أن ينتبه له الجميع، وإن كانت الرموز المؤمنة بالديمقراطية وتمدين الحياة السياسية في البلاد في الماضي كانت ترفع مطالبها في اتجاه تحويل مراكز القرار الرسمي إلى مراكز دعم وإسناد لأي تحولات لصالح الحياة الحزبية والحياة الديمقراطية. لكن يبدو أن عملية من هذا النوع تخلط الأوراق وتبقى في مستوى الإرباك العام مادامت الأعراف والتقاليد الحزبية والديمقراطية في إطارها وسياقها الثقافي لم تتكرس بعد، ليس على مستوى الأجهزة ومؤسسات القرار، ولكن أيضاً على مستوى النخب وحتى الشارع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى